قد تكون من المرّات القليلة التي يتفق فيها النواب على عدم تسريب ما توصلت إليه اللجان المشتركة ويتركون الإجابة عن قضايا جوهرية إلى الهيئة العامة للمجلس النيابي التي تعقد جلستها، عند العاشرة والنصف من صباح غد الثلاثاء. فالتكتّم النيابي على خلاصات النقاشات بشأن سلسلة الرتب والرواتب وسّع مروحة التحليلات المبنية على تكهنات غير مؤكدة عن طروحات الكتل النيابية.
هذا التعتيم دفع هيئة التنسيق النقابية إلى التهديد بالإضراب العام والشامل والاعتصام، عند الحادية عشرة من قبل ظهر غد في ساحة رياض الصلح، أي في اليوم نفسه الذي ستعقد فيه الهيئة العامة جلستها. التلويح جاء على شكل توصية ستناقشها الجمعيات العمومية للأساتذة والمعلمين والموظفين، اليوم الاثنين، قبل أن تتوّج نقاشاتها بمؤتمر صحافي يعقد عند الرابعة من بعد الظهر ويحدّد فيه الموقف النهائي لوجهة التحرك. لكن يبدو أنّ المدارس الخاصة ستواجه إرباكاً في الالتزام بالإضراب لكون عطلة عيد الفصح تبدأ إما صباح الأربعاء أو صباح الخميس، فيما معظم المدارس تجري يومي الاثنين والثلاثاء امتحاناتها الفصلية، عشية العطلة.
في مؤتمرها الصحافي أمس، قصدت هيئة التنسيق توجيه تحية إلى نواب دون آخرين يدعمون الحقوق في السلسلة، مناشدة إياهم الدفاع عنها في الجلسة التشريعية، مقابل تصاعد الهجمة الشرسة التي يشنها تجمع أصحاب الرساميل وجمعية المصارف واتحاد المؤسسات التربوية وأصحاب المدارس الخاصة وغيرهم، في محاولة لإجهاض السلسلة والالتفاف عليها.
في المقابل، خرج النواب من الجلسة الأخيرة للجان بما سموه «اتفاق شرف» بين المكونات السياسية لإخراج السلسلة من «الشوشرة» و«المناكفات» ومحاولة الوصول إلى ما سموه قراراً وطنياً تتفق عليه القوى. كل ما أسرّه هؤلاء هو أنهم اتفقوا على القسم الأكبر من المسائل الأساسية، وبقيت هناك أسئلة محدودة ستحسم في الهيئة العامة.
لكن الخلاف الرئيسي بين القوى السياسية هو حول أساسات النقاش في الملف أي كلفة السلسلة ونسبة الزيادة وطريقة الدفع، أي بالتقسيط أو التجزئة أو بالتراجع عن تاريخ استحقاق السلسلة وعدم إعطاء المفعول الرجعي، ما قد ينبئ إما بالاتفاق على قضم المشروع أو إعادة إدخاله في البازار السياسي.
إزاء تزايد التصريحات المختلفة بشأن استهداف السلسلة في الصميم وتفريغها من مضمونها، ماذا ستناقش الهيئة العامة للمجلس النيابي؟
توجهات إصلاحية
تبرر الزيادة
أمام أصحاب الرساميل والبنك الدولي

