لم يقتصر الدعم التركي لـ «الثوار» في سوريا على فتح الحدود والتعاون اللوجستي فحسب، بل ثمة مجموعات «ثورية» أُنشئت ـ بتمويل وتسليح وإشراف تركي ـ على أساس الصفاء العرقي لمؤسسيها ومسلحيها.
البداية كانت مع «تجمع أحرار تركمان سوريا»، بوصفه «مظلة سياسية جامعة لكل الهيئات والأحزاب والاشخاص العاملين على الساحة السياسية السورية ذوي الاصول التركمانية»، الذي أدى دوراً في تشجيع التركمان السوريين على إنشاء مجموعات مسلحة خاصة بهم.
كانت حلب وريفها مسرح الظهور الأول لتلك المجموعات، انطلاقاً من القرى والأحياء التي يسكنها التركمان، مثل راعل والراعي وتركمان بارح في الريف، وأحياء الشيخ فارس، بستان الباشا، الهلك، وبعيدين في المدينة. هناك تأسست «كتائب» يراوح عدد أفراد كلٍّ منها ما بين 30 و50 مسلحاً. أولاها كانت «كتيبة السلطان عبد الحميد»، وكان أول إعلان عن ظهورها في أيار 2012، حين تبنّت زرع عبوة ناسفة على طريق مطار حلب الدولي، راح ضحيتها ثلاثة ضباط، وجُرح 18 آخرين. ومع اتخاذ قرار إشعال حلب بإيعاز تركي مباشر، بدأت تلك المجموعات تتكاثر سريعاً، ومنها «كتيبة السلطان محمد الفاتح» بقيادة الشيخ أحمد فياض (أبو عبد الله)، و«كتيبة السلطان مراد» و«كتيبة السلاجقة» و«كتيبة أحفاد الفاتحين» و«نور الدين الزنكي». ولأن زيادة العديد، واتساع رقعة الانتشار كانا شرطيين أساسييين للحصول على دعم تركي مستمر، فقد تحوّل معظم تلك المجموعات إلى «ألوية» لاحقا. وكان من أبرزها «السلطان محمد الفاتح» التي توسعت في كانون الثاني 2013 لتصبح «لواءً» يضم كتائب «الشهيد محمد أبو عبد الله»، «الباز»، «زين العابدين»، «الشهيد يلماظ علي»، «علي بن أبي طالب»، «المهمات الخاصة»، «الشهيد نورس»، «الشهيد أحمد كريّم»، «الشهيد حسن دحل»، «ملك شاه»، «الدفاع الجوي»، «سرية الهندسة».
يؤكّد مصدر ميداني معارض لـ «الأخبار» أن الأسلحة التي توافرت في يد هذه المجموعات، منذ البداية، كانت نوعية ومميزة على أسلحة سواها. ويوضح: «في وقت كنا نقاتل فيه ببنادق بمب أكشن، كان في حوزتهم بنادق أم 16 وأم 4 وقواذف بشحمها (جديدة). وعندما حصلنا على هذه الأخيرة، صار لديهم صواريخ متطورة». ويضيف: «وقتها لم نكن ندرك سبب تفوق تسلحهم ولا مصدره. ثم صار الدعم التركي أمراً يعلنونه ويتفاخرون به». ويضيف: «الدعم التركي مطلقٌ لهذه الألوية. يتسلمون أحدث أنواع الأسلحة، ويتلقى كل عنصر راتباً شهريا قدره 100 دولار (يرجح أن التمويل المالي قطري). أما الحدود، فمفتوحة أمامهم دائماً، ويحظى قادة الألوية باستقبال من قبل الاستخبارات التركية منذ وصولهم الأراضي التركية». ووفقاً للمصدر نفسه، فإن عدداً من متزعمي تلك الألوية «التقوا رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان مرة واحدة على الأقل. ومرات عدة وزير الخارجية أحمد داود أوغلو». يرى المصدر أن «معظم الألوية التركمانية غير جدير بالثقة ولا يحترم مواثيقه». ويُدلل على ذلك بمسارعة «الألوية» التركمانية في بلدة الراعي إلى «نقض بيعة داعش، والانخراط في القتال ضدّه». ويكاد هذا القتال أن يكون الوحيد الذي انخرطت فيه تلك الألوية في حلب. ويختلف الأمر بالنسبة إلى باقي مناطق انتشار المجموعات التركمانية، حيث يؤكّد مصدر مطلع على نشاطها لـ «الأخبار» أن «التركمان شاركوا بقوة في القتال ضد جيش النظام في جميع تلك المناطق، وعلى وجه الخصوص في حمص».
