أثار خبر منع طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط «ميدل إيست» من استعمال مطار أربيل ضجّة قويّة في بيروت. قد تكون المرّة الأولى التي تتعامل فيها سلطات طيران مدني في بلد عربي مع شركة لبنانية بهذه الطريقة. طائرة الميدل إيست لم تُبلغ مسبقاً بأنها ستُمنع، بل استُدرجت إلى أجواء أربيل ومُنعت من الهبوط هناك. القساوة كانت هي الرسالة المقصود إيصالها. ليس في الأمر مؤامرة على ركاب طائرة «ميدل إيست»، بل ردّ فعل «أربيلي» موجّه إلى ثلاث جهات معنية بعمل شركات الطيران، انطلاقاً من بيروت، هي: وزارة الأشغال، المديرية العامة للطيران المدني، وإدارة «ميدل إيست». ردّ الفعل سببه إلغاء موافقة الطيران المدني اللبناني «تحت الضغط» على رحلة لشركة زاغروس العراقية كانت تقوم بها انطلاقاً من بيروت إلى أربيل.
معلوم لدى الجميع، أنّ الحكومة اللبنانية منحت «ميدل إيست» حصرية تنظيم الرحلات المتواصلة انطلاقاً من مطار بيروت. وبالتالي، إن هذه الحصرية منحت سلطات الطيران المدني في بيروت، وقوى الضغط المتمثّلة في إدارة «ميدل إيست»، استنسابية في إعطاء الموافقات على الرحلات غير المنتظمة، حتى أصبحت كل الشركات الراغبة في تسيير رحلات من هذا النوع بحاجة إلى موافقة «استثنائية». لا أحد يعلم ما هي المعايير المتّبعة لهذه الموافقات الاستثنائية، لكن الجميع على علم بأنّ هدفها حماية حقوق الحصرية لـ«ميدل إيست» وتحقيق بعض المنافع لأطراف مختلفة.
ضمن هذا الواقع، طلبت شركة زاغروس من المديرية العامة للطيران المدني في لبنان، الموافقة على تنظيم 3 رحلات في شهر تشرين الأول إلى إقليم أربيل. وبحسب المستندات الصادرة عن الشركة، فقد وجهت إدارتها كتاباً إلى السلطات في بيروت تطلب منها الموافقة على الرحلات، وقد أرفقت طلبها بمجموعة من الوثائق الفنية والقانونية الصادرة عن السلطات العراقية مثل تسجيل الطائرة وصيانتها الأخيرة والتأمين وسواها. ما حصل لاحقاً هو أن الشركة تبلّغت في 11 تشرين الأول الموافقة على الرحلات الثلاثة في 12 و15 و17 تشرين الأول من خلال كتاب مسجّل لدى دوائر الطيران المدني اللبناني تحت الرقم 5634/2. «لكن للأسف، إن الرحلة بتاريخ 12 تشرين الأول ألغيت بسبب رفض المدير العام للطيران المدني دانيال الهيبي». ورغم أن الشركة أرسلت كل الوثائق المتعلقة بالطائرة، إلا أن الرحلات الثلاث أُلغيت من دون أي تفسير رسمي أو كتاب يشير إلى ذلك، وبذريعة «أن الشركة العراقية لم تستكمل الوثائق المطلوبة منها»، على ما يقول مسؤولون في الطيران المدني.
ووفق وثائق زاغروس، فإن الوثائق المطلوبة منها أُرسلت في 8 تشرين الأول وسجّلت لدى دوائر الطيران المدني اللبناني تحت الرقم 5562/2، لكن هذا الأمر لم يمنع الطيران المدني من الاستنساب ومنح الشركة رحلة عارضة في 10 تشرين الأول؛ إذ «لم نحصل على جواب رسمي بالموافقة أو عدمه، لكن هيئة الطيران المدني اللبناني قامت بمنحنا رحلة عارضة ليوم 10 تشرين الأول، وقد أُعلم ممثلنا في بيروت بصورة شفهية أن الطيران المدني اللبناني لا يسمح لشركة زاغروس جت بالتشغيل إلا في حال امتلاكها طائرة ثانية مسجّلة في العراق، أو أن تكون مستأجرة من دون طاقم وأن يجري إدخالها على مواصفات التشغيل الصادرة من السلطات العراقية وأن تُغيَّر كافة وثائق الطائرة الحالية بوثائق تحمل اسم شركة زاغروس جت».
اللافت أن المديرية العامة للطيران المدني لحست توقيعها عن الموافقة التي كانت قد أعطتها للشركة المذكورة لتنظيم رحلة في 10 تشرين الأول. هذه الموافقة لم يذكر فيها أي شرط بما تبلغت به الشركة شفهياً، بل جاءت على النحو الآتي: «حضرة السيد عرنوس (مدير العمليات في مطار بيروت)، نفيدكم بأنّ طلب شركة زاغروس جت لتشغيل رحلة عارضة في 10 تشرين الأول حصلت على الموافقة كما هو مذكور في الجدول المرفق في رسالتكم (الجدول هو تاريخ الإقلاع والهبوط). التوقيع سمير فقيه المدير العام في الطيران المدني».
إذاً، الإصرار اللبناني هو أن لا تعمل شركة زاغروس انطلاقاً من لبنان، بل أن تكون مسجّلة في أربيل وأن تصبح جداول رحلاتها مبنية على هذا الأساس، لكن السؤال هو لماذا لم تقم إدارة الطيران المدني بإبلاغ الشركة بهذا الأمر، فيما أصرت على التعامل معها بطريقة فوقية وغير مهنية؟ الإجابة تأتي فوراً من مصادر في مطار بيروت، مشيرة إلى أن الموافقة الأخيرة التي حصلت عليها الشركة العراقية «ألغيت بسبب ضغوطات مارستها إدارة شركة ميدل إيست عبر مسؤولين كبار في الدولة اللبنانية»... وفي هذا الإطار جاء ردّ السلطات العراقية بعدم استقبال طائرات ميدل إيست. إنه مبدأ المعاملة بالمثل المتعارف عليه عالمياً ولا يمكن أحد التهرّب منه، سواء أكان يملك حصرية محلية أم لا، وسواء أكانت شركة طيران متواضعة مثل ميدل إيست أم شركة طيران كبرى في العالم «لن يكون بإمكان أحد التحكّم بالسوق إلى هذه الدرجة» يقول المصدر.
ما كان لافتاً في كل ما جرى، هو أن إدارة شركة زاغروس، تلقت فجأة اتصالاً هاتفياً من المدير العام لشركة «اكزيكوتيف سكاي» خالد عكاوي تلته رسالة إلكترونية منه تشير إلى أنه سيقدم لها المساعدة للاستحصال على الموافقة المطلوبة من الطيران المدني لتشغيل رحلات على خطوط أربيل ــ بيروت وتقديم كل الدعم اللوجستي في مطار بيروت الدولي، مقابل سلسلة شروط يمكن ذكرها على النحو الآتي:
ــ مبلغ مقطوع بقيمة 12 ألف دولار بعد 5 أيام عمل تلي الاستحصال على الموافقة على جدول رحلات الشركة، وتمثيل الشركة العراقية في بيروت بصورة حصرية، على أن تكون لها نسب ربحية من المبيعات يتفق عليها، وأن تكون للشركة اللبنانية حصرية المبيعات والتسويق في لبنان!
إلى من يستند عكاوي في عرضه؟ وهل بهذه الطريقة تُدار الأنشطة «المربحة» جدّاً عبر مطار بيروت الدولي؟ هزلت.