ما إن أنهت قوة من الجيش، فجر أمس، دهم منزل المطلوب أحمد المشحاوي (في حارة البرانية) المقرب من قائد هذا المحور المطلوب زياد علوكي، حتى خرجت مجموعات من النساء والأطفال إلى بولفار نهر أبو علي، المحاذي للحارة، على وقع تكبيرات المساجد، احتجاجاً على «انتهاك حرمات البيوت». وقطع المحتجون المسرب الشرقي من البولفار بالإطارات المشتعلة وبسطات الخضر المنتشرة في المكان. وفيما طوّّق الجيش المنطقة وحوّل السير إلى شوارع أخرى، أغلقت المحال التجارية أبوابها، وسط هتاف المعتصمين ضد وزيري الداخلية نهاد المشنوق والعدل أشرف ريفي، متوعدين الأخير بعدم الاقتراع له في الانتخابات النيابية المقبلة. واتهم المحتجون الوزيرين وتيار المستقبل بـ«تغطية تجاوزات» الجيش في حقهم.
تيار المستقبل سارع إلى عدم تغطية ما يحصل، إذ أكّد منسق التيار في طرابلس مصطفى علوش أن «موقفنا من الخطة الأمنية في طرابلس واضح»، مؤكداً أنه «ليست ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻣﺸﻜﻠﺔ إﺫﺍ ﺧﺴﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺸﻌﺒﻮﻱ ﻭﺭﺑﺤﻨﺎ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﺍﻟﺒﻠﺪ». لكن هذا الموقف لم يرق قوى أخرى، وتحديداً الشيخ داعي الإسلام الشهال الذي توجه الى حارة البرانية التي رفع أطفالها لافتات كتب عليها: «لا نقبل بكشف العورة» و«كل بيت إلو حرمتو»، فيما رمى شبان ثلاثة قنابل صوتية في المنطقة.
غير أن الشهال بدا كأنه يغرّد وحيداً. فكما حصل لدى بدء تطبيق الخطة الأمنية الأسبوع الماضي، عندما اعترض عليها علناً رغم نصائح وجهت إليه بألا يفعل ذلك، تكررت النصيحة له، أمس، من سياسيين مستقبليين، بألا يعالج مشكلة الاعتراضات على التوقيفات بالطريقة التي اعتمدها. لكنه رفض التجاوب مع النصائح.
هتافات ضد
المشنوق وريفي توعّدت الأخير بعدم الاقتراع له


وفور وصول الشهال إلى حارة البرانية وقع ما لم يكن ينتظره، إذ أقدم عناصر الجيش على توقيف اثنين من مرافقيه، «لقيادتهما سيارتين من دون أوراق قانونية»، وفق ما أوضح لاحقاً بيان للجيش، وصادر ثلاث بنادق حربية ومسدسين وذخائر عائدة لهما، وسلم الموقوفين والمضبوطات إلى المراجع المختصة.
طار صواب الشهال، وسارع إلى عقد مؤتمر صحافي تهجّم فيه على الجيش. وأوضح أن ما قام به «هو للدفاع عن كرامتنا وأعراض نسائنا وإيقاف المرتكبين عند حدّهم»، معتبراً أن هناك «مؤامرة على الطائفة السنيّة التي يريدونها أن تستكين وترضخ للمشروع الصفوي في طهران وبغداد والقرداحة والضاحية». وتوجه إلى الزعماء السنّة بالقول: «لبنان مخطوف، وجيشنا يُراد له أن يكون على مثال الجيش السوري، يقتل أهله». وكان لافتاً أنه قطع بث المؤتمر الصحافي للشهال، الذي كانت تنقله أغلب محطات التلفزة، بعد دقائق من بدئه.
وفي خطوة تمثل ابتعاد هيئة علماء المسلمين عن الشهال، وعدم رضاها عن الطريقة التي اتبعها في معالجة مشكلة حارة البرانية، توجّه وفد من الهيئة إلى المنطقة، واستمع إلى شكاوى من التجاوزات. وبعد اجتماع في مكتبها، طالبت الهيئة الجيش «بمراعاة خصوصيات البيوت وحرماتها أثناء المداهمات»، كما طلبت أن يرافق دورية الجيش مختار الحي «منعاً للتجاوزات التي يمكن حصولها مستقبلاً».
وعلى المنوال ذاته سار مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار الذي دعا الجيش إلى أن «يُحسن التعامل مع أهله في المدينة»، معوّلاً «على حكمة الجيش وأسلوبه في حسن التعاطي مع الآخرين بمسؤولية، لأنه لا يجوز أن يؤخذ أحد بجريرة الآخر». ولفت إلى أنه «لا يخفى على أحد أن المنازل لها حرمة وأن النساء والأطفال والشيوخ لهم من الاعتبارات ما ينبغي أن يلحظه الجميع حتى لا يحدث صدام مع الجيش أو القوى الأمنية، وحتى لا يقع ظلم على أحد».
غير أن بعض فاعليات المنطقة استنكرت ما سمّته «التلطّي وراء النساء والأطفال»، وقالت لـ«الأخبار»: «نبرر دائماً بأننا نقاتل ونحمل السلاح من أجل الدفاع عن أعراضنا وكراماتنا، من نساء وأطفال، فكيف نرسلهم لمواجهة الجيش ونختبئ؟».
وفي الإطار ذاته، اتهمت مصادر سياسية «أطرافاً سياسية وأمنية ومجموعات مسلحة وقادة محاور متضررين من الخطة الأمنية بالوقوف وراء كل هذه المظاهر والتحركات، وأنهم يعبثون عمداً بأمن المدينة لتحقيق مصالحهم الخاصة وإفشال الخطة».
وكانت قيادة الجيش أعلنت في بيان أن «وحدات الجيش تستكمل تنفيذ الخطة الأمنية في طرابلس، ودهمت في هذا الاطار مخزناً للأسلحة في محلة سقي البداوي، كما دهمت منازل مطلوبين في محلة البرانية وأوقفت أحد المطلوبين، وصادرت كمية من الأعتدة العسكرية».
ومساءً ألقى مجهولون قنبلة في سوق القمح بالقرب من دورية للجيش، كما أطلق آخرون الرصاص باتجاه دورية في طلعة الشمال في المدينة.