هاني البرشا *الأصل في عقد الإيجار حرية التعاقد، لكنّ ظروفاً اجتمعت حدت بالمشترع اللبناني إلى التدخل في نطاق التعاقد الحر، في أكثر من ناحية، حرصاً على السلام الاجتماعي العام في لبنان، وذلك من سنة 1939 تاريخ صدور أول قانون استثنائي للإيجارات في لبنان، وصولاً إلى القانون الأخير. أتطرق إلى القانون الجديد بحد ذاته، انطلاقاً من انعكاس أحكامه على عمل المحاكم المولجة بتطبيقه من قضاة منفردين ومحاكم استئنافية.

إن القانون الجديد استحدث مؤسسات قانونية جديدة، كالصندوق الخاص لمساعدة بعض المستأجرين، كما أدخل طريقة مبتكرة ولكنها معقدة لناحية كيفية احتساب الزيادات على البدلات. وفي حين أبقى على طرق الاسترداد السابقة، كالضرورة العائلية والهدم، أضاف القانون وسيلة جديدة تعتمد على مبدأ العرض والطلب بين المالك والمستأجر. إلا أن الأسئلة المطروحة تنحصر بمعرفة هل ان هذه المؤسسات المستحدثة يسهل إنشاؤها؟ هل من الممكن تمويلها؟ وهل ان احتساب البدلات على النحو الوارد فيه هو بمتناول كافة المواطنين؟ أم أن المحاكم سوف تضطر إلى اجتراح الحلول من أجل إيجاد الانسجام اللازم بين نصوصه؟ هذه القضايا سأعالجها تباعاً في الشكل والأساس على سبيل المثال وليس الحصر:
أولاً: لقد خلق القانون التباساً شديداً حول النصوص الواجبة التطبيق على الدعاوى التي لا تزال عالقة أمام المحاكم. ففي حين نصت المادة 32 فقرة «د» على تطبيق أحكام القانون الجديد على دعاوى الاسترداد العالقة، التي لم يصدر بها قرار مبرم قبل تاريخ نفاذه، عادت ونصت المادة 55 منه على إبقاء الدعاوى المقامة قبل تاريخ العمل به خاضعة لأحكام القوانين التي أقيمت في ظلها. ولا شك في أن هذا التناقض بين أحكام القانون الواحد سيخلق تشابكات لدى المحاكم كانت في غنى عنها.
ثانياً: لم يرع القانون الفترة الواقعة ما بين تاريخ 31/3/2012 وتاريخ نفاذه بعد ستة أشهر من تاريخ نشره، لا سيما أن آخر تمديد لمفعول قانون الايجارات رقم 160/92 حدد مهلة التمديد لفترة أقصاها تاريخ 31/3/2012. فأي نصوص تطبق على هذه الفترة وكيف تحل النزاعات الناشئة بين المالكين والمستأجرين خلالها؟
ثالثاً: ثمة نقطة شكلية إيجابية تضمنها القانون في المادة 32 منه، إذ إنه حدد الصفة اللازمة لإقامة دعوى الاسترداد للضرورة العائلية بأنه ثلاثة أرباع الأسهم في العقار، ولحظ بصراحة إمكانية موافقة المالكين الذين يشكلون هذه النسبة بعد إقامة الدعوى! كنا نتمنى لو تضمن أيضاً توضيحاً وتحديداً للصفة الواجبة لإقامة دعوى الاسقاط من حق التمديد، التي لا تزال موضع خلاف في الاجتهاد اللبناني.
رابعاً: لقد زاد القانون أعباء الخزينة العامة بإنشائه صندوقاً خاصاً لمساعدة المستأجرين الذين لا يتجاوز معدل دخلهم الشهري ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور، وهم كثر، لكنه خلق التباساً حول كيفية احتساب هذا الدخل ومن هم الأشخاص الذين يقتضي أخذهم بعين الاعتبار لاحتسابه. فالمادة 3 تنص على أنهم «المستأجر وشاغلو المأجور معه» في حين أن المادة 27 منه تنص على أنهم: «الزوج والزوجة فقط دون سائر الأعضاء المستفيدين». هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية في السياق عينه، يلحظ القانون في المادة 8 أن تقديم طلب المساعدة إلى الصندوق «يعلق مهلة دفع الزيادات» ما يتناقض مع المادة 16 فقرة 3 (أ) حيث ورد في الإطار عينه «لا يؤدي تقديم هذا الطلب إلى تعليق مهلة دفع الزيادات». هنا لا شك في أن هذا التناقض سوف يخلق التباساً في التطبيق لدى المحاكم، لا سيما لجهة توسيع مفهوم النزاع الجدي الذي هو أصلاً نظرية اجتهادية غير منصوص عنها في القانون (...)
خامساً: من الملفت أن القانون لم يخضع قرار اللجنة القضائية، المنصوص عنها في نظام صندوق المساعدات، لأي طريق من طرق المراجعة القضائية، في الوقت الذي منح هذه اللجنة صلاحيات واسعة تتعلق بتحديد شروط الاستفادة من المساهمة المالية والتحقق من مدى ثبوت هذه الشروط. إن ذلك يشكل مخالفة لمبدأ التقاضي على درجتين المكرس بموجب القانون اللبناني.
سادساً: إن قانون الإيجارات الاستثنائي، الذي يعني مباشرة الكثير من المواطنين (...)، تضمن طرقاً معقدة، إن لناحية احتساب البدلات أو لجهة التعويضات الناشئة عن الاسترداد. ويكفي في هذا الإطار إلقاء نظرة سريعة على المادة 22 (ب) للتحقق من ذلك. إن هذا التعقيد في الحسابات سوف يخلق دون شك نزاعات قضائية كثيرة، وسينعكس على مفهوم النزاع الجدي وتوسيع مفهومه، تفادياً للإسقاط من حق التمديد في كل مرة يصعب على المالك أو المستأجر تحديد قيمة البدل.
سابعاً: نص قانون الإيجارات رقم 160/92 على أن تزاد البدلات تباعاً بنسبة نصف الزيادة التي تقررت على الحد الأدنى لأجور المستخدمين في القطاع الخاص. وقد حدد المرسوم المذكور الزيادة على الشق الأول من الراتب بنسبة مئة بالمئة، ما جعل الكثيرين يعتبرون أن الزيادة على بدلات الايجار تبلغ 50% فيما اعتبر آخرون أن الزيادة تبلغ 17.5% على أساس نصف الزيادة بنسبة مقدارها 12.8%، فيما رأت هيئة الاستشارات في وزارة العدل أن يتم تحديد هذه النسبة بـ12.5%. أمام هذا اللغط من تحديد نسبة الزيادة المفروض اعتمادها، ارتأى الجميع انتظار صدور القانون الجديد لحسمها بنص قانوني يكون ملزم التطبيق من دون سائر التفسيرات، فإذا بالقانون الجديد ينأى كلياً عن هذا الأمر!
* قاض في محكمة الإيجارات