«مستقتلة البنت على الشاب. طيّب، بهذه الحالة، شو كان لازم إعمل، بزوّجها؟ أو إتركها تزني؟». «بعدين، خلّي هالزواج يتم برضى الله ورسوله، ويعترف فيه بَيْها، ما المثل نبي وبيقول همّ البنات للممات، فنعمة كريم إذا إجاها للبنت شاب آدمي وتعبّط فيها». هكذا، أجاب الشيخ المعمّم حسن م. رداً على أسئلة «الأخبار» عند قبوله بعقد قران القاصر إيفا غ. (14 عاماً) بعدما خطفها راشد ووالده، لاسترداد دَين على والدها. يومها، لم تثر ثائرة «الدين» على فعلة المعمّم الذي زوّج قاصراً في ظروف تتصف بالجريمة، متأبطاً نصف فتوى. فعلة شرّعت «اغتصاب» فتاة قاصر بغطاء ديني. مع ذلك، لم يتحرك أحد، رغم أن في ذمّة الشيخ نفسه عقود زواجٍ كثيرة لفتيات، هنّ بحسب القانون المدني، قاصرات.
هذا الشيخ المعمم ملاحق اليوم بدعويين، الأولى دعوى إيفا، والثانية دعوى «تطليق على الهاتف». ولكن، لا يزال «مولانا». يمارس عمله، على عين مؤسسته الدينية والقانون أيضاً. لكنه، ليس وحيداً في فعلته، فالشيخ محمد ع. هو أيضاً برّر فعلته في تزويج قاصر بالقول «شو أنا أول واحد عم يعمل هيك، روحي شوفي الضاحية مليانة مشايخ تحت الدرج».
«مشايخ تحت الدرج»؟، نعم، هذا هو الوصف الذي يطلقه رجال المفرزة القضائية كلما وردت إليهم شكوى ضد أحد من هذا النوع من المشايخ. بمعنى، هم «مشايخ يصدرون أحكاماً شرعية غبّ الطلب، مقابل بدلات مالية». هكذا ببساطة، يُترك هؤلاء من قبل الدولة من دون أي رادع.
الشيخ حسن م. ليس أول «واحد»، ولا حتى محمد ع. ولا حتى محمد كاظم ك. ثمة مشايخ كثر ضالعون في إيجاد الغطاء الشرعي لما يسمى «الاستغلال الجنسي للقاصرات»، تقول المحامية ليلى عواضة من منظمة «كفى عنف واستغلال». قد لا يكونون كثراً، بحسب الشيخ شفيق جرادي، مدير معهد المعارف الحكمية، ولكنهم «كثيرو الأثر والأذى»، يقول. هؤلاء الذين أصبحوا أكثر أثراً بعد زحمة النزوح السوري وشيوع الزواح المبكر، أو ما يسمونه «زواج السترة» للقاصرات، والتي كان عمادها المعممون الذين أفتوا بـ«ستر» الفتاة، بغضّ النظر عن طفولتها. وفي هذا الإطار، يؤكد عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى القاضي زكريا غندور أن النزوح السوري وتزويج القاصرات السوريات «أحد الأسباب للتهاون في إبرام عقود الزواج لقاصرات»، مشيراً إلى أنه «في مجتمعنا صرنا أمام واقع الزواج غير المبرر شرعاً، حيث يعمد رجل دين الى عقد قران طفلة هربت مع شاب، من دون إذن وليّ أمرها، وهنا لا يهم الشيخ سوى المنفعة المادية. أما ما يحصل في ما بعد، فلا يهمّه، سواء سجّل العقد أو لم يسجّل، وهذه هي الكارثة».
