ما لملمته روابط هيئة التنسيق النقابية من معلومات بشأن سلسلة الرتب والرواتب (تقرير السلسلة، الجداول والأرقام، مشروعا قانوني السلسلة وتمويلها من المواد الضريبية المعدلان) لا يعدو كونه مسوّدات وتطمينات شفهية لم تستطع هذه الروابط أن تبني عليها مواقف نهائية حتى الآن. ما خرجت به مكونات الهيئة مجرد انطباعات أولية عن تحسينات طرأت على مشروع الحكومة تنتظر تثبيتها واستكمال تعديلها في اللجان المشتركة تحت سقف الحفاظ على الحقوق المكتسبة لكل القطاعات الوظيفية.
حصلت «الأخبار» على نسخة من التقرير النهائي المرفوع إلى الأمانة العامة للمجلس النيابي. اللجنة ارتأت تقسيم التقرير إلى ثلاثة أقسام رئيسية تحت عناوين: الحقوق والعدالة، الإمكانات المتاحة والإصلاحات المقترحة.
في القسم الأول، يشير التقرير إلى أنّ رواتب العاملين في القطاع العام لم تعدل منذ مطلع العام 1996، رغم بلوغ مؤشر ارتفاع الأسعار نسبة 121% خلال الفترة الممتدة من مطلع العام 1996 ولغاية آخر العام 2011. ويلفت إلى أنّ زيادة غلاء المعيشة التي منحت خلال العام 2008 بمعدل 200 ألف ليرة لا تشكل سوى نسبة ضئيلة من الحقوق التي توجبت للعاملين في القطاع العام حتى ذلك التاريخ. كذلك يقر بأهمية محافظة راتب العامل على قدرته الشرائية، وأنّ أي تمييز لصالح أي فئة من شأنه أن يخرق مبادئ العدالة والمساواة التي يفترض أن يلتزم بها كل عمل تشريعي. ويطمئن التقرير الموظفين بالتأكيد على عدم المس بالحقوق المكتسبة بموجب قوانين سابقة تحت طائلة الإبطال.
يرى التقرير أنّ السياسة المالية الرشيدة تقضي بأن يتم استهلاك معدلات التضخم دورياً (كل سنتين وثلاث سنوات) أو كلما بلغ المعدل المتراكم للتضخم دورياً 10% فيسهل على الخزينة أمر تغطية الإنفاق المستجد. ومع إهمال هذه السياسة، فإنّ درس زيادة غلاء المعيشة يقتضي أن يؤخذ في الاعتبار أمران أساسيان: الحقوق المتوجبة للعاملين في القطاع العام والإيرادات التي يمكن تحصيلها فعلياً بصورة دائمة من جهة ثانية.
وبناءً عليه، قدرت اللجنة كلفة حقوق العاملين في القطاع العام حتى نهاية 2011 بـ3 الاف مليارات و642 مليار ليرة. وبعد تنزيل زيادة غلاء المعيشة التي أعطيت بموجب القانون 63/2008 والبالغة نحو 500 مليار تنخفض الكلفة إلى 3150 مليار ليرة. ويشير التقرير إلى أنّ الحكومة حددت كلفة زيادة غلاء المعيشة وتعديل سلاسل الرواتب بمبلغ 1669 مليار ليرة، وأن عدد المستفيدين هو 165498 عاملاً بين إداري وعسكري وأستاذ ومعلم، لكنها أغفلت احتساب نفقات عدة مرتبطة بالرواتب وهي التعويض العائلي (125 مليار ليرة) وكلفة زيادة للمؤسسات العامة (160 مليار ليرة) واشتراكات الضمان الاجتماعي لنحو 5600 متعاقد وأجير (29 مليار ليرة). وأساءت الحكومة، بحسب التقرير، تقدير الزيادة على مساهمة الدولة للمدارس المجانية المحددة بموجب المرسوم 1439 بتاريخ 24 حزيران 1978 بنسبة 50% من الحد الأدنى للأجور وتضاف إليها 10 % من الحد الأدنى ذاته عن كل تلميذ إذ كانت نسبة الداخلين في الملاك من أفراد الهيئة التعليمية في المدرسة المجانية مقيدة في صندوق التعويضات (31 ملياراً)، فيما الزيادة المرتقبة عن رفع الحد للأجور من 300 ألف إلى 675 ألفاً لن تقل عن 58 مليار ليرة. هكذا تبلغ زيادة غلاء المعيشة وتعديل سلاسل الرواتب الفعلية وفقاً لمشروع الحكومة 2010 مليارات.
الأمر الهام متعلق بالمفعول الرجعي للزيادة اعتباراً من أول شباط 2012. وفي هذا الإطار، يوضح التقرير أنّه قد تنقضي فترة تقارب السنتين على بدء استحقاق الزيادة من دون أن يقابلها أي تحصيل للإيرادات اللازمة لتغطيتها، ما يستوجب تأمين إيرادات طارئة إضافة إلى الإيرادات الدائمة اللازمة لتغطية كلفة الزيادة اعتباراً من تاريخ إقرار مشروع القانون تكون كافية لتغطية كلفة المفعول الرجعي خلال مدة تقسيطه. وجاء في المادة 24 من مشروع القانون «تدفع الفروقات المستحقة اعتباراً من تاريخ 1/7/2012 ولغاية نفاذ القانون على دفعات نصف سنوية يعادل كل منها قيمة الفروقات عن ستة أشهر تدفع خلال شهري آذار وأيلول من كل سنة». اللجنة ألغت تقسيط السلسلة وتجزئة الدرجات، وجاء في المادة العاشرة من مشروع القانون «يعطى أفراد الهيئة التعليمية في ملاك التعليم الرسمي بتاريخ صدور القانون ست درجات استثنائية مع احتفاظهم بحقهم في القدم المؤهل للتدرج».
