أمل السيد حسن نصر الله من خصومه في لبنان إعادة النظر في موقفهم السياسي. لم يذهب بعيداً بالأمل في تغيير جذري يشمل أصل موقفهم من قضية المقاومة. تصرف من زاوية أنه يساعد الفريق الآخر على قراءة التطورات، ناصحاً بتموضع جديد. لكن، لا حياة لمن تنادي! في الفريق الآخر ركن أساسي هو تيار المستقبل، وله منزل فيه غرف لبقية فريق 14 آذار. اما التيار الشعبي المناصر للمستقبل، فتحركه مجموعة اعتبارات: سياسية، مصلحية، طائفية ومذهبية. وليس أكيداً، إن تجرأ أحد في 14 آذار على استدارة ما، أن يلحق به جمهوره.

فالنزعة المتشددة حيال حزب الله لا تزال سائدة بقوة. وإزالة مفعول التحريض على الحزب والمقاومة تحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير. وإذا لم تتغير حساباتهم ومصالحهم، من الصعب تعديل مواقف من يعتقدون أن المقاومة في مأزق، أو أنها في طريقها إلى الأفول.
في هذا الباب، يبدو تيار المستقبل في حالة مبادرة. لكن أحداً لا يتوقع أن تكون هذه المبادرة مدخلاً الى تسويات سياسية مع بقية اللبنانيين. على العكس. هذه المبادرة تهدف الى حفظ ما بقي من نفوذ وقواعد، ومنع أخذ الجمهور إلى مكان آخر. همّ المستقبل يتعلق بحساباته المحلية والخارجية. وهو لا يبادر من تلقاء نفسه؛ إذ يصعب تقديم تفسيرات لمواقف وخطوات متطابقة إلى حد الاستنساخ مع ما يقوله مسؤولون في سعوديون وأميركيون وفرنسيون.
ماذا في جديد تيار المستقبل؟
قبل نحو ستة أشهر، ناقش قادة هذا الفريق مشكلة نقص الفعالية. تقرر تفعيل العمل داخل منسقيات التيار. أوكلت المهمة إلى أحمد الحريري، وهو أصل شكوى المحتجين أو المحبطين أو المستنكفين. بدأ أحمد الحريري نشاطه «التفعيلي» برحلة إلى القارة الأميركية اختلط فيها الشخصي بالعام. لكن النتيجة كانت... صفراً!
في لبنان، كان السباق على التوزير مناسبة لإثارة النقاش من جديد حول واقع التيار. النتيجة الأهم، أن فريق الشمال لم يكن بوسعه سوى المصادقة على تثبيت اللواء أشرف ريفي مرجعية أولى. وفي بيروت، يستمر النقاش في حقيقة من يقف خلف قرار إسناد وزارة الداخلية إلى نهاد المشنوق. وزادت الحيرة بعدما تعمد مقربون من الحريري تسريب أنباء متتالية عن أنه أبلغ المشنوق بحزم: أنا رئيس التيار، وأنا من يقرر سياسته العامة! وفي صيدا، لا جديد، سوى زيادة نفوذ «العمة أم نادر» على «العم فؤاد»، وهو أمر لا يغير الأخير كثيراً. فجل اهتمامه الآن في بيروت، وفي طريقة إدارة حكومة ظل لحكومة تمام سلام.
على هذا الأساس يقوم عمل التيار اليوم. مسؤوليات ريفي بعد توزيره تتجاوز رقعة طرابلس. لدى الجنرال الرافض للتقاعد أولويات، منها استعادة نفوذه داخل قوى الأمن الداخلي، وخصوصاً فرع المعلومات. والاستفادة من وزارة العدل لتسوية أوضاع من يرغب من القوى الإسلامية التي يسعى إلى احتواء قياداتها الميدانية، وملاحقة خصومه وأنصارهم من باب القضاء. أو هكذا يظن!

أركان المستقبل مقتنعون بأن نفوذهم لا يقوى إلا برفع منسوب العصبية والهجوم على حزب الله


