أمس تفوه رئيس بلدية صيدا محمد السعودي ببضع كلمات بسيطة تعليقا على التحرك الاحتجاجي للصيادين ضد إنشاء مرفأ جديد في صيدا بالقول «لا يوجد صيداوي مخلص لا يرضى لمدينته أن يكون فيها ميناء تجاري حديث أسوة بجميع المرافئ الساحلية على الشاطئ اللبناني مثل بيروت وطرابلس وصور وجبيل وجونية والجيه والبترون وغيرها، فلماذا تحريك هذا الأمر ولمصلحة من؟
ترى هل يعلم السعودي أن هناك أطرافا صيداوية عديدة ارتضت ألا يكون للمدينة مرفأ حديث ومتطور، وعرقلت لسنوات قيام هذه الخطوة؟ قد تكشف حكاية مرعي أبو مرعي مع مرفأ صيدا بعضا مما خفي في هذا الملف لفترات طويلة.
ما بين مرفأ صيدا ومرعي أبو مرعي علاقة خاصة. أراد رجل الأعمال العائد إلى مسقط رأسه بعد 20 عاما من العمل في مجال النقل البحري في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية أن يباشر استثماراته في القطاع الذي يتقنه جيدا، ويعرف خباياه. حمل إلى المعنيين مخططا تطويريا لمرفأ صيدا، يعيد له بعضا من الدور الذي فقده بسبب الإهمال المقصود وغير المقصود، فكانت المفاجأة. ممنوع على المدينة أن تمتلك مرفأ قادراً على لعب دور مهم في مجال النقل البحري!
قد لا تتعدى المسافة الفاصلة بين المكان الذي عمل فيه بتجارة السيارات يوما شاب كان من الطبقة الوسطى، واللافتة الزرقاء التي تخبر بأن الشارع بات يحمل اسمه، بضعة أمتار. هي أمتار قليلة اجتازها مرعي أبو مرعي في سنوات قليلة ليعود إلى صيدا ومعه ثروة، لا يجد أي حرج في السؤال عن مصدرها، رغم كثرة ما قيل.
بداية القصة
مع بداية الألفية الثانية، حمل أبو مرعي إلى صيدا فكرة جديدة اعتبر أنها كفيلة بتحقيق نوع من الازدهار للمدينة ذات الواجهة البحرية العريضة، وتؤدي بالتالي إلى خلق فرص عمل جديدة لأبناء المدينة وتحريك دورتها الاقتصادية المنهكة أصلا.
طبعا من أجل هذه الغاية التقى حينها بالرئيس رفيق الحريري وشرح له الأمر، واقترح أبو مرعي تخصيص جزء أساسي من المرفأ ليكون مخصصا لتصليح أعطال السفن، باعتبار مثل هذا التخصص غير موجود على طول الساحل اللبناني.
بين عامي 2003و2004 دخل أبو مرعي مع الأطراف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المدينة بمباحثات مطولة للترويج للفكرة وبحثها، فكانت الصدمة الكبرى. يقول أبو مرعي «كل الأطراف حاربتني، بسبب وبدون سبب، مع أنني أكدت مرارا أنني لن أترشح للانتخابات النيابية، علماً انه حقي الطبيعي، وقد مرت دورتان أكدت كلامي، لكن الجميع حاربني، لماذا؟ كل له أسبابه».
البداية الطبيعية لمشروع كهذا أن تكون مع المسؤول المباشر عن المرفأ، مديره العام. «كان اسمه وليد البعاصيري، يقيم في بيروت ولا يأتي إلى مكان عمله المفترض إلا نادراً»، يقول أبو مرعي «لذلك رتبنا لقاءً معه في بيروت لعرض الفكرة والمشروع. لم نحقق أي تقدم، وتحول الأمر إلى تلبية مطالب شخصية»، وضاع الوقت في أعذار وحجج شلّت المشروع وقتلته في مهده.
حين راجع أبو مرعي مع الفعاليات السياسية لصيدا مشروع المرفأ، طلبت منه النائبة بهية الحريري أن يتريث قليلا في طرحه، وقتها كانت صيدا مشغولة باستحقاق أهم وأكبر، من سيفوز بالانتخابات البلدية لعام 2004. بعدها تأجل الموضوع بسبب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وعند كل مراجعة بالموضوع من قبل أبو مرعي كان يتم اختلاق الأعذار، والتسويف، مرة بحجة أن صيدا مدينة ذات طابع أثري (يعني ممنوع عليها أن يكون لها مرفأ حديث مثلا، لأنها أثرية) ومرة لأسباب بيئية، ومرة لأسباب محاصصة وخلافات كيدية.
في إحدى المرات سأل النائب أسامة سعد أبو مرعي «هل تريد أن يوافق آل الحريري على مشروع المرفأ؟»، أجاب أبو مرعي «أكيد»، قال «دعني أعارضه، عندها يؤيدونه بسرعة». حينها يقول أبو مرعي بأنه شعر بعدم إمكانية تحقيق أمر ما في جو كهذا، ويتابع «مع أن صيدا تستحق أفضل من هذا».
ويكشف أبو مرعي ان النائبة الحريري طالبته مرة بتحضير المطلوب لتجهيز مرفأ صيدا كي يصبح مؤهلا لاستقبال وتفريغ بواخر السيارات، وبعدما باشر بالعمل أخبرته أن الرئيس نبيه بري طلب وقف الموضوع كي لا يتأثر مرفا صور، فكان له ما أراد، حدث ذلك منذ تسعينيات القرن الماضي. «لقد لمست أن هناك أطرافا سياسية في المدينة وخارجها، تريد ان يبقى الوضع على ما هو عليه كي يبقى المواطن الصيداوي أسيراً لها»، يختم بالقول.
تختزل تجربة أبو مرعي في العمل الاقتصادي الصيداوي الكثير مما يعانيه رجال الأعمال الطامحين لتحقيق «أمر ما» على مستوى المدينة. يقول أبو مرعي إن «أطرافا سياسية في المدينة وصفت لقاءات بعض رجال الاعمال والمستثمرين الصيداويين «بمجلس اللوردات»، وذلك حين بدأنا بطرح مشاريع تنموية واستثمارية للمدينة، كفندق مطل على البحر، ومراكز تجارية ومطاعم، فانسحبت مباشرة من مثل هذه اللقاءات خاصة وأني لست راضيا عن عمل وأداء الهيئات الاقتصادية الصيداوية، فكل شخص محسوب على طرف سياسي ما. مع أني اعتبر نفسي «أبو» الوسطية التي يتغنون بها اليوم والتي أطلقتها عبر حركة 11 آذار. كان ذلك في عزّ الانقسام الذي عاشه البلد عام 2005. واليوم فإن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وحتى رئيس مجلس النواب، ووليد جنبلاط، يقولون أنهم وسطيون، فالبلد اليوم يحتاج إلى تلاق في الوسط لا الذهاب إلى الانقسام».
حكاية المرفأ مع صيدا، فصل جديد يضاف إلى الحرب ضد المدينة برأي الكثير من الصيداويين، فحركة الاحتجاجات التي انطلقت امس في شكلها وتوقيتها، أثارت الكثير من علامات الاستفهام في المدينة. ولعل الكلمات التي تفوه بها رئيس البلدية محمد السعودي الذي فوجئ بما رآه رغم أن العمل بالمرفأ الجديد مضى عليه أكثر من سنة ونصف السنة خير دليل على أن الأمر مرشح لمزيد من التأزم في الأيام المقبلة.