لولا مداخلة رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية د. حميد الحكم لأمكن القول إنّ الافتتاح الرسمي للعام الجامعي لا يعدو كونه احتفالاً رسمياً فولكلورياً يفرغ الجامعة من مضمونها وجوهر دورها وأهدافها. فالمؤسسة الوطنية العريقة لا تحتاج، بحسب أهلها، إلى فيلم دعائي لا يعرفون ما هي كلفته الحقيقية للتعريف بها. برأيهم، الترويج للجامعة يكون بترجمة استقلاليتها الأكاديمية والإدارية، بتطبيق القوانين فيها، برفع موازنتها، بتحديد ملاكاتها التعليمية وتثبيت هيكليتها الإدارية، بتعزيز أبحاثها العلمية، بجعلها قادرة على إعداد كوادر مؤهلين لدخول سوق العمل، بترسيخ دور الأستاذ الجامعي ومنع تحوّله إلى موظف، بتصدي الجامعة للقوى السياسية التي تعبث بمقدراتها. الفيلم الدعائي الذي لا يتجاوز الحديث عن التغني بعدد الطلاب والأساتذة والكليات والفروع يجانب الانحدار الذي وصلت إليه الجامعة، على حد تعبيرهم.
لم يكن مقرراً في برنامج الاحتفال أن يتكلم رئيس الرابطة، لكن الأخير أصرّ على أن يسجّل، من موقعه النقابي، موقفاً واقعياً بعيداً من الخطابة التي اتسم بها اللقاء في المجمع الجامعي في الحدث امس.
يتحدث الحكم عن سيف وزارة المال في ظهر الجامعة اللبنانية، ما يمنعها من ممارسة الدور المنوط بها. ويقول إنّ «الأمن الصحي والاجتماعي للأساتذة في خطر، وإن موظفي الوزارة الحاقدين على الجامعة يخنقوننا. فالاختصار والتقليص هما سيد الموقف في الموازنة، ومنح التعليم والبحث العلمي». ويتوعد بالقول «إنّ عظمنا سيكون قاسياً، ولن نسكت عن حقنا بعدما تبخرت كل الوعود». ويلوّح الحكم بإعلان الإضراب وبالزحف نحو وزارة المال بعد عيد الأضحى مباشرة.
حسناً، يعلن رئيس الجامعة د. عدنان السيد حسين العام الجامعي الجديد عام الدفاع عن استقلالية الجامعة، لكن كيف، ما دام هو نفسه يقر بأنّ صلاحيات تفرغ الأساتذة المتعاقدين ليست في عهدة مجلس الجامعة ورئيسها، وبأن الجامعة لا تستطيع أن ترشح للتفرغ في كل سنة مجموعة من الأساتذة المتعاقدين تبعاً للحاجات الأكاديمية، لا تبعاً للمزاجيات السياسية. ويبدو أن الرئيس سيبقى يطالب بألّا تكون الموازنة عرضة للمساومة والانتقاص والتأخير في إقرارها. ويأمل أهل الجامعة مع الرئيس ألا تكون «الشهادات التي تمنحها المؤسسة استحقاقاً لمتخرجيها، وألا تكون جوائز ترضية للمتدخلين في شؤونها».
اللافت تركيز السيد حسين على علاقة الجامعة بوزارة الوصاية، أي وزارة التربية، التي يجب أن تكون قائمة على نهج الاستقلالية الأكاديمية والإدارية والمالية، عملاً بأحكام القانون، وخصوصاً أن «هناك فارقاً بين علاقة الوصاية وعلاقة التبعية المباشرة في النص القانوني».
الحاضنة الوطنية كما سماها وزير التربية حسان دياب تحتاج إلى أكثر من الكلام الإنشائي عن أن الجامعة اللبنانية «تجمع الشباب والشابات من مختلف أنحاء لبنان على اختلاف طبقاتهم وفئاتهم ومذاهبهم وانتماءاتهم، وتعمل جاهدة على تأهيلهم علمياً وثقافياً في أجواء الحرية والإخاء والمحبة المتبادلة بين الجميع». هل هذه فعلاً هي الأجواء الحقيقية في الجامعة؟
لا ينتظر أهل الجامعة من يذكرهم بأنّ «القانون يؤكد أن للجامعة شخصية معنوية، وانها تتمتع بالاستقلال العلمي والإداري والمالي»، فهم يحتاجون إلى تطبيق هذا النص القانوني وإعادة الصلاحيات إلى مجلس الجامعة، التي صادرها مجلس الوزراء عام 1997. يبدو مخزياً أن يتمنى الوزير مثله مثل غيره ممن ليسوا في موقع المسؤولية «توفير الطاقات البشرية الكفوءة والمميزة للجامعة، بعيداً من التجاوزات والمساءلات والضغوط السياسية والطائفية والمناطقية والفئوية».
لا يستطيع الوزير أن يشكو أيضاً «الإهمال في إنشاء المجمعات الجامعية، التي لطالما نادى بوجوب إنشائها الوزراء ومجالس الجامعة المتعاقبة». لا يتحمل طبعاً المسؤولية وحده، لكنه لم يفعل شيئاً بالنسبة إلى رفع موازنة البحث العلمي التي لا تتجاوز 1 % من موازنة الجامعة، التي تبلغ حالياً 350 مليار ليرة، مقابل 6 % مخصصة لتسديد عقد الإيجار لمباني الوحدات الجامعية.
يقر وزير التربية بالانتاج العلمي للجامعة التي «استطاعت رغم كل هذا الشح أن تؤسس العديد من المختبرات الحديثة المتطورة في معظم الوحدات الجامعية التطبيقية، وفي مختلف المناطق اللبنانية، ويبدو نتاج هذه الجهود واضحاً في حجم المنشورات العلمية وشهادات الدكتوراه التي منحت خلال العقدين الماضيين في مختلف الاختصاصات، بما في ذلك العلوم الإنسانية والاجتماعية والحقوق والعلوم السياسية وغيرها».
رغم كل شيء لا تزال الجامعة ماضية في توفير التعليم العالي لأكثر من 40 % من طلاب لبنان الجامعيين.