لكن، مهلاً، هل سأل أحدكم عن دور المؤسسة الدينية في لجم هؤلاء؟ والقانون؟ هل سأل أحدكم عن دور الدولة في ملاحقتهم؟


الدولة شريكة في الجريمة

واجبة تلك الأسئلة. ولتكن البداية من الدولة. ففي حالة إيفا غ. مثلاً، ثمة دعوى قضائية بحق الشيخ م. وكل ما فعلته أجهزة الدولة هو التحقيق معه لمرة واحدة فقط، عاد بعدها لعقد قران قاصر أخرى. عقد كاد «يوقع مقتلة بين عشيرتين»، بحسب ما يقول شهود. لكنه، ليس الوحيد الملاحق بدعوى، ففي مفرزة الضاحية الجنوبية القضائية وحدها، هناك 20 شكوى تتعلق بخطف قاصرات بقصد الزواج، سجلت العام الماضي. وفي 90% من هذه الشكاوى «هناك رجل دين ضالع»، تقول المصادر. وما يزيد الطين بلّة، أنه في كل فرع من فروع المحكمة الشرعية الجعفرية (مثلاً) تردّ «خمسة عقود شهرياً لفتيات قاصرات ويحكم ببطلان بعضها»، يقول أحد العاملين في تسجيل عقود الزواج في هذه المحكمة في حارة حريك. أي، هناك 60 عقداً في كل فرع. وإن كانت هذه الأمور تحصل «وعادية»، في رأي دائرة التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، إلا أن ما ليس عادياً هو ترك بعض أصحاب العمائم يفعلون هذا. أين هو دور الدولة، على الأقل، في إطار احترامها للاتفاقات والمعاهدات الدولية؟ ماذا عن التزامها باتفاقية حقوق الطفل، تلك التي تنص في مادتيها 34 و35 على «إلزام الحكومات بحماية الأطفال من جميع أنواع الاستغلال الجنسي وسوء المعاملة واتخاذ كل الإجراءات المتاحة لضمان عدم تعرضهم للخطف أو البيع أو التهريب إلى أماكن أخرى والاتجار بهم واستخدامهم في المواد والعروض الإباحية»؟ ماذا عن كل هذا؟
في القانون المدني، وبعيداً عن الشرع، رجل الدين الذي يزوّج قاصراً هو «مرتكب جرم»، ومحرّض على «الاغتصاب». وهذا واضح في القانون. ففي المادة 505 من قانون العقوبات، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة «من جامع قاصراً دون الخامسة عشرة من عمرها». لكن، ما عقوبة رجل الدين الذي «يشرعن» هذا النوع من الجماع لقاء بدلٍ مادي؟ أين هو دور الدولة في اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق رجل دين هو أولاً وأخيراً مواطن تحت سقف القانون، بغضّ النظر عن عِمّته؟
لكن، عندما نعلم أن الدولة، برغم تلك الالتزامات الدولية وفداحة ما يرتكبه هؤلاء بحق الأطفال، يبلغ سقف عقابها لهم حدّاً أقصى «500 ألف ليرة لبنانية»، فعندها يصبح من السهل القول «إنها شريكة في الجرم ومتواطئة»، بحسب المحامية ليلى عواضة. وعندما يرتكب رجل دين هذه المخالفة، فهو يعرف مسبقاً أن فعلته لا تكلفه أكثر من «محضر ضبط في القانون». إن جرّم، فأقصى العقوبات هي تحرير «محضر ضبط»، وفقاً للمادة 483 من قانون العقوبات اللبناني، التي تنص على أنه «إذا عقد أحد رجال الدين زواج قاصر، لم يتم الثامنة عشرة من عمره دون أن يدوّن في العقد رضى من له الولاية على القاصر، أو أن يستعاض عنه بإذن القاضي، عوقب بالغرامة من 50 ألف ليرة إلى 500 ألف ليرة»، أي بمثابة «ضبط مخالفة سير».
هذا جلّ ما يفعله القانون لرجال الدين. محضر ضبط. وهذا يدفعنا إلى السؤال عن مسؤولية الدولة وقوانينها في هذه النقطة بالذات. فما الذي يعنيه تحرير مخالفة بـ 50 ألف ليرة لقاء شرعنة اغتصاب قاصر؟ ما الذي يعنيه؟ ثمة شيء واحد قد يفهم من قوانين الدولة، التي يفترض أنها للردع، والتي إن عدّلت «تعدّل تكلفة الغرامة فيها» ـــ بحسب عواضة، هو أنها «متواطئة مع الطوائف، ومن ورائها رجال دينها». باختصار، «الدولة بقوانينها تساير الطوائف لا أكثر ولا أقل ولا تحمي المواطنين من أفعال بعضهم مع بعض، تتابع. وهذا الواقع لا يمكن إصلاحه إلا بأمرين. الأول «العمل على صعيد قوانين الأحوال الشخصية لدى الطوائف لرفع سن الزواج أو التوافق عليه وعدم تزويج القاصر». وثانيهما في ذمة الدولة «التي يفترض أن تحمي حقوق مواطنيها». وهذا يدفعنا إلى إعادة السؤال عن القانون المدني للأحوال الشخصية «هذا الذي يفترض أن يكون إلزامياً، على أن يكون الزواج الديني اختيارياً». وهذا إن عنى شيئاً، فهو يعني الحد من هذا الشذوذ.
