حتى مساء أمس، لم يكن قد اطلع أي من الطاقم الطبي في مستشفى الجامعة الأميركية على نتائج التحقيقات والفحوص التي تخص حالتي وفاة ميشال العقل وسهى الحوري (http://www.al-akhbar.com/node/194970). رغم ذلك، تسرّبت بعض المعطيات عن النتائج «التي لا تظهر وجود أسباب مقنعة للوفاة» يقول أحد الأطباء. وقد تزامن هذا الأمر مع ارتفاع وتيرة القلق في المستشفى، بسبب ما تردّد عن شكوك في حالة وفاة ثالثة لامرأة من عائلة خوري توفيت في الطابق نفسه الذي توفي فيه العقل والحوري وفي ظروف مشابهة أيضاً.
وبحسب أكثر من مصدر طبي في المستشفى، راجت شكوك واسعة عن ان سبب الوفاة المحتمل قد يكون ناتجا عن «دسّ» كميات من ملح «كلورايد بوتاسيوم» في المصل الذي يعطى للمرضى، وهو ما أدّى إلى الوفاة. ما يعزّز هذا الاستنتاج، بحسب رأيهم، ان اكتشاف حالتي الوفاة جرى بعد مرور ما لا يقل عن ساعتين من حدوثهما، وهي فترة كافية ليختفي أثر البوتاسيوم في الدم ويصبح اكتشاف هذه المادة أمراً صعباً لا تتوافر في المختبرات اللبنانية القدرة على اكتشافه، وهو ما دفع بادارة المستشفى إلى الاستعانة بمختبرات اميركية حديثة لمساعدتها على اكتشاف الملابسات.
لا يمكن الجزم بهذه النظرية قبل انتهاء التحقيقات العلمية الطبية، والتوصل إلى أسباب مقنعة للوفاة. وفي رأي عدد من أطباء المستشفى لا مفرّ للإدارة من تحويل التحقيقات العلمية الطبية إلى تحقيقات ذات بعد جنائي، إذا صحّت النظرية المذكورة.
يروي أصحاب نظرية «البوتاسيوم القاتل» أن هذه المادة من الأملاح تكون موجودة في دم الإنسان بمعدل 4.5 و5، أما في حال ارتفاعها إلى 8، فإن القلب سيتوقف عن النبض من دون ظهور أي عوارض ومن دون مجهود. ولو حقن أي من المرضى بكمية كافية من هذه المادة، «جرعة زائدة»، يصبح توقف القلب حتمياً، لكن اللافت أن اكتشاف وجود هذه المادة بكمية قاتلة لن يكون متاحاً لفترة كافية. ويشير نائب رئيس جامعة AUST للأبحاث الأكاديمية عامر صقر، وهو خبير في أمور المختبرات الطبية، إلى أنه «إذا مرّت على الوفاة فترة بسيطة تزيد على ساعتين، من دون أن تؤخذ العيّنة لفحص الأملاح، فإن هذه المادة تدخل في الخلايا وتختلط بها فيصعب اكتشاف كونها المادة القاتلة أو سبب الوفاة.
لا بل إن ضخّ مادة كلورايد بوتاسيوم بكمية كافية من قبل شخص متخصص في المجال الطبي، قد يجعل من اكتشاف وجود هذه المادة بوصفها العنصر القاتل والمسبب للوفاة أمراً شبه مستحيل».
كلام صقر يستند إلى قواعد علمية عن تحلل دم الإنسان بعد الوفاة، وتحلل الخلايا أيضاً، ومعدلات وجود البوتاسيوم في الدم والخلايا. فعلى سبيل المثال، فإن أي شخص تعطّلت كليتيه تجرى له دورياً ما يُعرف بـ«غسل الكلى» لاستخراج مادة البوتاسيوم من الدم وإبقائها على معدلات تراوح بين 4.5 و5 لمنع القلب من التوقف.
وفي المقابل، فإن المعدل الطبيعي للبوتاسيوم في الخلايا يراوح بين 180 و190 «وعندما يموت الإنسان تتحلل هذه المادة بين الدم والخلايا ليصبح من الصعب اكتشافها» يقول أحد الأطباء المطلعين.
لكن لماذا راجت هذه الفرضية في حالتي الوفاة في «مستشفى الأميركية»؟ كل حالة وفاة في المستشفى تستدعي تطبيق نداء «COLD Blue».
مباشرة بعد إطلاق النداء، يأتي فريق طبي مختصّ ويعاين الجثة ثم يقرّر التوقف عن الفحص أو التوسع فيه باتجاه فحص السموم والتشريح... وضرورة هذا الأمر، بحسب صقر، أن «فحص السموم العادي الذي يجرى لأي جثّة يتضمن البحث عن الأدوية والمخدرات ومبيدات الحشرات، ولا يتضمن فحص الأملاح إلا في حال طلب الطبيب الشرعي هذا الأمر تحديداً». غير أنه في حالتي الوفاة الغامضتين، وجدتُ الجثتين «متخشبتين»، أي إنه قد مضى وقت أطول من اللازم لإجراء فحوص الأملاح، وبات صعباً اكتشاف هذه الحالة في المختبرات المتوافرة في لبنان.
الى ذلك، استدعت الإدارة أفراد الطاقم التمريضي إلى اجتماع أبلغتهم خلاله وجوب الامتناع عن التداول في حادثتي الوفاة، وفي أي معلومات يعرفها بعضهم عن هذا الأمر. ثم أصدرت تعميماً يؤكد أن لديها الثقة اللازمة بالطاقم الطبي في المستشفى، وذلك بعدما ترددت اتهامات لأحد أفراده بالضلوع في «الأحداث الغامضة» في الطابق التاسع.
وكانت نقيبة الممرضين هيلين سماحة قد أجرت اتصالاً بإدارة مستشفى الجامعة الأميركية وأبلغتهم رفضها توجيه أي اتهام لأي من أفراد الطاقم التمريضي، قبل ظهور النتائج العلمية التي تثبت مثل هذا الاتهام، ثم زارت المستشفى وحضّت الطاقم التمريضي على إبلاغها أي تطورات تتعلق بهذه القضية.