باريس | قبل شهر من افتتاح الدورة الـ 67 من «مهرجان كان السينمائي» (من 14 حتى 25 مايو المقبل)، يبدو المهرجان العريق على موعد مع أحد أخصب مواسمه. هذه الدورة التي ترأس لجنة تحكيمها السينمائية النيوزيلندية جين كامبيون (السعفة الذهبية ـ 1993 عن «البيانو»)، ستكون بمثابة «دورة الوداع» بالنسبة إلى رئيس المهرجان جيل جاكوب. سيغادر الرجل الثمانيني إلى التقاعد في ختام هذه الدورة، بعدما تربع على عرش الكروازيت على مدى ربع قرن، كمفوض عام للمهرجان، ثم كرئيس له منذ عام 2001.
كأنّ كبار صناع السينما العالمية حرصوا على المشاركة في الاحتفاء بوداع «العم جيل»، كما لقّبه الأخوان كوين. يُرتقب أن يتضمن برنامج المهرجان الذي سيُعلن عنه رسمياً اليوم الخميس، أفلام 7 سينمائيين ممن نالوا سابقاً «السعفة الذهبية». تتنافس أعمال هؤلاء مع أفلام 7 مخرجين آخرين ممن نالوا مختلف جوائز المهرجان الأخرى باستثناء «السعفة». وبعيداً عن حمى المنافسة، يرتقب أن تتضمن «العروض الخاصة» برنامجاً ثرياً يحمل تواقيع 7 سينمائيين من كبار صناع الفن السابع، ممن تعودوا على ارتياد الكروازيت، لكنهم يفضلون غالباً تقديم أعمالهم خارج المسابقة (راجع الكادر أدناه).
ضمن نادي «أصحاب السعف» المرتقب مشاركتهم هذه السنة، ثلاثة مخرجين أحرزوا الجائزة الأشهر عالمياً مرتين. المخرج والموسيقي البوسني أمير كوستوريتسا الذي فاز بـ «السعفة الذهبية» مرتين عن «أبي في رحلة عمل» (1985)، ثم عن Underground (1995) يعود هذه السنة بجديده «الحب والسلام» (بطولة مونيكا بيللوتشي). يروي الفيلم قصة أرملة بوسنية شابة تُفجع بمقتل زوجها الضابط خلال حروب التصفيات العرقية في يوغوسلافيا سابقاً. أما الأخوان التوأم البلجيكيان، جان ـ بيار ولوك داردين اللذان نالا سعفتين عن رائعتيهما «روزيتا» (1999) و«الطفل» (2005)، فيُرتقب أن يشاركا بفيلم محمَّل بالنَفَس الاجتماعي واليساري، الذي تشتهر به أعمالهما. إنّه «يومان وليلة» (بطولة ماريون كوتيّار)، الذي يروي قصة عاملة مصنع تسعى على مدى «ويك إند» كامل لإقناع زملائها بالتنازل عن مِنَح تسريحهم من الخدمة، من أجل امتلاك المصنع الذي شكّل مورد رزقهم على مدى عقود، وإنقاذه من الإفلاس بتحويله إلى تعاونية.
السينما اليسارية الأوروبية ستكون حاضرة أيضاً من خلال كين لوتش الذي فاز بالسعفة عن رائعته «الريح التي تهزّ الشعير» (2006). يعود المخرج البريطاني الكبير هذا العام بفيلم Jimmy’s Hall، المستوحى من سيرة الزعيم الشيوعي الإيرلندي جيمي غرالتون، الذي نُفي إلى الولايات المتحدة، عام 1921، إثر مواجهات نشبت بين الحزب الشيوعي والكنيسة الكاثوليكية. سينمائي بريطاني آخر سيسجّل عودته، بعد طول غياب هو مايك لي الذي نال السعفة عن رائعته «أسرار وأكاذيب» (1996). ويرتقب أن يشارك في الدورة بجديده «مستر ترنر» المستوحى من سيرة التشكيلي البريطاني جوزيف مالورد ويليام ترنر (1775 ـ 1851).
يصف دنيس أركان «مملكة الجمال» بأنّه «فيلم في مديح الخيانة الزوجية»!