الدولة «مسؤولة أولاً وأخيراً»، تقول المحامية منار زعيتر. هي ليست مسؤولية المؤسسات الدينية، بل مسؤوليتها هي في معاقبة هؤلاء... بأكثر من 500 ألف ليرة لبنانية «رح يطلّعها الشيخ من كم عقد زواج براني»، بحسب تعبير أحد أحد رجال الدين. ومقولة أن «الدولة عاجزة» لا تمتّ للمنطق بصلة. الدولة متواطئة ومسخّرة. والدليل ما حصل في قضية إيفا غ. في الشق القاضي بحماية الطفلة كقاصر، انتظرت الدولة وعد مختار آل ز. لينفذ وعده بإعادة الطفلة إلى بيتها. انتظرت الذي «حطّ إيدو على شواربو» كي يستعيدوا إيفا. هكذا، وضعوا القانون تحت إمرة العشيرة. وهذا أقسى ما يمكن أن ترتكبه الدولة التي يفترض أنها تحمي مواطنيها. هذا أولاً. أما ثانياً، فعلى الرغم من صدور إشارة قضائية استثنائية تقضي بالملاحقة الليلية للخاطفين والضالعين والمشاركين، ومنهم الشيخ حسن م. لم يتحرك العناصر الأمنيون على الرغم من معرفتهم مكان وجود الخاطفين. أما بالنسبة إلى الشيخ الذي عقد القران، فقد اكتفت بالتحقيق معه مرة واحدة فقط. هل هذا ما يسمّونه رفع العتب؟ أم هو خوف من غضب المؤسسات الدينية؟


المؤسسة الدينية لا تُحاسب

ثمة من يقول إن «الوضع القائم يحتّم التعامل بحيطة مع مسألة رجال الدين». وهذا ما يقوله أمنيون. إلا أن القانون «لا يعفي مخالفاً من الملاحقة، سواء كان رجل دين أو أي شخص آخر»، تتابع عواضة. وقد حصل هذا الأمر أخيراً «عندما أصدرت القاضية غادة أبو كروم إشارة قضائية بدخول إحدى الحوزات وإحضار رجل دين للتحقيق معه في قضية تزويج قاصر». إذاً، الدولة قادرة، لكنها «لا تفعل»، بحسب عواضة. أضف إلى ذلك، إنه في القانون، هناك ما ينص على ضرورة وجود قاضٍ مدني في المحاكم الشرعية، سنية كانت أو شيعية، ويختص بمراقبة سير الأمور فيها بما يتطابق مع روحية التشريع والدستور اللبناني. فأين هذا القاضي مما يجري؟
لا أحد يملك الإجابة، حتى «أبناء» الدولة نفسها الذين يفضّلون الابتعاد عن أمور الدين. يعني «ابتعد عن الشر وغنّيلو». هذا ما يقولونه. ولنسلّم جدلاً بهذا الأمر، ماذا عن الإجراءات التي تتخذها المؤسسات الدينية في مجال معاقبة المخلين؟ وهل اتخذت إجراءات أصلاً في ما يتعلق بجريمة تزويج القاصرات، وخصوصاً في ظل النص الشرعي الواضح الصريح الذي يمنع تسجيل زواج القاصر بلا إذن وليّ أمرها؟
في المقام الأول، يعترف هؤلاء بصعوبة اتخاذ إجراءات «كيفما كان» في ظل هذه الظروف. المكان الوحيد الذي يمكن التصرف فيه بأريحية تجاه هؤلاء هو «عندما يتعرض للتوقيف والسجن، فعندها ينزع زيّه الديني وترفع الصفة عنه، وهذا يأتي بقرار من المؤسسة الدينية»، يقول مدير دائرة التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الحليم شرارة. ويؤكد أن «هذا الأمر قد حصل بالنسبة إلى كثيرين». ما دون تلك الحالات، ثمة خوف من شيوع الفوضى في هذا المجال، فعندها «كل محكمة بتصير تاخد قرار بنزع الزيّ».