ويقول التقرير إن اللجنة اعتمدت في إعادة النظر بسلاسل الرتب والرواتب المعايير الآتية: اختيار وحدة قياس مشتركة وهي اعتماد راتب الفئة الأولى كمعيار واحتساب رواتب الفئات الأخرى بنسبة مئوية منه، ما يعني تقريب رواتب الفئات الأخرى إلى راتب الفئة الأولى، اعتماد زيادة رواتب تندرج صعوداً كلما انخفض المستوى الوظيفي. ففي حين كانت النسب المعتمدة في مشروع الحكومة بالنسبة إلى رواتب العام 1996 للفئة الأولى 65 % وللفئة الثانية 133 % وللفئة الثالثة 103 % وللفئة الرابعة (1) 113 % وللفئة الرابعة (2) 124 % وللفئة الخامسة 124 %، باتت هذه النسب في مشروع اللجنة النيابية على الشكل الآتي: الفئة الأولى 56 %، الفئة الثانية 94 % الفئة الثالة 98 % الفئة الرابعة (1)100 % والفئة الرابعة (2) 122 % والفئة الخامسة 124 %. ومن المعايير احتساب الدرجة بنسبة مئوية من الراتب المقابل لها ترتفع قيمتها بارتفاعه مع توحيد كل ثلاث درجات معاً في مجموعة واحدة، ما يعني أن قيمة الدرجة تتغير كل 6 سنوات، كذلك تم توحيد أساس الراتب في كل فئة واعتبار كل ما يزيد عنه بمثابة متممات للراتب تدرج في جدول مستقل وتحتسب بنسبة مئوية من الراتب كما هو الحال بالنسبة إلى متممات رواتب العسكريين.
المفارقة أن يعرض التقرير على اللجان المشتركة والهيئة العامة للمجلس النيابي خيارين للزيادة، الأول يراعي مبدأ الحقوق المكتسبة بتوحيد أساس الراتب في كل فئة باستثناء الهيئة التعليمية في التعليم غير الجامعي، واعتبار كل ما يزيد على أساس الراتب بمثابة متممات للراتب تدرج في جدول خاص ملحق بسلاسل الرواتب ومنها إعطاء ست درجات استثنائية للموظفين الإداريين في أساس الراتب. أما الخيار الثاني فيخرق الحقوق المكتسبة بتوحيد أساس الراتب في جميع الفئات الوظيفية بما فيها الهيئة التعليمية في التعليم غير الجامعي واعتبار كل ما يزيد على أساس الراتب بمثابة متمم للراتب ولا يدخل في أساسه. ويضع التقرير محاذير كل من الخيارين، وإن اعتبر أن الخيار الأول هو الأكثر قابلية للتنفيذ.
وفي القسم الثاني الخاص بالإيرادات المتاحة، يميّز التقرير بين إيرادات دائمة وإيرادات مؤقتة في تمويل السلسلة، ويرى أن الإيرادات الدائمة وحدها التي يمكن تخصيصها لتمويل كلفة غلاء المعيشة وتحويل سلاسل الرواتب التي تعتبر نفقة دائمة. أما الإيرادات المؤقتة فيمكن تخصيصها لتغطية فروقات المفعول الرجعي من أول شباط 2012. وتوزعت الإيرادات كالآتي: إيرادات دائمة قيمتها السنوية 2294.2 مليار ليرة، إيرادات مؤقتة تحصل كل 3 سنوات: 1120 مليار ليرة، إيرادات مؤقتة خلال سنتين لاحقتين: 80 مليار ليرة، ليكون المجموع 3394.2 مليار. ويقول التقرير إن عضو اللجنة النيابية الفرعية النائب جمال الجراح تحفظ على تعديل المواد 32 و72 و73 من قانون ضريبة الدخل والتي توفر إيرادات، بحسب اقتراح اللجنة 210 مليارات ليرة.
أما في القسم الثالث المتصل بالإصلاحات، فقد أشار التقرير إلى أنّ الإصلاحات الواردة في قرار مجلس الوزراء الرقم 5 بتاريخ 21 آذار 2013، جزئية ولا تمس جوهر المشكلة التي تعاني منها الإدارة العامة لا سيما حالة الفوضى والتسييس واستفحال الفساد والرشوة وانعدام الولاء للإدارة العامة والمساواة بين قطاعات الموظفين. كذلك فهي تهمل الشغور في الإدارة وظاهرة الإدارات الرديفة، وضياع المسؤولية واعتماد نظام لتوصيف الوظيفة وتصنيفها وتحديد الرواتب على أساسها. وفيما أكد التقرير ضرورة العودة إلى نظام الموازنة واحترام المبادئ التي ترعاها ونظام الحسابات المالية النهائية السنوية، أوصى بمعالجة العمالة الزائدة في التعليم الرسمي وعدم إفادة أفراد الهيئة التعليمية من منح التعليم عن أولادهم في المدارس الخاصة، ودفع مستحقات المدارس المجانية خلال مهلة معقولة وإيجاد الوسائل المناسبة لتحقيق مجانية التعليم الأساسي في المدارس الخاصة والطلب من وزير التربية بيان حسنات ومساوئ فصل التشريع بين القطاعين التعليميين الرسمي والخاص.