حمص | تحيط بحي الوعر حمّامات الدم التي شهدتها المنطقة الوسطى، بدءاً بالريف المشتعل حول دمشق، وصولاً إلى أحياء حمص المنكوبة التي تهدّمت تباعاً بفعل الحرب المستمرة منذ أكثر من سنتين. الحي المأهول بالسكان المدنيين، ومن خلفهم المسلحون الملثمون، ضاق ذرعاً بالحصار المفروض عليه. أكثر من ثلاثمئة ألف نسمة، يتوزّعون بين الوعر القديم والجديد ويدفعون فاتورة «ثورة» لم يختاروا جميعهم الوقوف إلى جانبها. حُكم عليهم أن يكونوا دروعاً بشرياً تؤخر دخول الجيش إلى المنطقة، خشية وقوع المجازر بحق الأبرياء. هنا تكمن قوّة المسلحين، التي على أساسها يفاوضون الحكومة من أجل إنجاز تسوية سلمية يكونون فيها الرابحين الوحيدين. فيما تتبع الحكومة استراتيجية وحيدة في حل مسألة الوعر، هي التعامل مع جميع السوريين عبر لجان محلية مدنية بهدف إعادتهم إلى حضن الدولة، وتسوية أوضاع من لم «تتلطخ أيديهم بالدماء». محافظ حمص طلال البرازي، زار الوعر منذ أيام للاطمئنان إلى سير عملية إدخال المساعدات، من المداخل التي يسيطر عليها الجيش يسيطر على مدخل الوعر في محيط كلية الشؤون الفنية. إلا أن المرور بإحدى نقاط الموت المقنوصة من قبل المسلّحين، كان أخطر ما اعترض زيارة المحافظ. فالخطر جاثم على طريق طرابلس من دوار النسر وحتى دوار المزرعة، ما أدّى إلى قطع عناصر الجيش طريق طرطوس، وتحويله باتجاه تحويلة حمص. قابل المحافظ شخصيات من أعيان الوعر واستمع إلى مطالبهم، بالإضافة إلى شكاويهم من ممارسات المسلحين داخل الحي. لا يخشى أعيان الوعر عمليات تصفية «العواينية»، أو وصول شكاويهم هذه إلى المسلحين المسيطرين على المنطقة.

لا عملية عسكرية في الوعر

يبعد حي الوعر نحو سبعة كيلومترات غرباً عن مركز مدينة حمص. يتجاوز عدد سكّانه الـ 300 ألف. يفصله عن مصفاة حمص جنوباً بساتين واسعة وأوتوستراد عريض. يُقسم «الحي» إلى قسمين سكنيّين: الوعر القديم شمالاً وهو الأقرب إلى حمص القديمة ومعظم سكانه من البدو، والوعر الجديد، «حمص الجديدة» جنوباً. أما «حمص الجديدة»، ففيها شوارع عريضة وحدائق ومبانٍ عالية. وبحسب العسكريين السوريين، ليس أسهل من إغلاقها خلال 6 ساعات بآليات الجيش، بسبب سهولة التحرّك العسكري في شوارعها وساحاتها الواسعة. «لا عملية عسكرية في الوعر»، عبارة تسمعها على لسان جميع المعنيين بالعمل العسكري في حمص. والسبب نفسه تسمعه من الجميع: «حمايةً للمدنيين». يتفق المسؤولون العسكريون والمدنيون في مدينة حمص على ضرورة «منح فرصة للمجتمع المدني» من أجل حماية سكان الوعر.
يُقَدَّر عدد المسلحين المنتشرين في الوعر بنحو 2500 مسلح، وينتمون إلى تشكيلات عدة. بعضهم من الخارجين عن القانون، ممّن استفادوا من الأزمة لتشكيل عصابات سرقة وخطف وقتل. والبعض الآخر مسلّحون يتبعون المجلس العسكري للمعارضة. وعلى هامش هؤلاء، تتوارى في الوعر أيضاً مجموعة تحمل فكر «القاعدة». يقتتل مسلّحو الوعر، بين الحين والآخر، في ما بينهم. وربّما، على هذا الأساس، يمارس مسؤولو الدولة السورية دور المتفرج على ما تؤول إليه الأوضاع. يكتفون بالتنسيق مع الفعاليات المدنية داخل الحي من أجل الوصول إلى اتفاق أساسه ألا يحاسَب من ارتكب جرماً جنائياً من المسلحين، تحت بند سياسي.

