يعقد المجلس الشرعي الأعلى اجتماعاً اليوم في دار الفتوى. في الشكل، هو اجتماع عادي دوري، لكنّ عدداً من أعضائه ينتظرون أن يحمل المحضر إجابات رئيسه، مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني، عن تساؤلاتهم واستفساراتهم حول اللقاءات التي تجمع بين نجله راغب ومستشار الرئيس سعد الحريري، نادر الحريري، في إطار محاولة للصلح وقلب صفحة السنوات العجاف الثلاث من القطيعة والخصام.
فبعد لقاءين وديين في غضون شهر، بين النجل والمستشار، أعقبهما اتصال «سلام وكلام»، تلقّاه المفتي من السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري، بات الحديث عن لقاء مباشر بين قباني والرئيس الحريري مسألة وقت. ولأن احتمال عودة الأخير إلى بيروت صعب حالياً، ينتظر قيام الأول برحلة إلى السعودية للقائه ولقاء المسؤولين السعوديين بعد جفاء طال، علماً بأن عسيري قال أمام ضيوف لبنانيين استقبلهم في السعودية قبل أسابيع إن «قباني شخصية مؤهلة، لكن المشكلة في من هم حوله».
لكن لمن هم حوله هؤلاء رأي آخر في المصالحة الجارية، إذ يشكو البعض من تكتم قباني، متسائلين عن الصفة الرسمية لراغب ليكون طرفاً فيها؟
أجواء من القلق بين مفتي المناطق المحسوبين على قباني من نتائج المصالحة



في اتصال مع «الأخبار»، كشف عضو المجلس سعد الدين خالد أن الأعضاء سيطلبون في اجتماع اليوم من قباني عرض فحوى الاتصالات بين الحريري ونجله ونتائجها. وهي اتصالات يعدها خالد «تخص راغب بشخصه فقط، ولا تخص والده بموقعه كمفتٍ». فهل المفتي غير راضٍ أم عالم بالأمور؟ ينتظر خالد أن يحصل اليوم على الإجابة، لكنه، في المقابل، أعرب عن ترحيبه بأي مبادرة إيجابية «يطرحها الطرف الآخر بهدف توحيد صفوف المسلمين».
أما زميله زهير الخطيب، فرأى أن تقارب المفتي مع المستقبل «يخصه وحده ولا يعني دار الفتوى أو المجلس الشرعي». وأكد أنه وزملاءه علموا بلقاء راغب ونادر من وسائل الإعلام. أما إذا صدقت الشائعات عن صفقات من تحت الطاولة، أو تقديم تنازلات، «فحينها سيكون لنا رأي آخر كأعضاء منتخبين لمجلس يرأسه قباني، لكنه ليس الحاكم بأمره فيه». وكشف الخطيب، من جهة أخرى، عن إعداد عدد من الأعضاء لإثارة ملف الأوقاف الواقعة ضمن مشروع «سوليدير»، متهمين الشركة بالاستيلاء على حقوق الدار. وعلى أجندة الاجتماع أيضاً، البحث في مصير لجنة رأب الصدع التي انبثقت من المجلس لزيارة رئيس الحكومة تمام سلام، ورؤساء الحكومات السابقين المعنيين بأزمة دار الفتوى. وفي هذا السياق، قال خالد إن الرؤساء السابقين، ما عدا الرئيسين عمر كرامي وسليم الحص، تهربوا من إعطاء موعد لها. ودعا سلام الى تحمل مسؤولياته «كرئيس حكومة وكبيروتي واتخاذ موقف حكيم ومتوازن لحل الأزمة».
الى ذلك، سادت أجواء من القلق بين مفتي المناطق والموظفين والعلماء المحسوبين على قباني من نتائج المصالحة عليهم. وتساءل هؤلاء عن مصير المفتين الذين عينهم قباني في زمن المقاطعة، خلفاً للمفتين الذين كانوا يشاركونه الولاء الأزرق. البعض حاول استباق ساعة التخلي المرتقبة. في هذه الخانة، صنّف كتاب الشكر الذي وجهه مدير الأوقاف العام في الدار الشيخ هشام خليفة إلى السنيورة، باسمه وباسم الأوقاف على «جهودكم الكبيرة مع مؤسسة الشيخ خليفة بن زايد للأعمال الإنسانية في الإمارات المتحدة، التي أثمرت دعما مالياً وصحياً للعاملين والإداريين والأئمة والخطباء». خطوة خليفة، الذي كان المفتي يزكّيه لخلافته، عدّها البعض استعجالاً، إذ إن الكتاب (مؤرخ في 7 نيسان الجاري، وأكدت المصادر أنه نص وطبع في مكتب السنيورة نفسه) جاء في الوقت الذي وافق فيه الحريري على طلب قباني استبعاد السنيورة عن ملف الخلاف!
المصالحة لا تقلق طموحات خليفة بخلافة قباني فحسب، ما جعله يقلّص حضوره إلى مكتبه في الدار، بل خلطت الأوراق وأثارت جدلاً واسعاً بين بعض أعضاء المجلس الشرعي الأعلى. ومن المقرر الثلاثاء المقبل، أن يلتقي عدد من الأعضاء في بيروت للبحث في الموقف من المصالحة مع المستقبل. وإذا كان هؤلاء يكتفون بالاحتجاج على المصالحة، فإن السنيورة لا يتوانى، على نحو مباشر أو غير مباشر، عن عرقلتها. وفي هذا الإطار، وُضع منع مفتي الشمال مالك الشعار، المفتش العام المساعد للأوقاف الشيخ حسن مرعب، الذي عينه قباني أخيراً، من دخول مقر الأوقاف في طرابلس.