أربعة أعوام مرّت على تجربة سناء (52 عاماً) مع سرطان الثدي، لم يتغير خلالها شيء في حياتها. فهي اكتشفت مرضها مبكراً، لأنها كانت تواظب على الفحص الذاتي شهرياً، بحسب نصيحة طبيبتها النسائية، وبحسب ما تعلمته من ورشات التوعية على سرطان الثدي التي تنظمها البلدية سنوياً. لذا، عندما اكتشفت أن هناك كتلة غريبة في منطقة صدرها، لم تهملها، أسرعت إلى طبيبتها التي طلبت صورة شعاعية (Mammography) وصورة صوتية (Echography)، لتأتي النتائج بما لا يشتهيه أحد، الورم سرطاني.
نزل الخبر كالصاعقة على سناء التي تمالكت نفسها قدر المستطاع، ولم تدمع عينها إلا في حضرة أمها. تقول: «كانت هذه اللحظة الوحيدة التي أحسست فيها بالضعف، بعد ذلك قررت أن لا أستسلم». وتؤكد ابنتها: «كانت قوية كفاية لتمدنا بالقوة، أنا كنتُ ألجأ إليها في حالات الضعف والضيق، وأراها تزداد جمالاً كلما أحست بدفء العائلة من حولها». الزوج والأولاد الأربعة لم يتركوها لحظة، حتى عائلتها الكبيرة وقفت إلى جانبها معنوياً ومادياً. مشوار سناء مع المرض لم يكن طويلاً، لأنها اكتشفته في مرحلة مبكرة، فأجريت لها عملية استئصال جزئي، تبعها علاج كيميائي وعلاج بالأشعة لتطهير منطقة الورم والتأكد من عدم بقاء أية خلايا نائمة. استمرّ العلاج عاماً كاملاً، شفيت بعدها تماماً، ومنذ أربع سنوات إلى اليوم لا تزور الطبيب إلا للمراجعة والاطمئنان.
لا تختلف تجربة حنان (49 عاماً) عن تجربة سناء إلا في مقدار فهم ما يجري معها من الناحية العلمية. فهي طبيبة. بدأ مشوارها مع المرض في عام 2004، العام الذي تخطت فيه سن الأربعين، أجرت أول صورة أشعة لثدييها كشفت عن احتوائها لعدد كبير من الأكياس، فاستؤصلت وتبين أنها نوع من السرطان الحميد. واظبت بعدها على الصورة الشعاعية عاماً بعد عام، حتى عام 2009، إذ بيّنت الصورة وجود ورم منتشر داخل الغدد الحليبية. وهذه المرة كان هذا الورم خبيثاً ودخل في مرحلة متقدّمة من مراحله الأولى. فوجئت حنان بالنتائج، إذ لا يمكن أن يكون المرض قد وصل إلى هذه المرحلة وبالكاد كانت تمرّ سنة بين الصورة والأخرى، وأدركت أن طبيب الأشعة أخطأ في قراءة النتائج، ما أدى إلى تطور المرض من عام إلى عام ليدخل مرحلته الثانية. وهذا ما استدعى استئصالاً كاملاً للثدي، تبعه العلاج الكيميائي والعلاج بالأشعة بالإضافة إلى العلاج المناعي (Immunotherapy) لمدة عام كامل، شفيت بعده تماماً.
لم يكن استئصال ثديها مؤلماً بالنسبة إليها، بقدر آلام مرحلة العلاج، فهي ذهبت لاستئصال الثاني وقائياً، وإلى استئصال رحمها والمبيضين. فعلت ذلك لأن جسدها لديه استعداد قوي لمراجعة المرض، بحسب المصادر الطبية التي استندت إليها. فأمّها كانت قد توفيت بسبب المرض ذاته. ورغم اعتراض كثيرين على ما تفعله، إلا أنها متأكدة من أنه الخيار الطبي الأمثل بالنسبة إليها. صحيح أن تلك الجراحات تركت بعض الندوب على جسدها، إلا أنها تعوّدت ذلك. اليوم، بعد ثلاث سنوات على تلك التجربة، تمضي حنان أغلب وقتها في عيادتها، التي لم تتركها، تعاين المرضى، تداوي آلامهم ما استطاعت، فهي الآن تعرف تماماً معنى الألم.
بين سناء وحنان يمكن تبيّن أهمية الكشف المبكر، وخصوصاً أن لبنان يسجّل 1700 حالة سرطان ثدي سنوياً، ما يشكل 30% من إجمالي حالات السرطان التي تصيب النساء، كما يقول رئيس اللجنة الوطنية للتوعية على أمراض الثدي ومدير مركز سرطان الثدي في معهد باسيل للسرطان د. ناجي الصغير. واللافت برأيه أن «نحو نصف الحالات المسجلة تصيب النساء في عمر مبكر (تحت سن الخمسين، المعدّل العالمي للإصابة)، ما يعني أن نسبة الإصابة مرتفعة. من هنا، كانت حملات التوعية السنوية التي تركز على الكشف المبكر للمرض، لأن الدراسات تؤكد أن نسبة الشفاء، وخصوصاً في سرطان الثدي تصل إلى 90% وتقل هذه النسبة بالطبع كلما تقدم هذا المرض في مراحله». ويشرح الصغير أن «السرطان لا يعني الموت المحتم أو الاستئصال الكلي للثدي، وهو الذي تخاف منه أغلبية السيدات. ففي المراحل الأولى منه يكفي الاستئصال الجزئي مع العلاج بالأشعة، وحتى بعض المراحل المتقدمة يمكن أن تعطى العلاجات الكيمائية قبل الجراحة لتصغير حجم الورم وثم اللجوء إلى الاستئصال الجزئي، كلها حلول يوفرها اليوم الطب الحديث أمام النساء».
طبعاً، هذا مشروط بالكشف المبكر، لذا ينصح الصغير بالاستفادة من الحملة الوطنية الثانية عشرة للتوعية على سرطان الثدي التي انطلقت قبل أيام وتستمر حتى نهاية العام الجاري، وتتيح للسيدات الحصول على صورة شعاعية مجانية للثدي في المستشفيات الحكومية وبكلفة 40 ألف ليرة في المستشفيات الخاصة.