«أيَّ بيئة نريد لمنطقة البترون وحرم وادي نهر الجوز؟». سؤال جمع عدداً من أهالي قضاء البترون ورسميّيها في بلدة حلتا البترونيّة يوم السبت الماضي، بدعوة من حركة الإنماء الإنسانيّ. «دليل الشطارة في الكسّارة» وزّع خلال اللّقاء، وأُعلنت توصيات للمساهمة بوضع تصوّر لتنظيم مدنيّ يحمي خصوصيّة منطقة البترون ورحم وادي نهر الجوز.تكمن أهمية هذا اللقاء في أنه يأتي في سياق صراع مرير من أجل حماية البترون مما يُحاك لها؛ فقد نجح أهالي حلتا والبلدات المجاورة لها في التصدّي لأربع محاولات، خلال سنة ونصف، ترمي إلى تصنيف منطقتهم منطقة صناعيّة - فئة ثانية.

ويقول رئيس حركة الإنماء الإنسانيّ لاوون الحويّك، إن الأهالي يريدون المشاركة بوضع تصوّر لمستقبل منطقتهم وبلورة مفهوم لتنظيم مدنيّ يؤمّن تصنيفاً يحمي خصوصيّة منطقة البترون وحرم وادي نهر الجوز. وأضاف: «أيّ محاولة لإغراقنا في دوّامة التلوّث لن تمرّ»، مشدداً على أنّ أهالي المنطقة سيطعنون في أيّ قرار يتجاوز واقع المنطقة. أمّا الحلّ، فيكون في وضع سياسة إنمائيّة للمنطقة توفّر لها حياة سليمة.
أهالي حلتا والجوار من الحاضرين دعوا إلى اعتماد مخطّط توجيهيّ لحماية نهر الجوز، وخصوصاً أنّ مجروراً للصرف الصحيّ يمرّ في وسطه بمسافة 1,7 كلم، وبالتالي تجب إزالته في مقدّمة لحلّ مشكلة النهر. وسخروا من «الشطارة» التي يعتمدها البعض للتحايل على القوانين والأنظمة التي ترعى ترخيص مقالع وكسّارات الموزاييك. فقد قام عدد من المخالفين في حلتا بفكّ كسّارة الموزاييك وتركيب كسّارتي روتاري تنتجان نحو ألفي متر مكعّب يوميّاً، إضافة إلى الحصول على ترخيص بالتفجير والمساهمة في تحويل الجبال إلى سهول من خلال الحفر طولاً وعرضاً وعمقاً، مع ما يخلّف ذلك من أصوات وغبار وأضرار على أساسات المنازل المجاورة. وبالرغم من اعتراضات الأهالي، تعهّد المخالفون بإنتاج الكميّات المسموح بها أصلاً بالترخيص، فعادوا وحصلوا على تجديد للرخصة من دون فكّ كسّارتي الروتاري. وبعدما علا الصراخ والاستنكار، تقدّم المخالفون بطلب جديد على عقار مختلف لتنقل إليه الكسارة الاحتياطيّة.
مفهوم التنمية المستدامة الذي يسمح للمجتمعات بتلبية حاجاتها في استعمال الحيّز الطبيعيّ من دون حرمان الأجيال القادمة هذا الحقّ، لا يزال ممكناً في قضاء البترون، بحسب نقيب المهندسين في بيروت إيلي بصيبص الذي شارك في اللقاء. إذ رأى أنّ تعدّد التوجّهات في اعتماد مخطّطات توجيهيّة للمنطقة يطرح شعار التنمية والبيئة بدرجات متفاوتة، كذلك إنّ الخطط والتوجّهات إذا لم تراع المصلحة العامّة، تكون نتائجها عكسيّة وتؤدّي إلى مزيد من الحرمان. وبحسب بصيبص، إنّ المفهوم اللبنانيّ للتنمية الخاطئ هو نتيجة غياب التصوّر العلميّ وغياب البعد الاجتماعيّ والاستغلال الاستثماريّ للقوانين والخطط التنمويّة من قبل أفراد أو مؤسسات نافذة على حساب الحقّ العام وحقّ المواطن. الحلّ بحسب بصيبص هو في العودة إلى الطبيعة، في التواضع أمامها، فعمر الإنسان يقاس بعشرات السنين. هذا التواضع عينه دعا إليه المدير العام لوزارة البيئة، الدكتور برج هتجيان «لأنّنا نتشارك العيش على الأرض مع كائنات حيّة أخرى».