دمشق | عيون السوريين التي تترقب هبوط الشتاء على البلاد، هي ذاتها من تبحث اليوم في الأسواق عن ألبسة لم تعد بورصة أسعارها تسمح لغالبية الأسر بشرائها جديدة. هذه العيون، بعد أن تشبع من رؤية ما وصلت إليه أسعار الألبسة من غلاء فاحش، تلجأ إلى أسواق البالة التي باتت خيارهم المفضل، وإلى بسطات ومحال البالة التي انتشرت بكثرة في العديد من مناطق دمشق، وازدهر نشاطها، خلال الأزمة. ورغم ارتفاع أسعار البالة عمّا كانت عليه قبل الأزمة، تبقى «أرحم من الأسعار الكاوية المحددة للألبسة الجديدة»، وفق سلوى أحمد، الموظفة في شركة خاصة، التي أجبرتها الظروف الاقتصادية على شراء الألبسة من البالة، وهو ما كانت ترفضه قبل أن تحلّق أسعار الألبسة الجاهزة، بنسبة تجاوزت 300 في المئة.
وتوضح سلوى، في حديثها مع «الأخبار»، أنها بدأت والعديد من زميلاتها وصديقاتها شراء الملابس من البالة علناً بعدما كن يقمن بذلك في الخفاء، الذي لم يعد له مكان بين الطبقة المتوسطة، في ظل الأزمة، «فالمهم الآن السترة وتأمين الألبسة بالسعر الأنسب»، مبيّنة أنّ سعر أيّ بنطال «جينز» في الأسواق العادية يبدأ من ثلاثة آلاف ليرة وما فوق، بينما يمكن الحصول عليه من البالة بسعر ألف ليرة وبنوعية جيدة.
ويبدو اقتناء الملابس والأحذية من أسواق البالة اليوم حلاً لا بأس به للعديد من الأسر، ومن بينها أسرة أبو عامر الذي يقول لـ«الأخبار»، أثناء جولته في سوق البالة الموجود في منطقة الإطفائية في دمشق، إنّ شراء الألبسة الشتوية مهم جداً، في ظل قلة توافر الغاز والمازوت وارتفاع أسعارهما، رغم أنه يأتي في مرتبة متأخرة في أولويات أسرته حيث يسبقها تأمين الغذاء والدواء. في المقابل، لا يخفي أبو رامز أن تأمين الملابس مع قدوم الشتاء بات من أولى اهتمامات أسرته التي خرجت بما عليها من ملابس بعد تهجيرها من إحدى الضواحي القريبة من دمشق نتيجة الاشتباكات العنيفة هناك بداية الصيف الماضي.
وحسب رامي، صاحب أحد المحال التجارية في سوق الصالحية في دمشق، يعود سبب ارتفاع أسعار الألبسة الجاهزة على نحو رئيسي إلى سعر صرف الدولار وإغلاق العديد من منشآت ومعامل صناعة الألبسة الوطنية بسبب الأزمة، إذ إنّ معظم الأقمشة أو الألبسة باتت تستورد من الخارج ويتعلق سعرها بالدولار.
التبريرات ذاتها يقدمها أصحاب محال وبسطات البالة لشرح سبب ارتفاع أسعار الألبسة المستعملة التي ازدادت بمقدار يتراوح بين 150 و300 في المئة، «لكن مع ذلك تتيح لنا اقتناء ملابس ندفئ بها أطفالنا في هذا الشتاء»، كما تقول سعاد، ربة منزل، مشيرةً إلى أن أسعار البالة ما زالت مقبولة بالنسبة إلى الغلاء الفاحش الذي يفرضه تجار الألبسة الجاهزة، حيث يمكن شراء قميص شتوي بسعر ألف ليرة من البالة بينما ستدفع ضعف المبلغ للحصول على نظيره الجديد وبجودة أقل من محال الألبسة الجاهزة.
تفاوت السعر والعزوف عن شراء الألبسة الجديدة والاتجاه نحو الألبسة المستعملة، دفعت العديد من أصحاب المحال إلى تحويل محالهم لعرض البالة، لتنتشر هذه المحال في العديد من المناطق الشعبية وبين الأسواق الرئيسة، لا سيما في جرمانا والقصاع، حيث يشير دانيال، صاحب محل بالة، إلى أن الألبسة الموجودة عنده في غالبيتها غير مستعملة إلا أنها بتصاميم قديمة تم تنسيقها في أوروبا وأميركا الشمالية، مبيناً أن تسعير ألبسة وأحذية البالة يتم وفق «نظافتها وجودتها»، والمصدر الآتية منه.
ولا يعلق صاحب المحل على طريقة دخول هذه الألبسة والأحذية إلى سوريا، والمعروف أنها تدخل عن طريق التهريب، فهي ممنوعة من الاستيراد تحت ذريعة الخوف من الأمراض الجلدية والحفاظ على الاقتصاد والمنتج الوطني، إلا أنه يؤكد أنه لم يتعرض لأي مساءلة تجاه بيعه هذه الألبسة، متسائلاً، في الوقت ذاته، عن سبب استمرار منع استيرادها الآن، رغم أن المنتج الوطني شبه غائب.