وبعد عامين من إحرازه السعفة عن «شجرة الحياة» (2011)، يعود الأميركي من أصل لبناني تيرينس مالك، إلى الكروازيت بجديده «ليلة الكؤوس» الذي تتقاسم بطولته كوكبة بازرة من نجوم هوليوود (كريستيان بال، نتالي بورتمان، مايكل فاسبندر، كيت بلانشيت...). أما الفرنسي لوران كانتيه الذي منح بلاده أول سعفة ذهبية، بعد 20 عاماً من الغياب، بفيلمه «بين الجدران» (2008)، فيُرتقب أن يشارك هذه السنة بـ «عودة إلى إيتاك» (بطولة جورج بيروغوريا وإيزابيل سانتوس). يروي الفيلم الذي صُوِّر في العاصمة الكوبية، قصة صديقي صبا يلتقيان مجدداً في هافانا، بعدما فرّقتهما السبل طوال 16 عاماً.
السينمائي التايلاندي أبيشاتبونغ ويراسيتاكول، الذي مثل فوز فيلمه «العم بونمي الذي يتذكر حيواته السابقة» بالسعفة عام 2010، المفاجأة الأشهر في تاريخ «كان»، فيعود هذه السنة بفيلم «مقبرة الملوك». يروي الأخير قصة امرأة تعيش وحيدة في منطقة ريفية قرب الحدود بين تايلاند ولاووس، وتعاني من مرض النوم المفاجئ الذي يجعلها عرضة لكثير من الكوابيس وأحلام اليقظة، ما يزجّ بها في أتون قصة حربية دارت رحاها في المنطقة خلال القرون الوسطى.
من بين كبار السينمائيين الذين يطحمون لتكون هذه الدورة فرصة لانضمامهم إلى نادي «أصحاب السعف» الكنديان ديفيد كروننبرغ (جائزة لجنة التحكيم ـ 1996، عن Crash)، الذي يُرتقب أن يشارك بجديده «خرائط نحو النجوم»، ودنيس أركان (جائزة أفضل سيناريو ـ 2003، عن «الغزوات البربرية»)، الذي سيعود بجديده «مملكة الجمال»، وقد وصفه المخرج بأنه «فيلم في مديح الخيانة الزوجية»!
ويرجح أن ينضمّ إلى السباق على «السعفة» كندي ثالث، هو السينمائي من أصل أرمني آتوم إيغويان («الجائزة الكبرى» ـ 1997، عن «المستقبل المشرق»)، الذي يشارك بجديده «رهائن». يروي العمل معاناة عائلة تناضل، على مدى ثماني سنوات، لإعادة فتح التحقيق حول ابنتها المخطوفة.
المكسيكي أليخاندرو غونزاليس إيناريتو (جائزة أفضل مخرج ـ 2006، عن رائعته «بابل»)، سيُسجّل عودته هذه السنة بـ «الرجل العصفور» (بطولة مايكل كيتون)، عن قصة ممثل أفل نجمه في هوليوود، بعدما اشتهر بشخصية «الرجل العصفور» في أفلام الخوارق، ويحاول أن يعود إلى حبه الأول، المسرح، من خلال تقديم مسرحية في برودواي.
التركي نوري بيلج شيلان («الجائزة الكبرى» مرتين عن «بعيد»/ 2002 و «كان يا ما كان في الأناضول»/ 2011)، سيعود بـ «سبات شتوي». ككل أعماله، يروي الفيلم دراما عائلية ذات منحى نفسي، عن ممثل متقاعد يعيش مع زوجته وأختها في الريف الأناضولي، حيث يدير فندقاً صغيراً. تدريجاً، سنكتشف سرّاً دفيناً كان بمثابة «تابو» لهذه العائلة. من جهته، يُرتقب أن يسجّل الفرنسي غزافييه بوفوا («الجائزة الكبرى» ـ 2010، عن «رجال وآلهة») عودته إلى الكروازيت بفيلم «ضريبة الشهرة». العمل مستوحى من قصة واقعية لمجرمين سويسريين غريبي الأطوار خطّطا عام 1977، لنبش قبر شارلي شابلن، وخطف تابوته، لمطالبة الوسط العالمي بدفع فدية لاسترداده!
أما الحضور الآسيوي الذي لا يمكن أن تخلو منه أي دورة من «كان»، فيُرتقب أن تكون أبرز رموزه ناعومي كاوازي («الجائزة الكبرى» ـ 2007، عن «غابة موغاري»). تعود المخرجة اليابانية بفيلم Still the Water الذي يروي قصة عاشقين يكتشفان خلال جولة ليلة على الشاطئ جثة مرمية في البحر. طوال الفيلم، يسعيان لاكتشاف هوية الضحية وملابسات مقتلها، ما يؤدي إلى «مقتل» قصة حبهما الناشئة.