يردد ناشطون في المستقبل أن دورة العمل انطلقت، وأن خلية تضم أحمد الحريري وريفي تعمل على إعداد خطط تشمل كل لبنان، وأن الهدف يتركز على أمرين: استعادة زمام المبادرة في الشارع السني، بما في ذلك الضغط لاحتواء الجماعات الإسلامية، وتكثيف الحملة على حزب الله وحلفائه من السنّة خصوصاً.
وبحسب ما يجري تداوله، ولو على نطاق ضيّق، يبدو الرئيس الحريري مهتماً بالبند الأول، لأنه لا يريد، متى تقرّرت عودته إلى لبنان، أن تنفجر في وجهه أية إشكالات، وبالتالي فإن هاجس الإمساك بالشارع السنّي يحتاج إلى خطوات عملانية وسريعة. وفي هذا السياق، يجري العمل على الآتي:
1ــــ رفع الغطاء عن التيارات المتشددة التي تتبع مرجعيات سياسية وأمنية ومالية غير المستقبل والسعودية. وهو أمر يجري من خلال استمالة من يمكن استمالته من رجال دين ومجموعات متفرقة، ومحاصرة الآخرين، ودفع الجيش إلى مواجهتهم.
2 ـــ العمل على استعادة دار الفتوى كرمز يحتاجه أي فريق يريد رئاسة الحكومة والتمثيل الرسمي للسنّة. وفي هذا السياق، تولى نادر الحريري الحوار مباشرة مع المفتي محمد رشيد قباني، عبر نجله راغب، لإعداد أوراق عمل لتحقيق مصالحة لا تطيح المفتي، وتعيد المستقبل مرجعية سياسية للدار.
3 ـــ تنشيط القواعد المتشنجة للتيار في بعض المناطق، بغية الحؤول دون أي ترددات سلبية لما جرى في الشمال والبقاع ربطاً بتطورات الأزمة السورية. وهناك تقديرات عالية بأن هجوم أنصار المستقبل على مجموعة شاكر البرجاوي قرب المدينة الرياضية، جاء في سياق الضربات الاستباقية، وسط مخاوف المستقبل من محاولات حزب الله للدخول إلى مناطق نفوذه التقليدية في بيروت وضواحيها.
4ـــ استعادة وحدة المستقبل وتثبيت زعامة الشارع السنّي يتيحان العودة للإمساك بكل قوى 14 آذار، بطريقة مختلفة. إذ أن الحريري غير مرتاح إلى آليات عمل حليفيه الرئيسيين: الكتائب والقوات اللبنانية. ثمة في محيط الحريري من ينصحه بالانفتاح على بكركي وإقامة علاقة قوية بالبطريرك بشارة الراعي، من دون التوقف عند ملاحظات حلفائه المسيحيين في 14 آذار حول سلوك بكركي.
في السياق نفسه، يطلب من اللواء ريفي دور سياسي ــــ امني، برغم فشله في محاولة إقناع مسؤولين سعوديين بارزين، قبل نحو ثلاثة أسابيع، بأن حزب الله على وشك القيام بـ 7 أيار جديد في كل لبنان، إلا أنه عاد للعمل على خطة من شقين:
ـــ الأول، يتعلق بتعزيز فرع المعلومات والضغط لتحويله شعبة كاملة الصلاحيات وتعزيزها بشرياً ومالياً. ووفق استراتيجيته، فإن موافقة المستقبل على نزع سلاح المجموعات المتفلتة في أكثر من منطقة لبنانية يجب أن لا تترك فراغاً يشغله الآخرون، وأن فرع المعلومات يمكنه إدارة قسم كبير من هؤلاء، من خلال منظومة شبكاته الأمنية الشرعية، وبالتالي تحويل «المعلومات» إلى قوة ضاربة قادرة على مواجهة نفوذ الجيش من جهة، ونفوذ حزب الله من جهة ثانية. ويبدو أن محاولة الوزير المشنوق ضبط آليات العمل والتواصل داخل قوى الأمن ستكون صعبة، خصوصاً إذا ما حظي ضباط كبار داخل قوى الأمن، من بينهم عماد عثمان، بغطاء من الرئيس الحريري للتصرف من دون العودة إلى الوزير.
على الصعيد العام، تستمر أولوية تيار المستقبل في مواجهة حزب الله. وفي هذا السياق، صدرت التعليمة بالحملة المكثفة للمطالبة بإصدار قرار من مجلس الأمن، إما لتوسيع مهمات القرار 1701 وأهدافه، أو بإصدار قرار جديد يفرض وضع الحدود الشرقية والشمالية للبنان تحت إشراف قوات دولية. ورغم أن بعض الأصوات داخل المستقبل تدعو إلى عدم الرهان على إمكانية تطبيق القرار إن صدر، إلا أن القائمين على المشروع يعتقدون بأن صدور القرار خطوة كبيرة، وأنه يمكن تنفيذه، ولو على أجزاء، وأنه سيصار إلى إثارة قضايا في البقاعين الأوسط والشرقي (الجنوبي والشمالي) بالإضافة إلى مناطق عكار، ما يؤدي إلى مضاعفات أمنية تفرض على الدولة والعالم القيام بخطوات عملية على الأرض.
داخلياً، يقول الناشطون في المستقبل إن لديهم، كما لدى فرع المعلومات، معلومات كافية عن كل المجموعات المسلحة التي يديرها حزب الله في أكثر من منطقة تحت اسم «سرايا المقاومة». وإن هذه المجموعات ستتحول إلى هدف لفرض نزع سلاحها ومحاصرتها أمنياً، وفرض حرم اجتماعي وسياسي بقصد إبعاد الحزب نهائياً عن المناطق المصنفة بأنها ذات صفاء طائفي غير موالٍ له.
وفي السياق نفسه، يُعدّ هذا الفريق ورشة عمل لـ «مطاردة» الحزب وإشغاله بناسه، سواء من زاوية ملف المطلوبين للعدالة في بيروت (الضاحية) والبقاع، بجرم الاتجار بالمخدرات أو سرقة السيارات أو أعمال خطف، والتركيز على هذا الجانب، حتى في أي نوع من المخالفات في بقية المناطق. وقيادة هذه الحملة من خلال الوزارات المعنية مترافقة مع حملة إعلانية هدفها جعل الحزب يظهر في صورة «المدافع عن المخالفين والمطلوبين للقانون».
الخلاصة، خصوم حزب الله يبذلون كل ما في وسعهم للمزيد من الاختلاف والصدام معه، ولا يقومون بأي خطوة للتقارب. وفي ما خص المستقبل خصوصاً، يبدو أن أركان هذا الفريق يعيشون على خبرية أن نفوذهم لا يقوى، إلا إذا رفعوا منسوب العصبية المذهبية في قواعدهم... ولهذا عندهم علاج واحد: الهجوم على حزب الله!