توشّح خالد مشعل بعلم المعارضة السورية (= علم الانتداب الفرنسي) «عن طريق الخطأ»! هكذا ادعى نائبه، موسى أبو مرزوق، في حديث خاص لـ«الميادين»، ربما يكون ــ أي الحديث نفسه ــ وقع في سياق الأنباء عن فتح الخطوط بين محور المقاومة و«حماس».
تبرير مضحك حقاً، على طريقة تلاميذ الابتدائي في تخليص أنفسهم، لكن حماس تفتقر، بالطبع، إلى براءة الطفولة. وهي تستخدم، بمكر مكشوف وممل، الأسلوب الإخونجي في المخاتلة والمراوغة والادعاء، والتملّص الزئبقي إزاء المعطيات والمواقف.
يدعي أبو مرزوق أن حماس خرجت من دمشق لكي تضمن حيادها إزاء الحرب السورية؛ ذلك الحياد الذي كشفته بيانات رسمية صادرة عن الحكومة الحمساوية في غزة، تنعى «مجاهدين» خرجوا من القطاع للقتال ضد الجيش العربي السوري. حسنا! ولا توجد، حسب أبو مرزوق اتصالات لحماس بالمعارضة السورية، ولكنها ــ وفقا لمصادر موثوقة ــ اتصلت ونسقت مع إرهابيين من بينهم أبو ابراهيم، خاطف اللبنانيين، الشهير، في أعزاز في شمالي سوريا، تحت عنوان «الدعم الإنساني للشعب السوري».
الجواب الحمساوي جاهز؛ فـ«مجاهدو» حماس، قاتلوا ويقاتلون في سوريا، بقرارات فردية، وبيانات النعي بـ«استشهادهم» صدرت عن طريق الخطأ، والمتصلون بالإرهابيين ليسوا حمساويين، بل من الإخوان المسلمين الأردنيين المتعاطفين مع حماس الخ...
الصيغة السياسية والتنظيمية لـ«حماس»، تقوم، بالأصل، على أساس التضليل المراوغ: لسنا نحن! ليسوا منا! حالات فردية، وهكذا. لن تنفع المعطيات في شيء إلا إذا كان الحمساوي في غرفة تحقيق، لا في مقابلة تلفزيونية! وإلى أن تتمكن الجمهورية العربية السورية من جلب مرتكبي الجرائم بحق الشعب السوري، ومحاكمتهم، فإننا سنهتم بالجانب السياسي.
لم يخرج قادة حماس من دمشق إلى كوبا، بل إلى قَطر، وفي لحظة حاسمة من تركيب الخطة العدائية ضد سوريا ومحور المقاومة، ولم يخرجوا إلى الصمت، وإنما إلى الانخراط السياسي الكثيف في المعسكر المعادي لسوريا، أم أن مشعل بايع رجب أردوغان، «عن طريق الخطأ» أيضا؟ وهل قبّل اسماعيل هنية يدي مفتي الفتنة، يوسف القرضاوي، وهو يظن أنهما يدا مقاوم جسور؟
كل ذلك تفاصيل؛ وإنما الجوهري أن القَطريين والأتراك ــ ومن خلفهم الأميركيين ــ قرروا سحب حماس من محور طهران ــ دمشق ــ حزب الله، في لحظة سوداء من صعود الانشقاق المذهبي في المنطقة، لكي يظهر ذلك المحور وكأنه محور «شيعي»، مما يسهّل قيام اصطفاف سنّي وراء التحالف الغربي الخليجي التركي.
99 بالمائة من أهمية حماس بالنسبة إلى محور الممانعة والمقاومة، ناجمة عن كونها تنظيما فلسطينيا ذا مرجعية اسلامية سنية ويرفع شعار المقاومة؛ فمن البدهي أن يكون لمحور يقوم على أساس إدامة الصراع مع إسرائيل، علاقة وطيدة بحركة فلسطينية ذات شعبية، كذلك، فمن تحصيل الحاصل أن الجمهورية الاسلامية الإيرانية والمقاومة الإسلامية اللبنانية، وهما شيعيتان، أن تسعيا إلى درء التحشيد المذهبي عن نفسيهما، بالتحالف مع حركة دينية سنية، مما يعطي للمحور كله طابع الوحدة الإسلامية. وهذه الأخيرة، أي الوحدة الإسلامية في خط المقاومة، هي ما باعته حماس إلى الحلف المعادي لسوريا، وخرجت من دمشق، لكي تقبض الثمن الكبير المتمثل في تأهيلها لشطب فتح والسيطرة على المجال السياسي الفلسطيني كله، مقدمة لصيغة حل تُطبَخ في كواليس التحالف الأميركي ــ الإخونجي: تمكين حماس من «حكم» الضفة الغربية أيضا ــ وكذلك: الشرقية بوساطة «الإخوان» الأردنيين ــ والتوصل إلى هدنة تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مؤقتة من دون اتفاقات مكتوبة، لكنها تتطابق مع الخطط الإسرائيلية، وتسمح لحماس، في الوقت نفسه، بمواصلة الادعاء بأنها تتمسك ببرنامج التحرير ورفض التسوية مع تل أبيب. وقد كانت آمال الحمساويين في 2011 ــ 2012، عراضا، وهم يجددون الانتساب إلى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الحركة الصاعدة، بدعم الخليج ورضا الأميركيين، في العالم العربي كله.
حماس تدفع اليوم ثمن خيار سياسي اتخذته إلى جانب الحلف الامبريالي الرجعي العثماني. وهي اتخذته انطلاقا من تكوينها الفكري الاخونجي الرجعي الطائفي، وتكوينها السياسي القائم على براغماتية بلا ضفاف، وعن وعي كامل، لا «عن طريق الخطأ». وإذا كنّا نفهم المصلحة الإيرانية في استعادة الحمساويين، فإننا نعتقد أنه لا توجد مصلحة لسوريا أو لحلفائها في حركة التحرر العربية، في استئناف العلاقة مع حماس، إلا بثلاثة شروط أساسية، هي (1) تغيير الطاقم القيادي، (2) الإعلان عن مراجعة سياسية شاملة، (3) وتقديم اعترافات كاملة عن النشاطات المعادية لسوريا، والاعتذار العلني.