صيدا تجمعاً احتجاجياً ضد مشروع إنشاء المرفأ التجاري والميناء السياحي قبالة الكورنيش الجنوبي للمدينة. وكان الصيادون قد أعلنوا أمس يوم إضراب عن الصيد وإقفال لمحال وبسطات بيع السمك، داعين زملاءهم إلى التوجه بزوارقهم بمسيرة بحرية من ميناء الصيادين الحالي قرب القلعة البحرية، باتجاه السنسول الجاري إنشاؤه في البحر. ورأوا في بيان وزعوه أن السنسول الذي استلزم إنشاؤه ردم عشرات الأمتار في البحر، قضى على البرك الوحلية حيث تتكاثر الأسماك في الخليج الذي يعرف ببحر إسكندر، ووجه ضربة شديدة لما بقي من الثروة السمكية التي تضاءلت بسبب عمليات الردم المتعددة للبحر على شواطئ صيدا. على بعد عشرات الأمتار من الشاطئ، وعلى ضفة السنسول، ربط الصيادون زوارقهم وتقدموا باتجاه أسنان الجرافات التي تحمل الصخور التي تفرغها الشاحنات وتلقي بها الرافعات في البحر. التجمع البشري أجبر الآليات على إطفاء محركاتها، فعلت الصرخات التي شكت قطع أرزاق الصيادين بردم الواجهة البحرية خلف مكب النفايات ثم ردم بحر إسكندر على نحو تدريجي حتى إقفاله أمام القوارب لمصلحة البواخر والسفن التجارية ويخوت الأثرياء. هكذا يصبح البديل لمراعي السمك جنوب صيدا، مساحات قصيرة تتزاحم عليها قوارب أكثر من 300 صياد، غير قادرة على التوغل في عمق البحر للوصول إلى مناطق صيد جديدة، وليست مجهزة للصيد في المياه العميقة.
ردم بحر الفقراء لإنشاء مرفأ تجاري وناد لليخوت، استحضر في أذهان الصيداويين مشروع شركة بروتيين التي أسسها رجال أعمال عام 1971 ونالت مرسوماً جمهورياً يمنحها امتياز صيد السمك على الشاطئ اللبناني، وهدفت إلى صيد الأسماك في المياه الإقليمية اللبنانية وعرض البحر مستخدمة بواخر ومعدات حديثة. حينها، أقفل صيادو صيدا شوارعها بالتظاهرات الرافضة للمشروع بقيادة معروف سعد الذي اغتيل بالرصاص في مقدمة إحداها في ساحة النجمة. أما المرفأ، فقد أقر مشروعه خلال حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الذي يتردد أنه ومتمولين آخرين يستثمرون المرفأ ونادي اليخوت. علماً بأن فكرة اليخوت ليست جديدة، بل إنها من بنات أفكار الرئيس رفيق الحريري الذي كان يملك عقارات عدة في المنطقة المحيطة بجبل النفايات. وطرحت الفكرة في عام 1992 عندما أنشئت شركة صيدون العقارية المماثلة لشركة سوليدير، لتستثمر الواجهة البحرية الجنوبية على غرار وسط بيروت.
قبل تحرك أمس وبعده، انتشرت شائعات تحاول النيل من دوافعه وأهدافه. فقد انقسم الصيادون في ما بينهم بين مؤيد ورافض. نقابة الصيادين برئاسة ديب كاعين وقفت ضد التحرك «بسبب ضغوط تلقاها رئيسها وأعضاؤها المقربون من النائبة بهية الحريري»، بحسب عدد من الصيادين الذين أكدوا أن الأخيرة وعدت المعترضين بدفع 500 دولار لكل منهم لقاء أن يوقفوا حملتهم على المشروع. في المقابل، اتهم أعضاء في النقابة الصيادين الذين خسروا في انتخابات النقابة الأخيرة وآخرين محسوبين على التنظيم الشعبي الناصري وسرايا المقاومة في المدينة، بالوقوف وراء التحرك الذي وصفوه بالمشبوه والذي يحمل غايات سياسية. وكانت النقابة قد ادعت لدى مخفر صيدا القديمة على عدد من الصيادين الذين أقفلوا سوق بيع السمك بدءاً من ليل أول من أمس حتى صباح اليوم التالي عندما نفذت القوى الأمنية إشارة النيابة العامة الاستئنافية القاضية بإعادة فتح أبوابه.
النائب السابق أسامة سعد شارك في التحرك ضد السنسول قبل أن يتوجه وفد من المشاركين للقاء محافظ الجنوب بالوكالة نقولا أبو ضاهر لعرض مطلبهم. ونقل هشام العوجي عن أبو ضاهر تعهده متابعة القضية مع المعنيين في مؤسسات الدولة. من جهته، دعا سعد الحكومة والوزارات المعنية إلى العمل بأسرع وقت لتدارك النتائج الكارثية لمشروع سنسول مرفأ اليخوت على مصدر رزق الصيادين، ووقف الأضرار التي تسببها الأساليب المتبعة في تنفيذ مشاريع أخرى على البيئة وعلى صحة المواطنين في حال مواصلة العمل حسب الطريقة الحالية. أما الحزب الديموقراطي الشعبي، فقد لفت في بيان له إلى أن مشروع المرفأ التجاري مرر في غفلة خلال حمأة الجدل حول مشروع معالجة مكب النفايات.
إزاء الحملة على المرفأ التي ألبست لبوساً سياسياً، انتقد رئيس بلدية صيدا محمد السعودي «محاولة مجموعة من الصيادين تعطيل العمل في المشروع، وحمّلهم كامل المسؤولية نتيجة تصرفهم اللامسؤول». وأوضح أن الفكرة «إقامة ميناء تجاري يحتوي على 450 متراً طولياً من الأرصفة التي ستستقبل البواخر المتوسطة الحجم وقسم مخصص لإقامة ميناء سياحي لليخوت». ورأى أنه مشروع «تنتظره المدينة منذ أكثر من 50 عاماً ولا يوجد صيداوي مخلص لا يرضى لمدينته أن يكون فيها ميناء تجاري حديث أسوة بالمرافئ الأخرى». واستغرب التحرك الذي يأتي بعد سنة ونصف من بدء الأشغال، واصفاً إياه بأنه غير بريء.