وطن النجوم

شرسون هم، نتابعهم كالمتفرجين يتحكمون بحياتنا، نقول لأنفسنا: بتنا نعرفهم ونتوقعهم. عودونا ألّا نطلب منهم شيئاً، يكفينا ألّا يؤذونا، ألا يسيل الدم وألا يموت الناس، بتنا رهائنهم، ظننا اننا بذلك اتقينا شرهم، فإذ بنا نكتشف غباءنا، حين رفعوا الفجور السياسي الى مستوى لم نتصوره يوماً. شرسون هم في دفاعهم عن «لبنانهم» الذي تحار القواميس السياسية في وصف نظامه، شرسون شراسة من بيده كل شيء ولا يمنعه شيء. أما اولئك المواظبين على النزول الى الشارع؟ فهم يعلمون انه ليس هناك من يدافع عنهم الا الطوائف.. وهم الطوائف!
شرسون، محصنون، آمنون، والشارع؟ يقولون له كن... فيكون.

شرسون، ديوك برتبة أنصاف آلهة تصيح فوق اكوام زبالتها زاهية بعلوّها ولو من هناك. شرسون، لا يفعل فيهم أي اضراب او احتجاج او اعتصام فعله، أدام عشر سنوات أم شارك فيه نصف الشعب اللبناني. وقحون، البصاق يصبح مطراً إن هطل عليهم. وصراخ المواطنين في الشارع مجرد دليل على ديمقراطيتهم.
قالت المذيعة ان النواب لم يقرّوا السلسلة. «كفرية» تنزلق من بين شفتيك قبل ان تنتبه. الشتم هو لغة عدم التصديق، الشتم يبدأ حين تنتهي الآمال، انه يسبق الدموع بقليل.
جعجع يترشح للرئاسة: كل امراء الحرب والسلم ممثلون في السلطة، «شو عليه؟». خطوة من هذا النوع تتوج انتصار الميليشيات على اي أمل في قيام دولة وتعيد تأهيل اسم المجرم. حصل ايضا قبل الحرب الاهلية ان وصل مجرم آخر الى سدة الرئاسة. كنت طفلة اذكر ان الناس لم تكن تتحدث إلا عن ذلك. كان طبيعياً ان نصل الى الحرب يومها، ولكن، اليوم؟ بعد تجربة الحرب الأهلية الأخيرة؟ ما معنى ان يترشح مجرم حرب الى اي منصب عام؟ ان يسمح له بذلك؟ جعجع يتقدم وزوجته «بياض الثلج» لمنصب الرئاسة!. ليست هذه الخطوة، التي كنت اتوقعها منذ اطلاق سراحه، الا الاستطراد المنطقي لمسار رصفه الرجل بدأب منذ اخراجه من السجن. انحطاط بعض الطبقة السياسية يكتمل بغباء بعضها الآخر، ذلك البعض العبقري الذي أدخل مجرماً خطيراً السجن، لجريمة لم يقترفها!
تسلل جعجع من هذه الكوة للحصول على جمهور اضافي، متعاطف، غير ذاك المكتسب بالمذهب والعصبية القروية والحزبية. العصبية الحزبية تزيد لدى الفئة المتورطة. فتطهير اسمه يعني تطهير اسمهم. اختاروا النكران فهو اسهل بدل طلب الصفح. ثم عكف القائد على تطبيع صورته في المخيلة العامة. بدأ بصورة الناسك النادم المتصوف، ثم اتاحت له فترات الاغتيال الانتقال الى صفوف الشهداء الاحياء المهددين بالقتل. بعدها، اختار توقيتاً لرفع نفسه الى رتبة زعيم مسيحي مسالم، تنقذه زهرة نخّ ليلتقطها، من رصاصة الغدر، لينتهي بترشحه ،عادي، للرئاسة.
يخرق جعجع جدار صوت التدهور الأخلاقي السياسي. يصبح مجرد زعيم ماروني له جمهوره. الحرب لم تحصل، الناس لم تقتل على الهوية وتقطع بالسواطير، المخطوفون والمفقودون هم اليوم في بيوتهم او معروفة شواهد قبورهم. هم لم يموتوا في الحرب، جعجع بريء وكذلك جنبلاط وبري وحبيقة والجميل… ألا يكفي هذا؟ بلى، يكفي، تجيب مافيات الطوائف.
