«ميم» هو اسم متحف المعادن في الجامعة اليسوعية الذي يفتتح اليوم بحضور رئيس الجمهورية وفعاليات سياسية وثقافية في بيروت. حدث تأهبت له نخب المدينة بكل وسائلها، وشخصياتها ولكن محركه الاساسي هو سليم إده. بتواضع والكثير من البساطة يصل سليم إده ليرحب بضيوفه، ابتسامته صادقة، يعرف تماماً مدى شغفه بالمعادن، فيراقب مراراً المستمع ليعرف إن كان قد أضجره، ولكن الواقع ان معرفته المعمقة بالمعادن وباستعمالاتها المختلفة من الصناعة الى الطب والحلي يحول الزيارة معه الى متعة.
صفراء، خضراء، حمراء، سوداء، بيضاء... دائرية الشكل، مربعة، هرمية، لولبية... المعادن قد تبدو للزائر وللوهلة الاولى غير حقيقية. فإنسان القرن العشرين الذي اعتبر نفسه نصف إله تعود ان يرى الجمال في أعماله، وأن يعتبر نفسه خلاقاً، فلا يقبل بسهولة فكرة ان باطن الارض يحوي كنوزاً تفوق بجمالها، والوانها واشكالها كل الاشكال الهندسية التي ابتكرها على مر العصور.
«يسألني زوار المتحف إن كنت قد صقلت هذه الحجارة بنفسي وأعطيتها هذه الاشكال، حفنة منهم تصدق بأن هذه الروائع هي من صنع الطبيعة والزمن. المعادن هي المادة التي تحيط بنا وتكون الارض، وهي عبارة عن ذرات اصطفت بشكل هندسي فأصبحت بلورات. بالطبع استغرق تكوين كل معدن عشرات ملايين السنين، والتفاعلات الكيمائية في تركيبة المعادن أدت الى التغيير في الالوان». بهذه الكلمات البسيطة يشرح سليم إده كيفية تكوين المعدنيات التي جمع منها 1400 قطعة ليعرضها في متحف ميم. ويشدد على التسمية العربية، ففي معقل الفرنكوفونية في اليسوعية، يتكلم إده بالعربية، ويتأكد من استعمالها (مع باقي اللغات) في كل الشروح. «فهي لغة البلد الام، فلا مبرر لعدم استخدامها».
المتحف الحديث بادارة المديرة السابقة للمتحف الوطني، سوزي حاكيميان. وهو يعتمد تقنيات الحماية الحديثة، فكل الجدران مصفّحة، كما يرتكز على آخر ابتكارات التكنولوجيا. ففي الواجهات تعرض المعادن التي تعود الى 250 مليون سنة، وامامها تقف اللوائح التي تشرح تفاصيلها من خلال تطبيق هاتفي خاص بالمتحف. هكذا يمكن لكل زائر يحمل الهاتف الذكي أن يتعرف على القطعة ويحصل على تفاصيلها على هاتفه النقال. ولمن يفضل الشاشات الكبيرة فهي تعرض الحجارة بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة. بتقنية اللمس. «يلعب» الزائر بالمعادن، يديرها كما يريد، يكبرها، يصغرها، يدور حولها من كل الزوايا... والهدف ان تستقطب هذه التكنولوجيا الاطفال، فيزوروا المتحف ويتعلموا عن المعادن على الشاشات العملاقة التي تحاكي متطلباتهم التكنولوجية.
المتحف هو مشروع سليم إده منذ نهاية التسعينات، عرض فكرته على الجامعة اليسوعية، فرحبت وقدمت له مساحة 1300 متر مربع في المبنى الجديد، وتوقفت هباتها عند هذا الحد. فأخذ على عاتقه التكاليف كافة. وأمن أفضل ما يقدم في العالم للمتاحف، من الإضاءة الى الواجهات، الى المقاعد والشاشات... فأتت النتيجة متحفاً خاصاً في بيروت يضاهي امثاله في العالم.
وتجدر الإشارة الى أن متاحف المعادن نادرة حول العالم، ذلك بسبب اولاً كلفة الحجارة والثاني بسبب العجز المالي عن إبقائها مستقلة. لذلك عمل إده بالتوازي مع إقامة المتحف على نهج اقتصادي يمنحه الاستقلالية لضمان بقائه، خاصة وأن رسم الدخول حدد بـ6 آلاف ليرة للكبار و3 الاف بين 12 والـ15 سنة، ومجاني للاطفال. ويقول إده «لقد أقمنا قاعة للاحتفالات او المحاضرات او حتى للعروض الفنية يمكن تأجيرها لحفلات محددة، ويجب ان توازي هذه النشاطات تكاليف المتحف الشهرية، لانه لا يبغي الربح وهو مستقل عن الجامعة اليسوعية».
يشرح ادّة انه حصل على المعروضات من السوق، فالعمال في المناجم حول العالم ينبشون المعادن لمجمل استعمالاتها الصناعية اولاً والصاغة ثانياً، ولا يسلم من هذه المعادن إلا 1% يشفقون عليه فلا يكسرونه، بل يبيعونه لمحبي المعادن حول العالم. وإحدى أهم طرق الحصول على المجموعات تقوم حالياً خلال عمليات الطلاق او الارث، فتباع المجموعة، و«هكذا حصلت على قطع فريدة من نوعها في العالم».
بدأ إده منذ 1997 تجميع المعادن، ودرس تفاصيل كل معدن على حدة. يشرح عن كل قطعة معروضة، وعن أهميتها، وخصائصها. ويتكلم ببساطة عن الحياة، وعن سبب إنجاز المتحف يستشهد بجديته قائلاً «لطالما كانت تيتا تردد المقولة الشعبية ما حدا آخذ معه شي، وهذه المعادن عمرها ملايين السنين فحتى لو اشتريتها لا يمكنني أن أمتلكها، ويجب مشاركتها مع الجميع. وكلما تأملت الحجارة أقول سبحان الخالق».
بالفعل، أمام جمال هذه الحجارة قد يتساءل الانسان إن كان الكمال في الجمال هو لباطن الارض ام لسطحها!