لا تكاد تطرق باباً لسؤال صاحبه عن رأيه في الاستحقاق الرئاسي ومواصفات الرئيس حتى يسلسل المستضيف مواصفات ما كان الرئيسان كميل شمعون وفؤاد شهاب وفوقهما الرئيس بشارة الخوري يتمتعون بها، فتسأل بحماسة عمّن يخفي «كل هذا الخير» عن الأنظار، ليضع فنجان القهوة من يده، متنحنحاً في مقعده ومردداً: أنا.
«أنا». «أنا». «أنا». يتداخل المزح بالجد. أصدقاء النائب إميل رحمة، يتقدمهم الوزير السابق وئام وهاب يمازحونه بلقب فخامة الرئيس، وهو يمازحهم بعدم ممانعته طبعاً. يدأب رحمة على القول إن من لا يملك شريحة شعبية واسعة تؤيده لا يمكن أن يترشح للانتخابات، ولسان حاله يسأل: من لديه ما لديّ، أنا أكثر من حزت أصواتاً في انتخابات ٢٠٠٩ النيابية. لاحظوا المواصفات المطلوبة للرئيس بحسب اثنين من نواب تكتل التغيير واصلاح، تكتشفوا أنها مواصفاتهما لا مواصفات العماد ميشال عون. حين طرح ترشيح الوزير السابق زياد بارود لرئاسة الجمهورية أول مرة ظنها كثيرون مجرد مزحة، كما ظن المستمعون للوزير مروان شربل وهو يقول إنه مرشح فقط إذا توافق اللبنانيون عليه أنه يمزح. ومن المزح الخفيف إلى المزح الثقيل: كيف تبتسم لسياسيّ ما عاد يقوى بحكم تقدمه في العمر على النهوض عن كرسيه للجلوس على كرسي بعبدا، يصارحك هامساً بأن أسهمه مرتفعة هذا العام «إذا رغب اللبنانيون حقاً في إنقاذ وطنهم». يبحث حزب الكتائب في وصف الرئيس أمين الجميل بصورة حملته الرئاسية بـ«رجل الإنقاذ». نضحك أم نبكي؟ نحن نحتاج فعلاً للإنقاذ. أول من أمس، كان عامل هندي يقف على جانب الطريق حين اجتاحته سيارة يقودها شقيق أحد نواب المستقبل الشماليين الذي سها عن القيادة بحكم حلمه برؤية شقيقه رئيساً. حك النائب دوري شمعون فتكتشف استغرابه فعلاً التفات القوى السياسية إلى نائب شمالي وآخر بقاعي، فيما ابن الرئيس كميل شمعون لا يزال موجودا. الحاكم الأسبق لمصرف لبنان ميشال الخوري (نجل الرئيس بشارة الخوري) الذي انتقد بحسب وثائق ويكيليكس العرف الغبي الذي يحصر الرئاسة بين أيدي الموارنة ويحول دون انتخاب فؤاد السنيورة رئيسا للجمهورية، يكثف ولائمه الدبلوماسية هذه الأيام. ثمة عبارة متداولة هذه الأيام تصف النائبين بطرس حرب وروبير غانم ما غيرهما، بأنهما «مرشحا ١٤ آذار التوافقيّان». كيف يتعين على الإعلامي أن يخفي ابتسامته حين يقول غانم وهو عضو في كتلة المستقبل أمامه إنه سيخلق قوة اعتدال تستطيع محاربة الاصطفافات القائمة. تلتبس الأمور فعلاً على البعض، فلا يعلمون إن كان المطلوبَ رئيس لكرسي رئاسة الجمهورية أم كرسي لرئاسة الجمهورية.
اصعدوا إلى بكركي تروا عجائب العالم وغرائبه مرشحين للرئاسة الأولى: يفاجئكم أحدهم ويدعى «الوزير السابق روجيه ديب» بأنه خبأ طاقته ومشاريعه وبرنامج عمله ريثما ينتخب رئيسا، عندها فقط سيسمع اللبنانيون به ويكتشفون عجائبه. يتلهى اللبنانيون بمرشح فايسبوكي ظريف لرئاسة الجمهورية، عن مرشحين أظرف منه فعلاً: تابعوا رئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن مثلاً. إنجازات رئيس جمعية المصارف السابق جوزف طربيه في رئاسة الرابطة المارونية تسمح به بالتفكير في رئاسة الجمهورية. الحمد لله، رئيس الرابطة المارونية الحالي سمير أبي اللمع لم يعلن ترشحه حتى الآن. الوزير السابق دميانوس قطار يجد أسباباً كثيرة ليصدق أنه مرشح لرئاسة الجمهورية. يتضح هنا أن عقل سركيس سركيس أكبر من عقول كثيرة. ثمة أشخاص لا يجد من يعرفك عليهم شيئاً يقوله عنهم سوى أنهم يملكون طائرة خاصة. أما رئيس جمعية الصناعيين نعمة افرام، فيستعد لمغادرة الجمعية قبل نهاية الشهر، ولا يجد موقعاً رسمياً، بعد تفضيل رئيس الجمهورية ميشال سليمان القاضية أليس شبطيني عليه، أفضل من رئاسة الجمهورية لخدمة اللبنانيين. تعصف الحماسة بالوزير السابق زياد بارود لخدمة اللبنانيين وإنقاذهم من الفساد عبر رئاسة الجمهورية، كما فعل في وزارة الداخلية التي طهّر مختلف إداراتها من الفساد، مشرفاً على أفسد انتخابات نيابية في تاريخ لبنان وفق إجماع المطلعين على ما رافقها من مال انتخابي وتحريض مذهبي، قبل أن يستقيل احتجاجاً على تصرفات الوزير أشرف ريفي بدل أن يقيله. في نظر بكركي، نحن في أمس الحاجة إلى رئيس مماثل.
لعل الفراغ أو إحدى التجارب السابقة أو الإفراغ الحريري الممنهج للحياة السياسية، هو الذي يجعل من التهريج والاستزلام برنامجاً رئاسياً. أو أن السياسة في لبنان، لم تكن منذ ما قبل الاستقلال، إلا «تهريج بتهريج». حالما ينهي أي مرشح مقابلة تلفزيونية يبدأ أخرى، من دون أن يطلب منه أحداً سيرة ذاتية. حين يتقدم مواطن لشغل أية وظيفة ما في العالم، تُطلب منه سيرة ذاتية، إلا إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية. كل من طبل وزمر في خيمة بقاعية للاستخبارات السورية بات يريد ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية. وكل من استعانت به الاستخبارات السورية لتعويض فراغ الأحزاب المسيحية بات يريد ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية. كل «شاب حلاوة»، كل من استشاره البطريرك في ملف ما مرة، وكل من اتكلت عليه الاستخبارات الفرنسية أو الأميركية في مهمة ما، وكل من كان ناجحاً في إدارة مصرف إو نادٍ أو في علاقاته الإعلامية، وكل من ظهر الملاك على أمه وهي حامل به، وكل من يثق بقدرته على إدهاشنا، لكنه آثر تأجيل ذلك ريثما ينتخب رئيساً، كل هؤلاء مرشحون.
ثمة أشخاص لن يسلمهم أهل حيهم ختم المختار لعدم ثقتهم بقدرتهم على تيسير شؤونهم رغم كفاءاتهم العالية، يعتقدون أنهم يصلحون لرئاسة الجمهورية.

