مطلع الشهر الجاري، أقدم مواطنون لبنانيون وسوريون، بعضهم مسلح، على هدم السور الخارجي لمنشآت نفط طرابلس الموجودة في البداوي، بعرض يصل إلى ستة أمتار. وقاموا عنوة بتحويل جزء من هذه المنشآت إلى مقبرة. دفنوا فيها امرأة سورية نازحة متوفاة، وعمدوا قبل أيام إلى دفن امرأة أخرى فيها.
قضية الاعتداء على منشآت واملاك عامة، بهذا الشكل، نالت قسطاً كبيراً من الاهتمام والمتابعة. وحسب المعلومات المتوافرة فإن المدير العام لمنشآت النفط في طرابلس والزهراني سركيس حليس، أجرى اتصالات بوزير الداخلية مروان شربل وبمخفر درك التعتور الموجود داخل المنشآت، وضباط في الجيش اللبناني موجودين داخل المنشآت وقربها حيث يوجد حاجز للجيش، من أجل منع التعدي على المنشآت، إلا أن أحداً لم يتدخل لوقف التعديات وإعادة بناء السور، بعدما تضاربت المعلومات لدى كل طرف عن أن بلدية البداوي طلبت من إدارة المنشآت قطعة أرض لهذه الغاية، وأن موافقة مبدئية أعطيت لها.
وكان وزير الطاقة والمياه جبران باسيل تبلّغ بالاعتداء، وقام برفع كتابين إلى كل من وزير الداخلية والبلديات وإلى رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، أبلغهما بالحادثة التي تمت «دون حسيب أو رقيب»، معتبراً أن «الاعتداء يشكل سابقة خطيرة واعتداءً فاضحاً على أملاك الدولة الخاصة وعلى مرفق عام حيوي، خاصة وأن وزارة الطاقة والمياه هي في صدد إعادة تأهيل المنشآت وإنشاء مجمّع نفطي كبير، وأن مثل هذا الاعتداء السافر من شأنه أن يعرقل عمل الوزارة».
وطلب باسيل من وزير الداخلية «التدخل بالسرعة وإجراء اللازم لرفع هذا التعدي عن المنشآت، محافظة وصوناً لهذا المرفق العام الحيوي»، بينما طلب من رئيس هيئة القضايا «اتخاذ صفة الادعاء الشخصي وتقديم شكوى جزائية ضد أي شخص يظهره التحقيق فاعلاً أو محرضاً أو متدخلاً».
ينفي رئيس بلدية البداوي حسن غمراوي مسؤوليته عن هذا الاعتداء. واوضح لـ«الأخبار» أن «القصّة بدأت عندما توفيت امرأة من النازحين السوريين في البداوي، ولم يعرف أهلها أين يدفنونها، فقاموا بعد تشاور بينهم وبين بعض الأهالي بدفنها في العقار رقم 105 داخل المنشآت مجاور للأوتوستراد الدولي، وهو عقار مهمل منذ مدة طويلة، فكسروا سوره ودفنوا المرأة داخله، ثم دفنوا امرأة أخرى داخله بعد ذلك بأيام».
يقول غمراوي إنه يرفض «التعدي على الأملاك العامة، أو القيام بأي خطوة تخالف القانون»، الا انه يبرر ما حصل «فماذا أفعل في هذه الحالة التي فرضت نفسها أمراً واقعاً أمامي، هل أواجه الأهالي بالقوة؟ وهل ندفن الموتى داخل البيوت أو على السطوح؟ الوضع الإنساني الدقيق جعلنا مضطرين أن نغضّ نظرنا عما يجري من مخالفات».
يستغرب غمراوي كيف أن الدولة اللبنانية «التي عجزت عن إيجاد حلول لمشكلة النازحين السوريين، تريد من بلدية صغيرة وضعيفة الإمكانات أن تحل قضيتهم، وإذا حصل تقصير غير مقصود منها تحمّلها المسؤولية؟»، طالباً «مجيء فرق تفتيش إلى البداوي لتكشف وتعاين المشاكل التي نعانيها وأن يجدوا حلولاً لها، شرط أن يعملوا على تطبيق هذه الحلول وتنفيذها، لا أن يضعوها على الورق ثم يغادروا».
وفي السياق التبريري نفسه، اشار غمراوي الى «أن منشآت النفط تعرضت في السنوات الماضية إلى عشرات التعديات على أملاكها العامة، فلماذا لم يروا إلا هذه المخالفة، التي ارتكبت لأسباب إنسانية وليس لأسباب نفعية أو شخصية؟»، متهما الوزير باسيل بشن حملة على بلدية البداوي «سببها أنه يتصرف بكيدية تجاهنا بعد مواقف اتخذناها ضد قرارات أصدرها بما يخص المنشآت، منها توظيفات داخلها لم يراعِ فيها أهالي البداوي»، داعياً إياه إلى أن «ينقل النازحين السوريين إلى البترون لنراه كيف سيعالج مشكلتهم، بدل التنظير علينا من بعيد».
ورأى غمراوي أن «ترك المشكلة بلا حلّ والاكتفاء بالمواقف الإعلامية واتهام جهات وأشخاص بمخالفة القانون، هي نظرة قاصرة»، وقال «راجعنا مسؤولين في الدولة ووزراء من أجل مساعدتنا في قضية استملاك قطعة أرض من أجل تحويلها إلى مقبرة، سواء من داخل المنشآت أو بالتعاون مع البلديات المجاورة، لكن بلا نتيجة».