zoom سينما المؤلف في أبهى أوجهها

يُرتقب أن تضم «العروض الخاصة» التي تُقام خارج المسابقة، كوكبة لامعة من كبار أقطاب سينما المؤلف بمختلف مدارسها وتوجهاتها. في مقدمة هذه العروض فيلم الافتتاح «غريس أميرة موناكو» للفرنسي أوليفييه داهان (بطولة نيكول كيدمان). يروي الفيلم قصة حبّ النجمة الهوليودية غريس كيلي وأمير موناكو الراحل رينيه الثالث. قصة نشأت في كواليس الكروازيت، حين قدِمت النجمة الهوليوودية إلى المهرجان، برفقة الفريد هيتشكوك، لتقديم فيلم «فتاة من الريف»، عام 1955.
أما فيلم الاختتام، فيحمل عنوان The Jersey boys، ويُرتقب أن يكون مثار الكثير من الفضول والاهتمام، كونه يحمل توقيع كلينت ايستوود. للمرة الأولى، يطرق المخرج والممثل الأميركي صنفاً فنياً أبعد ما يكون عن عوالمه الأثيرة. صاحب أفلام الويسترن والعنف البوليسي سيقدِّم في هذا العمل كوميديا موسيقية رومانسية! ضمن العروض الخاصة أيضاً فيلمان ستتركز عليهما الأضواء حتماً وهما: «مرحباً في نيويورك» للأميركي المشاكس أبيل فيرارا (بطولة جيرار دوبارديو وجاكلين بيسيه)، المستوحى من قصة دوميينيك شتروس ـ كان، وحادثة «سوفتيل» نيويورك الشهيرة، و«سان لوران» للفرنسي بيرتران بونيلو، وهو ثاني فيلم اقتُبس هذه السنة عن سيرة مصمم الموضة إيف سان لوران بعد YSL للمخرج جليل ليسبير. عمل بونيلو يعد بإثارة الكثير من الجدل، بعدما حاول شريك حياة إيف سان لوران، بيار بيرجيه، منع صدوره...
الأميركي تيم بورتون سيعود إلى الكروازيت، بعد طول غياب، ليقدّم جديده «الأعين المشرعة»، المستوحى من سيرة التشكيليين الأميركيين الثنائي وولتر ومارغريت كين. بينما سيقدّم مواطنه وودي ألن جديده «سحر تحت ضوء القمر» الذي صُوِّر الخريف الماضي في مدينة نيس المجاورة لـ «كان».
من جهته، سيشارك الدنماركي توماس فينتربرغ الذي أبهر الكروازيت برائعته «صيد» (جائزة أفضل ممثل للنجم مادز ميكلسن ـ 2012)، بعمل جديد يحمل عنوان «بعيداً عن الجموع الغاضبة». الفيلم مقتبس عن رواية شهيرة للأديب البريطاني توماس هاردي بالعنوان ذاته صدرت عام 1874.
أخيراً و ليس آخراً، يرتقب أن يسجل عرّاب سينما «الموجة الجديدة» الفرنسية، جان ـ لوك غودار، عودته إلى الكروازيت بعمل تجريبي جديد يحمل عنوان «وداعاً للغة». ورفض صاحب «الاحتقار» الكشف عن أي تفاصيل عن هذا الفيلم قبل العرض الرسمي، مكتفياً بالقول إنّه أسند أدواره الرئيسية إلى 3 ممثلين مغمورين، أحدهم من أصل عربي اسمه كمال عبدلي.
عثمان...




من يمثِّل فرنسا؟

تواجه إدارة المهرجان هذه السنة معضلة شاقة في اختيار الأفلام الفرنسية. اعتاد المهرجان أن يخصّص لسينما بلاده حصة لا تتعدى 4 إلى 5 أفلام في المسابقة. لكن الموسم الحالي كان ثرياً وغزيراً جداً. إلى جانب فيلمي لوران كانتيه وغزافييه بوفوا، رُشِّحت للمهرجان أعمال سينمائيين كبار، أمثال أندريه تيشيني (الرجل المحبوب أكثر من اللزوم)، وأوليفييه أساياس (sils maria)، وبونوا جاكو (ثلاثة قلوب)، وتوني غاتليف (جيرونيمو)، وماتيو أمالريك (الغرفة الزرقاء)، وميشال هازانافيسيوس (البحث)، وروبير غيديغيان (خيط أريان)...