لم يسبق الفعلَ إنذار. أمس، حضر موظفو مؤسسة كهرباء لبنان ولم يدخلوا حرمها. وقفوا عند بابها البحري «المشتعل» بالإطارات، وغادروا بلا سؤال. في تلك اللحظات، لم تكن الصورة واضحة كفاية. حجمها «بضعة إطارات مشتعلة وغاضبون على غرار اعتصامات سابقة»، يقول أحد العاملين في المؤسسة. أما من قام بهذا الفعل؟ فهنا، الاستثناء الذي «أحدث الاستغراب»، يقول غسان حيدر، أمين سر نقابة عمال ومستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان.
أمس، عندما علم موظفو المؤسسة وإدارتهم بأن الذين أقفلوا أبوابها هم عمال غب الطلب في شركة ترايكوم ـــ المحتجون على عدم تقاضي رواتبهم ـــ استغربوا «بشدّة». ولعل السبب لهذا الشعور هو أنهم لم يتوقعوا «هذا الاعتصام الذي كان مفاجئاً، وخصوصاً أنه ينقض الاتفاق الذي تم مع المدير العام للمؤسسة كمال حايك في الاجتماع الطويل نهار الاثنين، والذي حضره ممثلون عن عمال ترايكوم وبحثوا في كيفية تحصيل حقوقهم العالقة وفي حلحلة قضية رواتبهم، التي يفترض أن يتقاضوها الأسبوع المقبل، وقد خرجوا راضين، من دون تسجيل أي اعتراضات»، يتابع حيدر.
من جهتها، تشير مصادر المؤسسة إلى أن «المدير العام كان متفهماً لحقوق العمال، وقد تناقش معهم بتسريع إعطائهم بعض الحقوق والتريث بالنسبة إلى بعضها الآخر كونها تحتاج إلى استشارات قانونية». وفي هذا الإطار، عادت المؤسسة لاحقاً وأصدرت بياناً أكدت فيه أن «الإدارة عملت على تحقيق الكثير من المطالب خلال السنوات الماضية، وهي على استعداد لتحقيق المزيد وفق ما ينص عليه قانون العمل وما تفرضه وزارة العمل (...) وهي تؤكد التزامها بأي مراسيم أو قرارات تصدر حصراً عن وزارة العمل في ما يتعلق بأي مطالب محقة»، إلا أن كل هذا التفهم لا يعني افتعال ممارسات «تؤدي إلى تعطيل مرفق عام، وبالتالي تعطيل مصالح المواطنين، وهي لهذا السبب تدعو القوى الأمنية إلى توفير الأمن على مداخل المبنى المركزي وداخله، وتأمين دخول وخروج موظفي الملاك والمحافظة على محتويات المبنى من تجهيزات وملفات إدارية».
لكن، إن كان كل شيء يسير على ما يرام على ذمّة نقابة العمال والمستخدمين والمؤسسة، فهل يمكن القول بأن عمال ترايكوم هواة شغب؟ وهل حصّلوا حقوقهم فعلاً؟ ماذا عن رواتبهم لهذا الشهر؟ وماذا عن شهر المصالحة (أيلول ويوم من تشرين الأول) الذي لا يزال عالقاً في إحدى مديريات المؤسسة إلى الآن؟ كل هذه الأشياء، ماذا عنها؟
على أثر اجتماع الاثنين الذي جمع ممثلين عن النقابة وعمال ترايكوم مع حايك، شكا كثيرون من «ترايكوم» من الوفد الذي مثّلهم. وهذا سبب من الأسباب التي دفعت العمال إلى اتخاذ خيار الإضراب وإشعال الإطارات. أما السبب الآخر والأساسي، فهو يتعلق «باعتراضنا على طريقة تعاطي المؤسسة معنا ومع حقوقنا. فخلال الاجتماع كان كل ما أخذناه من وعود هو أن هذه حقوق مأخرة وبتنحلّ وهيدي كمان بتنحلّ، حتى إنه في اللحظة نفسها صرفت المؤسسة لترايكوم شيكاً لتتمكن من إعطائنا رواتبنا». أما ما حصل بعد الاجتماع، فهو أن «لجنة العمال فوجئت بوضع عراقيل من قبل معظم المديريات في مؤسسة كهرباء لبنان ظناً منها أن اللجنة وعمالها قد يصيبهم اليأس والخوف»، تقول اللجنة في بيانها الذي أصدرته أمس.
في هذا الإطار، يشير أحد أعضاء اللجنة ـــ الذي رفض ذكر اسمه ـــ إلى أن «العراقيل تبدأ من تعاطي الإدارة مع حقوقنا، فعلى سبيل المثال، ترفض المؤسسة تأمين ثياب السلامة ومعدات الوقاية للعمال برغم بأنها حق من الحقوق التي ينص عليها دفتر الشروط، وتقول بأنها هي من يحق لها امتلاك تلك المعدات، أما بالنسبة إلى الإجازات السنوية والمنح المدرسية، فإلى الآن لم تتحرك طلباتنا في المؤسسة وهي تدور من مديرية إلى أخرى». وللرواتب حكاية أخرى «فقد أصبحنا اليوم في منتصف الشهر ولم نتقاض رواتبنا، كما أن شهر المصالحة، شهر أيلول، لا تزال مستنداته في إحدى مديريات المؤسسة ولم يحوّل إلى المالية، برغم أنه لم يكن يحتاج إلى أكثر من بضعة أيام». ويضيف عضو اللجنة إلى هذه الحقوق «حقوقاً أخرى تقول المؤسسة إنها ما بتمشي بحسب قانون العمل، ومنها أيام الأعياد، وذلك برغم أنه مضى أكثر من عام على تعاقدنا مع ترايكوم». لكل هذه الأسباب، اعتصم عمال ترايكوم. وهم يؤكدون «على استمرار الاعتصام المفتوح داخل حرم المؤسسة ودعوة جميع العمال إلى التوقف عن العمل ووقف الصيانات والتصليحات وجميع المعاملات لحين البت النهائي بكل مطالبنا، وفي حال عدم التجاوب وعدم إقرار مطالبنا المحقة وقبض كل مستحقاتنا لتاريخه، سيصار إلى إقفال الأبواب نهائياً». وأكثر من ذلك، يتوجّه العمال مطلع الأسبوع المقبل للتجمع في «مكان فض العروض لاتخاذ الموقف المناسب، لأننا لم نعد نريد عقوداً... إلا في حال تحول العقد من يومي إلى شهري».