توقّف ضخّ مياه نهر الليطاني إلى خزانات المياه المعتمدة لنقل المياه وتوزيعها إلى معظم المناطق الجنوبية، ولا سيما في منطقة جنوب نهر الليطاني، التي تضمّ أكثر من 36 قرية وبلدة (نحو 250 ألف نسمة)، يعتمد الكثير من أبنائها المقيمين على الزراعة.
تبدو هذه «الكارثة» في أولها، فمن المتوقع، في الأيام القليلة المقبلة، انقطاع المياه بنحو كامل، بعد أن تفرغ الآبار المنزلية، وتشح مياه البرك الزراعية. وهذا يطرح تساؤلات كبيرة عن جدوى إنفاق مبالغ طائلة على مشاريع المياه المتعددة، في السنوات الماضية، ولا سيما على مشاريع بناء خرانات ضخمة للمياه في بلدة برعشيت، ومحطة ضخّ جديدة في بلدة شقرا (بنت جبيل)، التي لم تُشغَّل حتى الأن، لأسباب تتعلّق «بعدم توفير اشتراك الكهرباء اللازم لها لتأمين الضخّ»، رغم أن الهدف منها ضخّ المياه إلى قرى وبلدات بنت جبيل.
أدى انخفاض منسوب هطل الأمطار، في الشتاء الفائت، إلى «نضوب المياه في نهر الليطاني، وانخفاض تخزين بحيرة القرعون من 250 مليون متر مكعب إلى 50 مليون متر مكعب فقط، ما أدى أيضاً إلى توقف معامل الليطاني الكهربائية الثلاثة، وهي معامل: عبد العال - بسري - حلو. ونجم عن ذلك انخفاض في قوة التوتر الكهربائي من 66 كيلوفولت إلى 54 كيلوفولت في معمل بلدة مركبا (مرجعيون)، الذي يغذّي محطة مرجعيون مباشرة، ومن ثم محطة الطيبة، التي وصلت قوة التوتر فيها إلى 52 كيلوفولت فقط»، بحسب خبير المياه بديع قطيش.
يقول قطيش لـ«الأخبار» إن «قوة التوتر الكهربائي في معمل مركبا مرشحة للانخفاض صيفاً إلى 12 كيلوفولت، ما يخفض من قوة المحول على الضخّ من 6500 فولت إلى 5700 فولت، وهذا يؤدي إلى توقف طلمبات الضخّ الأربع الموجودة على النهر، علماً أنه في الوقت الحالي لا يمكن تشغيل سوى طلمبة واحدة، وبصعوبة». ولفت قطيش إلى أن «منسوب بحيرة القرعون الحالي، مخصّص منه 20 مليون متر مكعب لري أراضي منطقة صور، وقسم آخر لريّ البقاع الشمالي». أي إن منسوب البحيرة اليوم غير صالح أصلاً لتغذية منطقة جنوب الليطاني، إضافة الى أنه غير صالح لتوليد الطاقة الكهربائية، لأن معمل عبد العال الكهربائي يحتاج لتشغيله إلى نحو مليون ونصف مليون متر مكعب من المياه على الأقل، ولذلك فإن معامل الليطاني الثلاثة متوقفة بالكامل.
قوة التوتر الكهربائي في معمل مركبا مرشحة للانخفاض صيفاً

الجدير ذكره أن المحطات الحرارية لتوليد الطاقة الكهربائية، مثل محطة الزهراني، غير قادرة تقنياً لأن تكون بديلاً لمعامل المياه، إضافة إلى أن مضخات المياه التي تضخ المياه من الآبار الارتوازية، في وادي جيلو (قضاء صور) وفخر الدين (قضاء النبطية) عاجزة اليوم عن ضخ المياه بسبب ضعف التيار الكهربائي. وهذه المشكلة تواجهها اليوم أيضاً جميع البلدات والقرى التي تعتمد في جزء من مياهها على الآبار الأرتوازية المحلية، التي يزيد عددها، بحسب رئيس اتحاد بلديات جبل عامل علي الزين على «90 بئراً في منطقة جنوب نهر الليطاني، وهي قد تكون حلاً مبدئياً للمشكلة، رغم مخاطرها البيئية، ولكنها مكلفة وتحتاج إلى كهرباء قوية، حتى إن معظمها معطل»، مبيناً أن «اجتماعاً عُقد الأسبوع الماضي بين رئيسي اتحادي بلديات بنت جبيل وجبل عامل والمدير العام لمصلحة مياه لبنان الجنوبي أحمد نظام ومسؤول العمل البلدي في حزب الله فؤاد حنجول، تطرق إلى المشكلات الثلاث التي تواجه توفير المياه للأهالي، وهي المرامل والكهرباء والجفاف، وكان الاتفاق على أن تتابع مشكلة رمي الرمال، التي تعرقل عملية الضخّ من أسفل النهر، قضائياً، وإيجاد بدائل مجدية لمعالجة مشكلتي الجفاف والكهرباء، بالتعاون بين مؤسسة كهرباء لبنان وبلديات المنطقة»، مشيراً إلى أن «هذه الأزمة الكبيرة يجب أن يستفاد منها لمعالجة الهدر وسوء توزيع المياه ورفع الغطاء عن جميع المخالفين والمقصرين». لكنه في الوقت عينه أشار إلى «عدم اهتمام المعنيين بهذه الأزمة الملحّة، وترك همها على المجالس البلدية، لذلك دفع اتحاد البلديات 500 مليون ليرة حتى الآن لإنشاء شبكات جديدة للمياه، وهي أعمال خارجة عن صلاحيته». وبين الزين أن «اجتماعاً على مستوى المسؤولين والنواب كان مقرراً سابقاً وأُلغي».
يلفت النائب علي فياض إلى أن «ضعف القوة الكهربائية، الذي يحول دون ضخ مياه النهر، أدى أيضاً إلى تعطيل محطات ضخ مياه الآبار الارتوازية في بعض القرى، لذلك سنعقد لقاءً قريباً مع المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، لبحث السبل البديلة التي منها توفير محول كهربائي لرفع القوة الكهربائية، بعد الاستعانة بالخبراء المتخصصين في هذا المجال».
في هذا الإطار، حذّر مصدر معني من أن معالجة مشكلة المياه الحالية غير ممكنة إلا بعد معالجة مشكلة التوزيع غير العادل للمياه، وضبط عمليات سرقة المياه، وخفض الضغط عن محول الكهرباء الرئيسي المخصّص لضخ المياه من النهر، الذي يعاني اليوم من مشكلات تتعلّق باستخدام طاقته الكهربائية لتوفير الكهرباء إلى 15 بلدة، بخلاف ما كان مقرراً سابقاً»، مبيناً أن «استخدام هذا المحول، يجري بطريقة غير مدروسة، ولا سيما في ظل عدم التزام عشرات المواطنين وضع عدادات كهربائية، ولجوء الكثيرين إلى سرقة الكهرباء وصرف كميات كبيرة منها». وأشار إلى أن «تفاقم مشكلة المياه، وزيادة الحاجة إليها، دفعا الموظفين المسؤولين عن خدمة المناطق في مصلحة مياه الليطاني، يقفلون هواتفهم في وجه المتابعين».