لا تزال أُسرٌ عدّة في البداوي تطالب بحقها في توفير مقاعد مجانية لأولادها في المدرسة الرسمية. وعلى الرغم من الاعتصامات شبه اليومية، لم تلقَ هذه الأُسر سوى المزيد من الوعود بـ«البر والإحسان»، فيما العام الدراسي انطلق وأولادها في الشارع.
منذ أيام، بلغ التوتر حدّاً جعل المعتصمين أمام مدرسة البداوي الرسمية للبنات يخرجون عن طورهم، فاعتدوا على بعض المعلمات اللواتي رفضن تعليق الدروس احتجاجاً على عدم تسجيل أبناء الأُسر العاجزة عن تسديد رسوم التسجيل. وهذا استدعى موجة استنكار لهذا التصرّف، ولا سيما أن الهيئة التعليمية تتفهم مطالب المحتجين وتؤيّدها. فهل ما حصل كافٍ ليحجب البؤس الذي يحاصر هؤلاء ويدفعهم إلى التعبير بأساليب عنيفة.
القصّة بدأت عندما انطلقت عملية تسجيل التلاميذ في المدارس الرسمية؛ إذ فوجئ الأهل بزيادة 30 ألف ليرة على مساهمتهم في صناديق هذه المدارس. غضبوا، ولا سيما أن هذه الزيادة جاءت بعد عام من تعليق الدولة قرارها تسديد رسوم التسجيل عبر الموازنة، فضلاً عن هبة سعودية. فكل أُسرة لديها أولاد في المدرسة الرسمية اضطرت إلى تسديد ما بين 70 ألفاً و120 ألف ليرة عن كل منهم، في إطار ما يسمى مساهمة الأهل، فضلاً عن رسم التسجيل وثمن الكتب والقرطاسية وغيرها. ما يعني أنّ أسرة فيها 3 أولاد في المدرسة، عليها تكبّد نحو 400 ألف ليرة كمتوسط، وهو ما عجزت أُسرٌ كثيرة عن توفيره.
نعم، هناك أُسَر تعجز حتى عن تسديد رسوم المدرسة الرسمية، لكنها تصرّ على حقّ أولادها في التعلّم. لذلك، ساد التوتر وقام المحتجون بتصرفات سلبية، بعدما سئموا الاحتجاجات التي لم يولها أحد أهمية. فمنذ السادس عشر من الجاري وهم محتجون. نفذوا اعتصامات أمام المجمّع التربوي في البداوي الذي يضم مدارس الروضة والابتدائية والتكميلية الرسمية في المنطقة، ورفضوا الزيادة، مطالبين بإلغائها بلا طائل. في حينها، «تسلحوا» بقانون إلزامية التعليم ومجانيته. وبحسب رئيس مجلس الأهل في مدرسة البداوي الرسمية للصبيان، محمد كردوفاكي، يجب «على وزير التربية حسان دياب ورئيسة لجنة التربية النائبة بهية الحريري إعادة النظر في الزيادة والضغط من أجل إلغائها»، داعياً أهالي التلامذة إلى «عدم دفعها؛ لأن القانون واضح في هذا المجال».
مرّ اليوم السادس عشر، ولا جواب. بدأت تحركات التلامذة وأهاليهم تفقد «سلميتها». هكذا، انتقلوا باحتجاجاتهم من أمام المجمع التربوي إلى الشارع، فأقفلوا أكثر من مرة الطريق الدولية في البداوي، معرقلين حركة المرور بين طرابلس من جهة والمنية وعكار والحدود الشمالية من جهة أخرى. مع ذلك، لم تتجاوب الجهات المعنية مع مطالب المحتجين، ما دفعهم إلى تنفيذ اعتصام جديد أمام المُجمّع التربوي وقطع الطريق الدولية في آن واحد.
لا شيء يحصل. وسّع المحتجون تحركاتهم، حتى وصلت إلى حدود دخول المحتجّين إلى صفوف المدارس، مجبرين التلامذة على الخروج منها، بعدما كانوا قد بدأوا مطلع الأسبوع الماضي عامهم الدراسي، رافعين شعار «إمّا أن يتعلم الجميع أو لا يتعلم أحد».
هذا التصرّف أثار استياء الهيئتين الإدارية والتعليمية في المدارس، الأمر الذي أدى إلى نشوب تلاسن بينهم وبين المحتجين الذين تعرّض بعضهم لبعض المعلمين وشتموهم، وصولاً إلى حدّ التهجّم عليهم. كبر الإشكال إلى حد التدافع والضرب وإطلاق نار في الهواء. توجهت المعلمات اللواتي اعتُدي عليهن إلى المخفر للتقدم بدعوى ضد المعتدين، فلم يستجب عناصر المخفر. لذلك «قدموا شكوى أمام النيابة العامة الاستئنافية في الشمال، التي أحالت الشكوى على مخفر البداوي مجدداً، لكنها قيدت هناك ضد مجهول»!
استنكر رئيس مجلس بلدية البداوي حسن غمراوي «التصرفات غير المقبولة التي قام بها الأهالي والتي لا نؤيدها بالمطلق»، إلا أنه لفت إلى أن «الأوضاع الاقتصادية الصعبة لبعض الأهالي، دفعتهم إلى القيام بهذا التصرّف غير المقبول وغير المبرر». لكنه اتهم في الوقت نفسه المعتدين بأنهم «غرباء عن البداوي»، مشيراً إلى «أننا نحاول إيجاد مخرج يقضي بتوفير رسوم التلاميذ الذين لم يتسجلوا بعد، من طريق تبرعات بعض الميسورين في المنطقة».
مهما وصلت إليه الأمور، وإن كان ما جرى في مدرسة البداوي أمراً «غير مقبول»، لكن هل التفت أحدكم إلى ما يعانيه هؤلاء كي يصلوا إلى تخطي «الخطوط الحمر»؟ هل سأل أحدكم عمّن يعجزون في الأصل عن تأمين الرسم الأصلي كيف سيؤمنون اليوم الإضافات التي قد تساوي لقمة عيشهم لفترة أسبوع مثلاً، وربما أكثر؟ هل سأل وزير التربية والتعليم العالي عن أحوال هؤلاء قبل أن يفرض الزيادة؟ وهل هؤلاء وحيدون في غضبهم؟