في نشرة الاخبار كان رجال الدفاع المدني يبكون امام الشاشات من القهر. المياومون ايضا الذين احرق بعضهم نفسه في تحركات سابقة، كانوا يبكون كأولاد متروكين في مكان لا يعرفون عنه شيئاً، ويتوقعون فيه ان تأتي الضربة من اي مكان. فبعضهم بعد ان اشتغل ٢٠ عاماً مياوماً اكتشف المسؤولون انه شبه أُمي، لا يحق له الدخول في مباراة لتثبيته ضمن تسوية. يبكي الرجل لأميته، لجرصته، لاكتشافه في سن التقاعد انه لا يستطيع التوظف ان لم يكن يجيد الكتابة. اين كانوا حين قبلوا به؟ القهر ذاته بين موظفي المستشفى الحكومي، المستأجرون، الاساتذة، الطلاب.
وطن النجوم وسلاسل المطاعم العابرة للحدود والمذاهب والطبقات، وطن الفرنكو /إنجلو/ آرابو/ ديجيتال، وطن كتب التاريخ بتفاسير كثيرة، والمناهج المتعددة والمتعاكسة والمشوشة لعقول الطلاب. وطن تبديد طاقات الشباب بعمل جمعيات تمشي وفق أولويات الممول الخارجي. وطن المافيات العقارية والمصرفية والنفطية المحمية بتنانير رجال الدين، المربوط منها والمحلول، وطن ٨ و١٤ و جماهير المذاهب الهائجة، و«الكرسحة» على الهوية بإطلاق النار على سيقان المواطنين من مذهب محدد، وطن الميليشيات وقادتها.. في الدولة، العائشين على غيابها، صانعي قادة المحاور الذين يكافأون على سوء استغلالهم للسلطة بتوزيرهم. وطن الاغتصاب الزوجي، والاغتصاب التأديبي لخادمات لا يملكن غير دموعهن للدفاع عن انفسهن او رمي النفس عن شرفات البيوت. وطن اللبنة بالانتي بيوتيك، والنخاسة العصرية، وتزوير الامصال الطبية وحتى أدوية السرطان. وطن الكبتاغون المحتمي بالعمائم المزورة، وطن قتل الزوجات وتحرش اساتذة ورجال دين بالقاصرين والقاصرات، وطن التحقق البوليسي من الميول الجنسية بغمس الايدي في مؤخرات المواطنين. وطن تفعيل القانون حين يخدم الزعيم وتعطيله حين يخدم المواطن. وطن تدمير الجامعة والمدرسة الوطنية الممنهج بيد اصحاب التعليم الخاص الذين يوضعون في مقام تقرير مصيره، واحلال دكاكين التعليم الديلوكس مكان التعليم الوطني، بأسعار جنونية لا يشبهها إلا جنون الأهالي في المواظبة على تسجيل اولادهم فيها. وطن السيارات الواقفة في زحمة السير على اختلاف ماركاتها واسعارها واعمارها وكمية «اوبشناتها». وطن الزعماء المقدسين، والمحكمة الدولية لبني آدم واحد أغرق اللبنانيين بالدين ومع ذلك، تقدس اسمه وأتى ملكوته من بعده فكان المسؤول عن اغراق نصف اللبنانيين بـ «ميني» حرب أهلية.
وطن النجوم.. والمشاهير.. والسيليكون "من دون فالي"، ومايا دياب تغني زياد الرحباني بدل فيروز: «أنا هنا».. وأنت هنا، لن يستطيع هذا الكيان المشوّه بالولادة ان يصبح يوماً وطناً!

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 4/24/2014 6:21:15 PM

هكذا تصبح الأوضاع عندما تكون أكثرية الناس "بلا مربا" يستسلمون السلطة ال "بلا مربا".

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

باسل باسل - 4/14/2014 5:00:07 PM

أجمل ما قرأت في "الأخبار" حتى ألآن. لحملة وطنية لجعل هذا المقال قراءة إلزامية: في جميع المدارس والمعاهد والجامعات، لكل طالب لأية وظيفة عامة أو خاصة، لجميع طالبي رخص السوق أو أي نوع من الترخيص لأي شيء. أو أفضل من كل هذا لإضافته إلى مقدمة الدستور اللبناني.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 5/11/2014 10:21:00 PM

ينبغي ايضاً وضع هذا المقال على الادوية (لإعلام المرضى بتأثيراته الجانبية)، وايضاً على واجهات محلات الملبوسات (..)، وعلى اشارات السير (من اجل التخفيف من ازدحامه). مقال عظيم!!

