لا يشبه اليرموك في دمشق المخيمات. سريعاً، تتبدّد الصورة النمطية عن المخيمات الفلسطينية في لبنان، وحتى بعض المخيمات في سوريا. هو أشبه بمدينة صغيرة، جنوب حي الميدان الدمشقي العريق، يشقه من الشمال إلى الجنوب شارعان عريضان (اليرموك وفلسطين). غرب المخيم شارع فسيح آخر (شارع الثلاثين). تبدّلت صورة المخيم كثيراً. لم تعد المحال التجارية التي شكلت مقصداً للسوريين من كافة أنحاء دمشق، سوى لوحات مشوهة بالدمار. وقد «خرمش» الرصاص واجهات المباني، فيما تكفلت القذائف بتدمير أجزاء منها.
مشفى الرحمة، في أول المخيم، شبه مدمر. فيما أتت النيران على مخفر الشرطة، وعلى صفّ من المباني. مقاتلون من الجبهة الشعبية ـــ القيادة العامة، وفصائل أخرى، ولجان شعبية، خاضوا في هذه المنطقة قتالاً ضارياً كي يدفعوا بمسلحي المعارضة الذين احتلوا المخيم جنوباً.
«نخوض قتالاً من غرفة إلى غرفة»، يقول أحد المقاتلين. وتلمع عيناه حين يضيف: «وصلنا إلى ساحة الريجة. إذا سقطت سينهار المسلحون». يؤكد مقاتل آخر على كلامه بهزات متتابعة برأسه، ويقول: «نهبوا المخيم. الدور والمحال كلها نهبت».
كانت الأسواق التجارية في المخيم تجعل حركة الناس فيه ناشطة ليلاً ونهاراً. «المخيم لم يكن ينام»، هكذا يؤكد بعض من التقيناهم في مراكز الإيواء في حي الزاهرة القريب من المخيم. يتحدث هؤلاء عن البيوت و«العز»، والمعاملة المميزة التي كانوا يتلقونها من الدولة السورية. حقوق كاملة في التعليم والصحة والتملك والعمل و...
في كانون الأول الماضي، اجتاح المسلحون مخيم اليرموك. لم تصمد اللجان الشعبية وعدد من مقاتلي القيادة العامة في وجههم. «كانت أعدادهم كبيرة، وتسليحهم نوعياً»، يقول مقاتل من القيادة العامة. لكن «الخيانة» لعبت دوراً أيضاً. بعض مقاتلي «اللجان» باع مواقع وممرات للمسلحين الذين احتلوا المخيم، يعاونهم فلسطينيون وسوريون كانوا داخل المخيم. والنتيجة تشريد عشرات الآلاف من أبناء اليرموك، فلسطينيين وسوريين.
ينشط الوسطاء بحثا عن تسوية لأوضاع المخيم بما يجنّبه مزيداً من التدمير. طرحت حتى الآن مسودات عدة (متشابهة) للاتفاقية المنشودة. وتكررت زيارات وفود من منظمة التحرير إلى دمشق للقاء المسؤولين السوريين وقادة الفصائل، آخرها وفد ضم عضو اللجنة التنفيذية في المنظمة زكريا الآغا والوزير في السلطة أحمد مجدلاني وآخرين.
بحث الوفد مع المسؤولين السوريين في مبادرة أبرز بنودها «انسحاب مقاتلي «النصرة» و«داعش» والغرباء من المخيم، وتشكيل قوة فلسطينية مشتركة تعزل المخيم وتتولى أمنه، وعدم دخول الجيش العربي السوري إلى المخيم، مع إعادة مراكز الشرطة، والسماح بعودة النازحين...».
وفد السلطة الفلسطينية حمل مبادرة تتحدث عن «تحييد المخيم، وإدخال المواد الغذائية، وإخراج المسلحين، وتسوية أوضاع من يرغب، والتسريع في التحقيق مع المعتقلين والإفراج عن الذين لم يتورطوا، على أن يصبح المخيم منطقة منزوعة من السلاح». بمعنى آخر ما يهم منظمة التحرير الفلسطينية هو تقديم خدمات الإغاثة للنازحين في المخيم.
تلتقي مبادرة المنظمة مع ما كانت تطرحه القيادة العامة وفصائل التحالف الفلسطيني، والذي ينص على انسحاب المسلحين، وتسوية أوضاع من يسلم سلاحه من المسلحين الفلسطينيين، وفتح ممر آمن لخروج المدنيين في حال عدم تنفيذ البندين السابقين.
ويبدو أن السلطات السورية تجاوبت مع مضامين هذه المبادرة، في حين قابلها المسلحون بالرفض. ومنعوا دخول قافلة مساعدات غذائية لمن بقي من مدنيين في المخيم.
اندلعت حرب إشاعات واتهامات بسبب تعقيد مضاعف. الأمور على الأرض ليست ببساطة صوغ ورقة مقترحات، بل تكتنفها ضبابية يعزوها السيد خالد عبد المجيد، الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني وأمين سر تحالف فصائل المقاومة الفلسطينية في سوريا، إلى «مسعى السلطة الفلسطينية إلى استغلال خروج حركة حماس من سوريا للحلول مكانها إضافة إلى توظيف الصعوبات التي يعاني منها الفلسطينيون نتيجة تقصير أو أخطاء الطرفين (حماس ومنظمة التحرير). فتظهر هذه الأخيرة وكأنها هي المرجعية الوحيدة للفلسطينيين». ويتهم عبد المجيد حماس بالتورط في التمرد ضد الحكومة السورية.
ميدانياً، تقدم الجيش العربي السوري في كل المناطق القريبة من المخيم. ربما يكون هو السبب الذي دفع «أصحاب النوايا الحسنة» إلى التحرك والاتصال بالقيادة السورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وخشية أن يكون المخيم ميدانا للمعركة الأخيرة، في ريف دمشق الجنوبي، بين الجيش والمسلحين.
وليس مستبعدا ان تكون الغاية من الأخذ والرد والكلام عن الإغاثة والسلال الغذائية، هي محاولة لإنقاذ المسلحين وضمان خروجهم الآمن! ولكن إلى أين بعد أن كاد الطوق يكتمل حولهم؟ يصبح الهدف أن يبقوا في المخيم، يحتجزون عشرات آلاف المدنيين دروعا بشرية، ويدمرون ما بقي من اليرموك.
بعض ممن وصفوا أنفسهم بالمسلحين الفلسطينيين في المخيم، نشروا بيانا مصورا على اليوتيوب يتحدثون فيه عن وقف القتال والعمليات الاستفزازية. وهناك من رأى في ذلك إشارة ضعف، فيما اعتبرها آخرون مناورة.
حديث المبادرات ما زال حاضرا. ومعاناة المخيم وأهله تتفاقم. والمقاتلون من الجبهة الشعبية القيادة العامة في الجهة الشمالية من المخيم، يودعون أحد قادتهم العسكريين، وهم يرددون: «قلنا من البداية لا شيء سيعيد المخيم إلا طرد من احتلوه بالقوة».