في نيسان 2013 أُعلن إنشاء «المجلس العسكري التركماني»، ودوره في الدرجة الأولى «تنسيقي» بين الكتائب والألوية من جهة، والحكومة التركية من جهة أخرى. ويرى هذا المجلس أن من بين أولوياته «القتال ضد وحدات حماية الشعب الكردية YPG، وضد مشروع الإدارة الذاتية في مناطق الأكراد».
يُقدر عدد المقاتلين التركمان في سوريا بحوالى 14000. ينتشر العدد الأكبر منهم في حلب وريفها، ويقدر بـ 7000. فيما يتوزع الباقون على حمص وريفها، ودرعا، وريف اللاذقية. ويُعد «لواء أحفاد الفاتحين» صاحب العدد الأكبر من المسلحين، ويضم ما يراوح بين 1500 و2000 مقاتل. مؤسس هذا اللواء، وقائده ــــ إلى وقت قريب ــــ يدعى إبراهيم الأحمد. وهو مدرس سابق للغة عربية، ويناديه مقاتلوه بـ «الأستاذ». قبل اندلاع الأزمة السورية بسنوات انضم الأحمد على نحو سري إلى «حزب التحرير الإسلامي»، وهو حزب جهادي سلفي مؤسس منذ خمسينيات القرن الماضي، وعلى رأس أهدافه «إقامة دولة الخلافة الراشدة»، وله انتشار واسع في الدول العربية والإسلامية، وبعض الدول الغربية كالمملكة المتحدة.
يصرّ مصدر من «لواء السلاجقة» على أن «الألوية التركمانية ليست خاضعة للأتراك». يقول لـ «الأخبار» إن «مروجي هذا الكلام يرمون إلى تشويه سمعتنا عبر وسائل عدة، منها اتهامنا بالطائفية». وهي تهمة يرفضها المصدر بشدّة، ويبرهن على بطلانها بالقول إن «ألويتنا تقبل في صفوفها كل المقاتلين السنّة، حتى لو لم يكونوا من التركمان»! وماذا عن الطوائف الأخرى؟ يجيب المصدر: «ما المقصود بالطوائف الأخرى؟ العلويون والشيعة؟ أولئك ضالون وكفرة»!




كيانات سياسية ورئيس فخري

تكرّرت المحاولات لإيجاد كيان سياسي تركماني جامع. وكان آخرها تأسيس «حزب الحركة الوطنية التركمانية السورية»، الذي عقدت «هيئته العامة» مطلع الشهر الجاري، بحضور أعضاء من «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، الذي رحب بالخطوة، عبر بيان رأى فيه أن «تأسيس مثل هذه الأحزاب يغني العملية الديمقراطية في سوريا المستقبل». وعرّف الحزب الذي يرأسه محمد وجيه جمعة، نفسه بأنه «حزب يضم السوريين المؤمنين بحقوق التركمان في سوريا، ويعمل على تنمية وتفعيل دورهم في بناء دولة العدالة والمساواة».
من الكيانات البارزة التي جرى تشكيلها أيضاً، كان «مجلس تركمان سوريا»، الذي تشكل في أنقرة في نيسان 2013، خلال مؤتمر «تركمان سوريا الثاني»، الذي حضر يومه الثاني رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو.
ويحظى عضو البرلمان التركي محمد شاندر بلقب «الرئيس الفخري لتركمان سوريا». وشاندر نفسه كان يرأس «مجموعة الصداقة البرلمانية السورية التركية». وقال في حديث للتلفزيون السوري في آب 2011 إن «ما يجري في سوريا استمرار لمحاولات الغرب الاستعماري في تحقيق مخططاته».