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 4/15/2014 8:54:12 PM

كلمات قليلة تحيي بعض الامل... شكرا. مودتي

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 4/11/2014 6:52:36 PM

مايا دياب تغني زياد رحباني... ومنبر رجا ورودولف مفتوح للسيدة فيروز... وكلو على يد الوحيد ... زياد رحباني... كبرولنا قلبنا يعني.. يكتر خيرن... وخيرو

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

متابع الاخبار متابع الاخبار - 4/11/2014 12:33:49 PM

يوم بعد يوم يزداد اعجابي بكتاباتك،قادرة على الجمع في الكتابة بين النقد الادبي والسياسي،اسلوب ممتع ومقنع،اضف اليه الوعي والحس الوطني اللا طائفي،وفي مراحل عدة خلتك شيعية بكلامك عن الشيعة ثم عدلت لكلامك عن السنة ثم عدلت لكلامك عن المسيحيين،وبعد ذلك عرفت انك كل لبنان وبعض من فلسطين او كل فلسطين وكل العرب.نريد اقلاما عربيه تكتب باللبناني لكل لبنان وبالعربي لكل العرب لا اقلاما عربيه تسوق للعبريه والعبريين العرب.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 4/12/2014 8:42:14 AM

امتناني اولا لمتابعتك الاخبار وثانيا على هذه الشهادة التي هي بمثابة مكافأة على الجهد الذي يبذله الصحفي من اجل حماية عقله وحماية عقول قرائه.. النزاهة النقدية شيء في منتهي الصعوبة في ايامنا هده، حيث كلنا متهمون بالتحيز المذهبي/ السياسي..مودتي

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 4/10/2014 6:43:30 PM

رائعه ضحى شمش

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

نور الزهراء فاطمة نور الزهراء فاطمة - 4/9/2014 4:19:39 PM

لو حدق وطن النجوم دهرا لن يذكر من انا ... لن يعرف الارعن الذي بكى سنينا من الحرمان لن يعرف من لا انماء ولا تنمية و لا مؤسسات تحضنه وطن النجوم ليس وطني ... انا وطني مبدأ ابدي في مساحة قلبي الصغير لا اكثر لا نفط فيه ولا ماء ولا كهرباء وطني مثالي حقيقي وليس اسطورة عناها وديع الصافي ومات هو وهي سويا لبنان اسم يبكيني لانني اكتشفت متاخرة انه كذبة كبيرة.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

فيصل باشا /برلين فيصل باشا /برلين - 4/7/2014 12:24:16 PM

نشكر الله العلي العظيم أننا ما زلنا نحتفظ بذاكرتنا بالبنانا،وطن الرحابنة والشعراء والتاريخ والجمال والصبا والحب والدلعونا،والميجانا. وطن جبران، لكم لبناناكم ولنا لبنانا. أما هؤلاء سوف يرحلون كما رحل كل الغزاة عن لبنانا.ويعود وطن النجوم . وطن النجوم ها انا هنا حدق ؟ أتذكر من انا ؟ انا ذاك الولد الأرعنا الذي لم يلعب في سهولك ولا وديانك فانا من الرياض انا؟ ولا يوم أحسست بالانتماء اليك أنا فيومي فيك كان يوم بسنة (بلاي -ستايشن) وأكل صحون اللغة فلم استطع ان ابلعها انا انا اتخذت من سماءك شعارا ولم اكن صافيا انا،لا اعرف من انا! بالريال اضحيت متزعما،على كومة في حضيض لم ترتقي لتسمى قمما. شيطنة الآخرون ليقال عني لم يتشيطنا. فخسارتي مع الأولاد تحت السماء الزرقاء كانت كبيرة فتركتك وهربت انا. اعرفتم من أنا؟ انا ذاك الأرعن،من طينة هؤلاء الذين لا انتماء لهم، لم يذكرنا ايليا ولا الماضي، ولا وطن النجوم،فنحن لنا حاضر بلا مستقبل،لأننا ندين بغير ديننا.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 4/7/2014 4:12:32 AM

لم نسمع يوما عن ترشح توأم سيامي لمسابقة ملكة جمال!فما بالكم تندبونه وهو مشوه بالتكوين,حتى دزرائيلي كان يعترف بأهمية هذا الوطن الصغير, يعني تشوهه الخلقي بدا باكرا واليوم يكاد يكتمل ,الآتي أعظم ومن يعش...يرَ.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم