فرّت العاملة في الخدمة المنزلية من الجنسية الكينية من منزل مخدومتها إلى جهة مجهولة. يمكن لهذا الخبر أن يصبح «معتادا» ولا يستفّز سجالا حقوقيا وعدليا، كما ان الامر ينتهي غالبا بعودة العاملة إلى المنزل الذي تركته أو بترحيلها، لكن، أن تعاقب «بالحبس شهرين وبستمئة ألف ليرة لبنانية غرامة، بعدما تثبتت القاضية الناظرة في القضية من واقعتي فرارها واعادتها الى منزل مخدومها»، فهو حكم لا يمكن قبوله. هو اعلان واضح عن وجود حماية قضائية لنظام الرق والاستعباد.
في عددها الأخير، نشرت «المفكرة القانونية» تقريراً عن تلك القضية التي حكمت فيها القاضية المنفردة الجزائية على العاملة بالسجن، مستندة «إلى جرم ابتدعت تسميته جرم الفرار». وتشير كاتبة التقرير سارة ونسا إلى أنه في فقرة الوقائع الواردة في الحكم «تبين للقاضية أن المدعى عليها أقدمت على الفرار من منزل مخدومها الى جهة مجهولة دون اعلام السلطات المختصة ضمن مهلة الاسبوع المنصوص عنها قانوناً (…) وقد أعيدت الى منزل مخدومها». ويلفت التقرير النظر إلى «استخدام عبارة (إعادتها) التي من شأنها الدلالة على أنها مجرد غرض يعاد الى المكان الذي يفترض أن يكون فيه». وتتابع «أما فقرة القانون (أي الفقرة التي من المفترض أن تتضمن الحيثيات القانونية والتكييف القانوني الواقعة المادية)، فلا تأتي بأي تفسير اضافي للواقعة، وقد اقتصر التحليل القانوني على الآتي (حيث إن فعل المدعى عليها لجهة اقدامها على الفرار من منزل مخدومها الى جهة مجهولة دون اعلام السلطات المختصة ضمن مهلة اسبوع يؤلف جنحة المادة 7 من القرار 136/69)». بناء على هذا، صدر الحكم «غيابياً من دون مثول العاملة المعروف مقامها لدى صاحبة العمل أمام المحكمة». ويشير التقرير إلى أنه بالعودة إلى محضر تحقيق قوى الأمن الداخلي مع العاملة «لفهم القصة، سنكتشف أنه جرى توقيف العاملة في غضون ساعات من تركها المنزل، لا أيام، على الطريق من قبل دورية من قوى الأمن الداخلي لعدم حيازتها أوراقها الثبوتية، واقتيدت إلى مخفر البرج، الذي تولّى الاتصال بصاحبة العمل، بعدما زودتهم العاملة برقمها». وعندما استمع من في المخفر الى إفادة العاملة، بحضور صاحبة العمل «أشارت إلى أنها خرجت للتنزه دون إعلام صاحبة العمل، وأنها تاهت في طريق العودة إلى المنزل». أما صاحبة العمل، «فقد أدلت أنها لا تريد ان تدعي على العاملة، وأنها ترغب باصطحابها معها الى المنزل».
ويناءً عليه «اتصل المخفر بالمحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي بلال ضناوي، الذي اشار بتسليم الخادمة إلى مخدومتها، وختم المحضر وايداعه جانب نيابته». وبعد شهر على ذلك «قرر القاضي ذاته الادعاء على العاملة بجرم المادة 7 من القرار 136/69، التي تفرض على الأجنبي ان يبلغ الأمن العام محل إقامته، بغية الحصول على بطاقة إثبات وجود، والمادة 770 من قانون العقوبات من دون تبيان أسبابه». ويتابع التقرير أن «اللافت هنا أن هذا الادعاء يعكس تشويها كاملا للواقع، فمغادرتها المنزل استغرقت ساعات لا أياما، وهي لم تترك مكان إقامتها (...)». ويسأل التقرير «إلام استند المحامي العام الاستئنافي، ومن بعده القاضية المنفردة الجزائية، للادعاء ثم الحكم على العاملة على اساس جرم المادة 7 من القرار 136؟ وكيف رأى القضاء ان عناصر جرم المادة 7 من القرار 136 مكتملة؟ وألا يعكس ذلك ازدراء بحقوق العاملة، التي يمكن ادانتها من دون ادلة؟». ويختم «بقي أن نذكر أن العاملة تواجه خطر التوقيف والاحتجاز تنفيذا للحكم، عند سفرها أو تسفيرها الى بلدها لجرم الفرار».

■ يمكن متابعة القصّة على الرابط التالي:
http://www.legal-agenda.com/newsarticle.php?id=495&folder=legalnews&lang=ar