يتفق عضو المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى القاضي زكريا غندور مع القائلين بمحدودية القدرة على التحرّك لقمع هذه الظاهرة، التي ينكر رجال الدين حجمها، ويوضح أن «اتخاذ أي إجراء بحق المخالفين غير ممكن إلا إذا كان هناك ادعاء من جانب النيابة العامّة»، أمّا «نزع الصفة عن رجل الدين فهو إجراء يعود الى دار الفتوى حصراً»، ويستدرك بالقول «لم يحصل أن تم نزع الزيّ الديني عن دخيل من الدخلاء بسبب الوضع القائم في البلاد».
ولهذا، يقول الشيخ شرارة إن «هناك حاجة إلى التنظيم، وهو ما تعمل عليه دائرة التبليغ الديني، حيث من المفترض أن تصبح هناك هيئة استشارية لدراسة أوضاع المخلين واتخاذ إجراء موحد». وبالنسبة إلى متابعة «المخلين ممن يسمّون رجال الدين، فذلك يعود الى المرجعية الدينية المتمثلة بالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وقد نشطت الجهود في الفترة الأخيرة لوضع حد لمثل هذه التجاوزات، وذلك من خلال تنظيم وضع الحوزة العلمية في لبنان، والتأسيس لعلاقتها مع المؤسسة المرجعية الدينية بما يساعد على ضبط هذه الحالات المخلّة من جهة، والتأسيس للتنسيق بين المجلس وهيئة التبليغ الديني في المجلس ورئاسة المحاكم الشرعية الجعفرية من جهة أخرى لاعتماد الوسائل المساعدة على رفض أي أوراق تصدر عن الأشخاص الذين عرفوا بالخلل والتجاوز وجدولة أسمائهم، توصلاً الى وضع حدّ لهذه التجاوزات». وإلى حين الوصول إلى ذلك، يشير الشيخ شرارة إلى أنه يتم «اتخاذ إجراءات موضعية»، ومنها مثلاً بأن «المحكمة الشرعية الجعفرية في لبنان ملتزمة برفض أي عقد يصدر من قبل أي من رجال الدين ولا يكون مبنياً على إذن الولي». هذا التعميم الذي سيلحق بآخر يمنع «تسجيل أية معاملة أو عقود صادرة عن رجال دين معينين». ولكن، هل يكفي التعميم ما بين المحاكم؟ ألا يستوجب هذا الأمر التعميم بوسائل أخرى كي يتنبه المواطنون لهؤلاء؟ كأن يكون التشهير بهم مثلاً؟ لمَ لا توجد هذه الجرأة؟ يشير شرارة إلى أن هذا الأمر قد يحصل في مرحلة لاحقة. مع ذلك، هناك «عتب» على المواطنين، «فهؤلاء تقع عليهم مسؤولية، ففي الأمور الحساسة التي لها طابع مصيري، ينبغي أن يكون أكثر حذراً ودقة، والناس الذين يلجأون إلى أمثال هؤلاء، قسم يقصد الانحراف، لكنه يبحث عن غطاء وهذا المواطن هو المسؤول، ولا يمتلك المبرر في ذهابه الى هؤلاء، وقسم آخر لا يلتفت الى أن هناك أشخاصاً يتظلّلون بهذا العنوان، ويفترض أن يكونوا أكثر التفاتاً ليتمكنوا من حسن الاختيار».
