كما توقعت «الأخبار» في هذه الزاوية السبت الماضي، حدّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري، يوم الأربعاء المقبل في 23 نيسان ظهراً، موعداً لأول جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. موعد صنّفه البعض في خانة ردّ الفعل، أو «ردّة الإجر» على الإطاحة بسلسلة الرتب والرواتب يوم الثلثاء الماضي. غير أن مسؤولية رئيس المجلس وجدّيته، كما المعطيات المتوافرة والمتقاطعة، تشي بغير ذلك. إنه الدور الأول في استحقاق الرئاسة فعلاً.
معه وبعده يحدَّد المرشحون، الجديون منهم على الأقل، ويظهر الناخبون، الكبار منهم تحديداً، ويتبلور موعد الدور النهائي للإنتخابات وشروط لعبتها وأنصبتها والفوز والخسارة. لكن الأهم أن موعد الأربعاء المقبل يقترب وسط تطورات متسارعة، بدت في الأيام الأخيرة وكأنها تتجه إلى إلغاء الانطباع السابق باستحالة انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وكأنها تمحو فكرة الدخول في الفراغ الرئاسي الموقت أو المستدام.
فعلى عكس الجو الذي ساد لمدة حول عدم نضوج مناخ إقليمي قادر على صناعة رئيس لبناني قبل 25 أيار المقبل، بدأ يظهر أخيراً مناخ معاكس. مفاده أنه بمعزل عن التعقيدات الخارجية من القرم إلى الخليج، وبعيداً عن الاستحقاقات المحيطة من بغداد إلى دمشق مروراً بالقاهرة وانتهاء بنووي طهران، يمكن لمجرد التقاطع الدولي الذي قام منذ شباط الماضي، ان يكمل في اندفاعته تلك حتى أيار. بمعنى أنه يمكن للتلاقي الظرفي بين السعودية وإيران، كما بين أميركا وروسيا، الذي شكل حكومة جديدة، ثم أصدر بيانها الوزاري بالقوة، ذات ليلة طويلة من الاتصالات المسوتلة، ومن ثم نفذ خطة أمنية كمفاجأة، تحت وقع كاسحة ألغام خفية، جعلت رؤوساً كبيرة تطير فجأة وأخرى تستسلم متفاجئة... يمكن لهذا التلاقي الدولي الموضعي نفسه أن يكمل فينتج رئيساً.
وفي هذا السياق بالذات، تظهر المعطيات نفسها أن الاحتمال الوحيد المطروح لهذه العملية، هو تزكية انتخاب ميشال عون رئيساً. غير أن المعلومات تشير كذلك إلى أن المسألة أصبحت داخل الفريق الحريري في بيروت كما داخل آلية القرار السعودي في الرياض، موضع نقاش وبحث وتجاذب بين مؤيد ومعارض. ولذلك يبدو موعد 23 نيسان المقبل «مهلة حث» للمسارين الجاريين في العاصمتين اللبنانية والسعودية، من أجل تسريع عملية الحسم للوصول إلى نهاية رئاسية سعيدة وعملية تسليم وتسلم في 25 أيار المقبل.
وعلى هذا الصعيد، تسجل إشارات عدة على المستويين المذكورين. فعلى صعيد الفريق الحريري لبنانياً، تندرج التطورات التالية: أجواء الحلحلة في مجلس الوزراء وصولاً إلى تقطيع ما كان يبدو مستعصياً من التعيينات. الاتفاق على تأجيل سلسلة الرتب والرواتب، مع ما شهدته من أول انضمام من قبل فؤاد السنيورة نفسه إلى فريق الحوار مع الرابية. نموذج انتخابات نقابة مهندسي بيروت. زيارة ماكينة القرار الحريري إلى الرياض وعودتها قبل جلسة ساحة النجمة وقبل جلسة مجلس الوزراء، تمهيداً لعمل الجلستين، ومن ثم غيابها عن احتفالية سمير جعجع بإعلان برنامجه الرئاسي. في مقابل كلام عن إيعاز وتشجيع لباقي مرشحي 14 آذار من أجل إعلان ترشيحاتهم الرئاسية بموازاة جعجع. بطرس حرب تقدم خطوة. روبير غانم تشجع حتى ذهب لمقابلة ميشال عون نفسه. حتى أن التشجيع نفسه يصل إلى أمين الجميل العتيق في اللعبة. كأنما المقصود تكثيف مرشحي 14 آذار من داخلها، كمخرج يسمح لقيادتها بالبحث عن خيارات أخرى...
أما على الصعيد الخارجي، فتسجل في الخانة نفسها خطوات أخرى مساعدة. منها الإقصاء الرسمي والنهائي والعلني لبندر. في ظل كلام عن أن الرجل الثالث الجديد في المملكة، مقرن، هو مهندس التقاطع السعودي ـــ الإيراني. فضلاً عن إشارات سعودية أخرى أبلغت مباشرة أو بالواسطة إلى جهة لبنانية أساسية معنية بالاستحقاق الرئاسي. وصولاً إلى الإعلان عن عودة سفير الرياض إلى بيروت. وهو ما يحمل إشارة أيضاً من أجل تكثيف المساعي الأميركية في هذا الاتجاه. وسط قرار حاسم تردده واشنطن، حول ضرورة وجود رئيس لبناني جديد صباح 25 أيار في قصر بعبدا. اتجاه أميركي ينتظر أن يتوج في الساعات القليلة بزيارة يقوم بها السفير دايفيد هيل إلى الرياض. فيما الوهم الفرنسي بالتمديد لميشال سليمان يلفظ آخر أنفاسه. رغم عملية الأوكازيون التي أجرتها باريس أخيراً بالحسم خمسين في المئة والترويج لصيغة تمديد مخفضة مرشقة من سنة واحدة مقابل سنتين، ورغم لعبة الصولد التي حاول بعض الباريسيين لعبها في هذا المجال، عبر صفقة المليارات السعودية لفرنسا. انتهى المسعى الفرنسي إذن. حتى أن ميشال سليمان بدأ يعد جردة موجودات القصر تمهيداً لمغادرته. كما بدأ يستعد لمعركته الانتخابية المقبلة في تشرين المقبل، على منصب الأمانة العامة للمنظمة الدولية للفرانكوفونية، في وجه المرشحة الكندية ميكاييل جان...
جردة سريعة ومقتضبة بكل ما سبق، تظهر أن كل مكونات الطبخة الرئاسية باتت متوافرة. وحدها مدة وضعها على النار لا تزال مجهولة. لكن الأكيد أن النار المقصودة، أشعلها نبيه بري منذ بيان الأمس. وسيظهر وهجها للعلن الأربعاء المقبل. أما إطفاؤها والإعلان عن إنضاج الطبخة وجهوز التسوية فمتروك للطباخين الكبار.

يمكنكم متابعة جان عزيز عبر تويتر | @JeanAziz1