لا يبدو أنّ أياً من القوى السياسية يوافق على إعطاء نسبة 121% لكل القطاعات الوظيفية التي تشملها السلسلة، وقد طرح في النقاش إمكان اعتماد نسبة موحدة للجميع تبلغ 73%، إلا أنّ مثل هذا الطرح لم يحقق إجماعاً ولا يستطيع أن يمر بالنظر إلى مراعاة الفروقات بين القطاعات الإدارية والتعليمية والحفاظ على حقوق بعض الفئات الوظيفية ومسايرتها على حساب أخرى.
ماذا عن الدفع؟ هل سيبدأ من تاريخ صدور القانون ونشره في الجريدة الرسمية، أم من 1/7/2012؟ هل الميل هو فعلاً نحو تقسيط السلسلة إلى 3 أو 5 سنوات؟ وهل سيتم نسف المفعول الرجعي؟
ويبدو أن زيادة الضريبة على القيمة المضافة إلى 12% على كل السلع تفرض نفسها بقوة على الهيئة العامة، وإن كانت بعض الكتل أعلنت جهاراً رفضها لها، مثل التيار الوطني الحر. إلى ذلك، تتحدث مصادر نيابية عن أنّه سيتم تبني توجهات إصلاحية يتم بعدها إعداد مشاريع قوانين ومراسيم تطبيقية خاصة بها لتبرير زيادة الرواتب أمام المصارف والهيئات الاقتصادية والبنك الدولي.
لكن هيئة التنسيق تؤكد أنّ «الإصلاح لا يكون بالانقضاض على الحقوق المكتسبة للأساتذة والمعلمين والموظفين والمتقاعدين والمتعاقدين والأجراء، أو بزيادة ساعات العمل دون مقابل، أو فرض ضرائب تطال اللبنانيين من ذوي الدخل المحدود (رفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 12%)، وغيرها من الضرائب التي تطال الفقير وتستثني أصحاب الرساميل الكبيرة والمصارف والهيئات الاقتصادية».
في هذه الأثناء، تواصلت المزايدات الإعلامية للقوى السياسية وأصحاب الرساميل بين مؤيد ومعارض للسلسلة. فرئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط كان واضحاً حين أكد، في حديث صحافي، أنّ أعضاء كتلته سيعترضون في جلسة الهيئة العامة على مشروع السلسلة، إذا لم تتوافر الواردات المالية بوضوح، وأنّهم لن يصوتوا على أي زيادة ما لم يتم الشروع في عملية إصلاح حقيقية في الإدارات والمؤسسات العامة.
عضو كتلة المستقبل النيابية النائب غازي يوسف هو أيضاً جدد الكلام، في حديث إذاعي، على أنّ السلسلة مرتبطة بقدرة الدولة على تأمين الواردات من دون اللجوء إلى الاستدانة، مشيراً إلى أنّ «التشريع يجب أن يعتمد على قراءة واقعية، وهذا ما لم يتم بطريقة فاعلة، ما يفسر التباين بين النواب».
حزب الله كان أكثر شعبوياً، فقال عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله، في احتفال تأبيني، إننا «ماضون في إقرار السلسلة بما لا يمس بالأوضاع المالية والاقتصادية للفئات الشعبية، سواء بالضرائب أو بغيرها وبعيداً عن التهويل الذي يمارسه أصحاب الأموال المكدسة». كذلك حال حركة أمل، إذ أشار عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي خريس إلى أننا «سنسعى إلى إقرار السلسلة بما يراعي الطبقات الفقيرة». هذا لم يمنع رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين من ربط مشروع السلسلة بخطوات جدية ومسؤولة للإصلاح الإداري والمعالجة السريعة لإيقاف الهدر والفساد المالي على مختلف الأصعدة.
السلسلة لم تستنفر القوى السياسية وحدها، بل لاقت اعتراضات من أصحاب المؤسسات السياحية البحرية وتجمع مجالس الأهل في المدارس الخاصة وجمعية أصحاب المصارف. وقد نفذ اتحاد لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية اعتصاماً رفضاً لأي زيادة على الأقساط المدرسية بعد إقرار السلسلة. وقد رفع المعتصمون لافتات تطالب بفصل القطاع العام عن القطاع الخاص، وأن تمول زيادة رواتب معلمي القطاع الخاص من غير جيوب الأهالي. الرؤساء العامون للرهبانيات الكاثوليكية بحثوا هم أيضاً في اجتماع طارئ أمس أعباء السلسلة.
وعشية جلسة الهيئة العامة، حذّر الاتحاد العمالي العام من أي ضريبة أو رسوم غير مباشرة تزيد الأعباء على العمال وأن تتلطى ضريبة القيمة المضافة تحت مظلة الكماليات قبل جدولتها بشكل محصور ودقيق حتى لا يتحول ما هو حاجة أساسية إلى كماليات.
وأيّد «المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين» إقراراً كاملاً غير منقوص وغير مقسط للسلسلة، رافضاً الضرائب على الشعب اللبناني ووقف الهدر والسرقات في المرافئ والمطار، وفرض الضرائب على الريوع والأرباح والمضاربات العقارية التي لم تمس بعد. ودان الحزب الشيوعي اللبناني هجوم بعض القوى وحيتان المال على السلسلة وعلى هيئة التنسيق، لافتاً إلى أن «التعتيم حول السلسلة محاولة تخفي وراءها مجموعة من مخاطر التقسيط والتجزئة وخفض نسبة الزيادة، وصولاً إلى إلغاء المفعول الرجعي ومحاولات شق هيئة التنسيق».



المدرّسون المتمرنون

دعت «لجنة المتابعة للمدرسين المتمرنين المعيّنين بعد 1/1/2010» جميع المعيّنين بالدرجة 11 و15 إلى المشاركة في الاعتصام المقرر اليوم عند الساعة الخامسة عصراً في ساحة رياض الصلح، حيث سيتم التوجه إلى مجلس النواب للمطالبة بإعادة النظر في المادة 12 من مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب، لما تتضمنه «من ظلم وإجحاف بحق أفراد الهيئة التعليمية من الفئة الرابعة المعيّنين بعد 1/1/2010، وخصوصاً بعد مطالبة رابطة التعليم الأساسي الرسمي باستثناء المعيّنين في الدرجة 11 و15 من الدرجات الـ 6 الاستثنائية». كما أعلنت اللجنة إصرار «المعيّنين بهاتين الدرجتين على المطالبة بحقهم بالسلسلة أسوة بزملائهم المعينين في العام نفسه وعدم استثنائهم منها».