المواطن مسؤول. وهذا صحيح. ولكن، ثمة مسؤولية على رجال الدين أيضاً ومن ورائهم مؤسساتهم. ففي الآونة الأخيرة، زوجت صغيرات كثيرات في المجتمع السوري النازح. وكان رجال الدين أكثر الضالعين فيها، ولم تثر ثائرة الدين. ربما «لأننا لسنا قادرين على ضبط الأمور»، يقول القاضي زكريا غندور. ولكي «نكون قادرين، هناك حاجة للتعاون ما بين دار الإفتاء والنيابة العامة التمييزية لضبط بياعين البندورة». وبحسب غندور، صار الأمر كارثياً «بسبب بعض رجال الدين الذين لا تهمهم سوى المنفعة المادية، بغض النظر ما إذا كان العقد صحيحاً أو لا، وهؤلاء المشايخ يفتحون على حسابهم، يعني بيمضي على ورقة صغيرة بيضا بلا قيمة أو بياخد صورة صادرة عن المحكمة وبيمضيها باسم مستعار أو أن يعقد زواج براني، كما يحصل في زواج القاصرات السوريات، ويذيّلها باسم وهمي». وعندها «يضيع الشنكاش». وفي الحالات النادرة التي يتم فيها الادعاء على رجال دين وتتدخل النيابات العامة «ما بنقدر نحبسو بسبب تدخل الوساطات».


التشهير واجب

هذا هو الواقع، إذاً. لكن، هذا ليس سبباً لإعفاء أحد. الكل مسؤول، وإن لم يكن بقدر مسؤولية الدولة. قد يكون «التشهير» أحد الأساليب، يشير الشيخ شفيق جرادي، رئيس معهد المعارف الحكمية. وهذا التشهير واجب في جريمة تزويج القاصرات، التي يقوم بها مخلّون بالدين، «يتعاطون بحرفية مع الفتاوى»، بحسب جرادي. وربما، لهذا السبب، صارت فتوى «المرجع السيد محمد حسين فضل الله هي الأشهر، وهي التي تجيز العقد على البكر من دون موافقة ولي أمرها إن كانت بالغة وراشدة». وهنا، نقطة الخلاف. فبحسب الشيخ شرارة، استناداً إلى رأي غالبية الفقهاء «لا يجوز عقد زواج القاصر، من دون إذن وليّ أمرها». وهذا أمر محسوم. أما بالنسبة إلى جواز عقد القران بلا وليّ الأمر إن كانت راشدة وبالغة، فهذا إن عنى شيئاً فهو يعني أن «الرشد لا يقترن بالبلوغ بالضرورة، قد تبلغ وهي راشدة وقد تبلغ ولا تكون راشدة، ومعنى راشدة أن تكون قادرة على تشخيص وتحديد مصلحتها في ما تريد أن تقدم عليه حسب الموازين العقلية وليس العاطفية». النقطة الأساس أن «الرشد ليس بالضرورة أن يكون مرادفاً للبلوغ». وهذا يعني «مش إنّو إذا إجتها، صار فيها تتزوج»، برأي الشيخ محمد علي سبيتي. إذاً، يفترض الرشد شرطاً أساسياً مرافقاً للبلوغ «وهذا صعب، لأننا نتحدث عن استقلالية في كل شيء ومستقلة في العيش بعيداً عن والديها، وهو ما لا يتوافر في معظم القاصرات اللواتي يعقد قرانهنّ بلا وليّ الأمر»، يقول جرادي.
ما يحصل، في رأي الشيخ سبيتي «ضحك ع الدقون». يقول إنه في تفسير «فتوى السيد فضل الله، لم يتكلّف هؤلاء عناء البحث في الحيثيات، يفترض أن تنشاف الفتوى بالحيثيات، أما ما يفعلونه هم فهو في غالب الأحيان الأخذ بنصف فتوى، وهذا شبيه بتفسير البعض لآية (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)، البعض منهم يأخذون الشق الأول (لا تقربوا الصلاة)». في رأي سبيتي، هناك حل واحد «تصدير قانون شرعي، يحدّد سن الزواج للبنت بعمر 18 سنة». وفي انتظار هذا الحل، سيبقى الشذوذ قائماً.