هاجس الوعر مسلّحو الجوار

يُحكى الكثير عن اتّفاقيات بين شخصيات أهلية ومدنية في الوعر وبين ممثّلين عن الدولة السورية لحقن الدماء في الحي. لكن هذه الاتفاقيات تُخرق فجأة، وتتسارع وتيرة التطورات الأمنية المتردّية. منذ أكثر من شهر خطف أنصار ما يسمّى «الهيئة الشرعية في الوعر» شرطياً سورياً ثم قتَلوه. واحتل مسلحون «أبراج الجزيرة السابعة» في الوعر، وبدأت منها عمليات قنص جديدة. تهجير أهالي قرية الرقّة المجاورة للوعر كان أيضاً من نتائج مسالمة «الثوار»، بحسب ما يقول الموالون للنظام، ساخرين من اللين الذي تتبعه الدولة مع مسلحي الحي الحمصي الكبير. ويرى المؤيدون في الأحياء الأُخرى أن أهالي الحي استقبلوا المسلحين وعائلاتهم، وسمحوا لهم بالتمركز في منطقتهم. وتتّهم الدولة مسلحين ينتمون إلى «جماعات إرهابية» مرتبطة بمسلّحي حمص القديمة، بمحاولات إجهاض أي اتفاق أهليّ مع الحكومة. يهدف المسلحون، بحسب ممثلين عن الدولة، إلى إشغال الجيش ومسؤولي المدينة بأحداث الوعر، بغية التخفيف عن المسلحين في حمص القديمة. وكلما شاعت أخبار اتفاق جديد، تعود عمليات القنص وإطلاق القذائف العشوائية من الوعر باتجاه حي الإنشاءات ومصفاة حمص القريبة وبقية الأحياء الآمنة في المدينة.
في محيط الوعر، قريتان يسكنهما مدنيون مموالون للدولة، هُما: الرقة والمزرعة. مع اقتراب الأمور من الحل في الوعر، تبدأ عمليات الخطف والقتل والقذائف على الحيّين، بهدف تأزيم الوضع في المنطقة. شرط المسلّحين الدائم لتنفيذ بنود أي حل هو نقل مسلّحي حمص القديمة المحاصَرة إلى الوعر من دون أي تفتيش أو عرقلة من حواجز الجيش. شرطٌ مثير للاستهزاء بالنسبة إلى العسكريين والمدنيين الموالين على السواء.

الوضع الإنساني

لا يمكن اعتبار منطقة الوعر مستقرة، مهما أعلن الجيش عدمَ استهدافها بعملية عسكرية. فمنع الجنود السوريين أي تواصل بين مسلحي حمص القديمة والوعر يعزل المنطقة عن جوارها. كلّ ما يستطيع عناصر الجيش تقديمه للمدنيين هو السماح بمرور قوافل المساعدات الإنسانية إلى المنطقة.
يُعلن محافظ حمص طلال البرازي في حديث لـ«الأخبار» أن خطّة الاستجابة المحددة من الأمم المتحدة تنفّذ حرفياً في الوعر. ويؤكّد أن نسبة الإغاثة وصلت إلى سكان المنطقة بنسبة 100%، فيما تزيد نسبة وصول المواد الأساسية من فواكه ومواد أُخرى على 60%، مع إشارته إلى أنها غير كافية. يشكو موظفو الهلال الأحمر وبقية الجمعيات الخيرية عدم سهولة الحركة باتجاه الوعر؛ إذ إن دوار المهندسين مغلق بسبب القنص. فيما يشهد دوار المزرعة، بين فترة وأُخرى، حوادث أمنية، ما يتطلب فتحه خلال ساعات محددة فقط لنقل البضائع والمساعدات. وهو مغلق منذ أيام، ما اضطر قوافل المساعدات إلى تحويل خط سيرها إلى حاجز آخر على طريق مصياف. الحديث عن تردّي الوضع الإنساني في الوعر، أسوة بما قيل عن بلدة المعضمية، يبدو مبالغاً فيه، حيث يمكن موظّفي الدولة الدخول والخروج إلى وظائفهم في الأحياء الآمنة يومياً، عبر حواجز الجيش.
يؤكد محمود (موظف حكومي)، أنه يخرج صباحاً إلى عمله ويعود ظهراً حاملاً كمية قليلة من المستلزمات إلى عائلته، لافتاً إلى أن معظم الموظفين يفعلون مثله. لكن لا يمكن اعتبار منطقته التي يعيش فيها، بحسب قوله، مستقرة وآمنة. وترى ميساء (موظّفة حكومية وأم لأربعة أطفال)، أن المساعدات الإغاثية تصل تباعاً إلى الوعر، إلا أنها تتوقف مع اشتداد عمليات القنص، ما يسبب أزمة نقل مواد وغذاء داخل الحي.

محافظة حمص وتحدّي العراقيل

بكل فخر يُعلن محافظ حمص أن الطريق بات آمناً إلى القصر العدلي في الوعر بهدف إيصال القضاة والموظفين إلى أعمالهم أخيراً. ويضيف أن المحافظة أحدثت خط مواصلات خدمي قصير للمواطنين في المنطقة أيضاً.
ورغم أن جميع المدارس الرسمية في الوعر قد تحوّلت إلى مراكز إيواء للنازحين، إلا أن البرازي يؤكد أن في الحي مدارس مفتوحة، لافتاً إلى افتتاح مجمعات تعليمية في الكنيسة تحوي 360 طالباً، بالإضافة إلى مجمعات تعليمية في البيوت. المدرّسون فيها هم موظفو الدولة من المنطقة التابعون لملاك مديرية التربية.
ورغم أنه لا رقابة للدولة على المنهج التعليمي في المناطق الخارجة عن سيطرتها، إلا أن محافظة حمص استطاعت التأكد من تدريس المنهج التعليمي الرسمي من خلال الاتصال والتواصل، والامتحانات التي تُجرى للطلّاب بأسئلة من المنهج المطلوب.