يمكنكم متابعة غسان سعود عبر تويتر | @ghassansaoud




رتبة «الرئيس» لا رتبة «المرشح»

لا يعتقد وزير الخارجية الأسبق جان عبيد أن اجتهاد الساعات الأخيرة يعوض كسل عام دراسي كامل. ولا يجد نفسه بالتالي مضطراً إلى الركض مع الراكضين اليوم في شتى الاتجاهات، وكل واحد منهم يأمل انتخابه رئيساً. فهو لا يعتقد أيضاً، وبعكس كثيرين، أن لقب «المرشح إلى رئاسة الجمهورية» سيضيف إليه على المستويين الشخصي والعام شيئا. هو دائم الترداد أن اللبنانيين كانوا ينتظرون الوزير حميد فرنجية فأتى سليمان فرنجية رئيساً. انتظروا بشير الجميل فأتى أمين. وكانوا يترقبون رينيه معوض وإذا بالياس الهراوي يرأس الجمهورية لتسع سنوات. وبناءً عليه، هو لا يجد نفسه مضطراً إلى عرض نفسه إعلامياً وسياسياً في البازار المفتوح.
وهذا ما دفعه إلى إصدار بيان أمس شكر فيه من يتداولون ترشحه تأييداً أو معارضة، لافتاً إلى عدم الحاجة إلى عرض المرشحين لبرامجهم الرئاسية، لأن «القرار في الحكم يعود الى سلطة مجلس الوزراء مجتمعا في ظل صلاحيات رئيس الجمهورية». وأشار عبيد الذي ينتقي كلماته بعناية نادرة إلى أن رتبة الرئيس أهم عنده والناس من رتبة المرشح. لذلك هو «غير مرشح حتى الآن»، لغياب الفرصة المؤكدة في ظل ظروف التنافس القائمة حالياً. باختصار: هو يفضل أن تكون حظوظه غير مرئية اليوم، كما كانت حظوظ كل من سليمان فرنجية وأمين الجميل والياس الهراوي غير مرئية. لا يريد أن يتاجر به أحد، ولا أن يبتز أحد به الآخر، ولا أن يعتقد أحد أنه يأخذ شيئا من أمامه.