هناك في أوستراليا

كم مرة «اغتصبت» إيفا غ. (14 عاماً) في الأسابيع الثلاثة التي عاشت فيها «زوجة» لخاطفها حسين م.؟ ثمة كثيرون سيجيبون «ولا مرّة»، وسيقولون ببساطة مفرطة «لأنها كاتبة كتابها على سنّة الله ورسوله». هذا، سيحدث عندنا. أما هناك، في أوستراليا البعيدة، فيمكن الإجابة بطريقة أخرى. ففي زواج يشبه زواج إيفا القاصر، هناك ما يسمى تهمة «الاغتصاب المتكرر»... ولو كان على أساس «سنّة الله». وقد حدث هذا الأمر في مدينة نيو كاسل، عندما أوقف شاب لبناني، يبلغ من العمر 26 عاماً، بتهمة الزواج من طفلة أوسترالية (اعتنق والدها الإسلام منذ 18 عاماً) تبلغ من العمر 12 عاماً. لأنهم هناك، في بلاد تحمي مواطنيها، سئل الشاب بجرأة عن عدد المرات التي قضاها مع زوجته الطفلة، عن عدد المرات التي «اغتصبها»، والتي يواجه بسببها اليوم 25 تهمة؛ منها الاغتصاب المتكرر واحتجاز طفلة بين 12 و14 عاماً. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالمعمم ـــ وهو رجل دين باكستاني ـــ الذي عقد الزواج، أوقف أيضاً بتهمة تزويج قاصر. ومن المفترض أن يحاكم مطلع شهر نيسان المقبل.



من هم؟

يروي أحد المسؤولين الأمنيين أنه حينما كانت تأتي إلى مكتبه شكوى ضد رجل دين، كان يبادر حامل الشكوى بالقول «ليك، حطّ الملف برفّ مشايخ تحت الدرج». ومشايخ تحت الدرج تعني في رأي آخرين، من الأمنيين أيضاً، «مشايخ البراني» و«مشايخ الخطيفة»... أو بحسب وصف رجال دين آخرين «بياعين البندورة».
هذا في الوصف الكاريكاتوري الشائع. أما في أدبيات المؤسسة الدينية، فهؤلاء، بحسب عضو المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى القاضي زكريا غندور، «هم أشخاص باعوا دينهم بدنياهم ولا يهمّهم إذا كان العقد صحيحاً أو لا»، وبحسب مدير دائرة التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الشيخ عبد الحليم شرارة، «هم من لا يلتزمون بالشرع والفقه، ولهم مصالحهم وأهواؤهم مثل كل إنسان، ووصفهم برجال الدين غير دقيق، لأن رجل الدين أو عالم الدين لا يمكن أن يخلّ بالتزامه الديني، والإخلال يجعله في موقع الإدانة والمسؤولية من قبل المؤسسة الدينية التي ترعى شؤون علماء الدين». حتى هؤلاء هم في قسمين «الأول من كان له ارتباط بالحوزة العلمية ونال قسطاً من التحصيل العلمي الذي يجعله في عداد علماء الدين، إلا أن مخالفته تكون سلوكية، ومنهم من لم ينل حظاً من العلم، وإنما انتحل هذه الصفة وتزيّا بهذا الزيّ وتغطّى بعناوين علمية، مثل عنوان معهد أو حوزة، وقد حصل ذلك في ظروف لم يكن ثمة رقيب على ذلك. ظروف مرّت بها البلاد وأدت إلى تعطيل دور المؤسسات عن المتابعة والمراقبة كما ينبغي، وهذا ما تعانيه اليوم الطوائف بشكل عام».
تلك الظروف، التي تحدث عنها شرارة، ولّدت مجموعة من «الأشخاص غير الملتزمين، المستنكرين في بيئتهم الدينية الخاصة والعامة، وهم موضع اتهام بالشخصي، فهو كشخص مشبوه»، يقول الشيخ شفيق جرادي، رئيس معهد المعارف الحكمية. ويشبه الأخير وضع هؤلاء «متل واحد نال الشهادة بالجكار». وصار يمارس اختصاصه «كتجارة، ففي موضوع كتب الكتاب لقاصرات، يمارس رجل الدين هذا تجارة شاذة لا مذهب لها ولا دين». تجارة شاذة تصل إلى حدّ تقاضي الأجور، كما في حالة محمد كاظم ك. وهنا إدانة إضافية، «إذ كيف يمكن تقاضي الأجور على سنن مستحبة، فتصوروا مثلاً واحد بصلي صلاة جماعة وبياخد اجرتو مصاري».