عشرات الأشخاص قضوا نحبهم عند شواطئ بحر إندونيسيا. غرقت عبّارةٌ تحمل مهاجرين غير شرعيين، بينهم لبنانيون، إلى إحدى الجزر الاسترالية. وقعت الواقعة، فجر أمس، فاحتلّ الخبر شاشات التلفزة. هول الفاجعة ألقى بثقله على الشمال اللبناني، كأن هذه الناحية من البلاد لم تعد تكفيها مصائبها، حتى تُراكم فوقها مصيبة جديدة آتية إليها من إندونيسيا.
يُذكر أن العبّارة التي غرقت على الشواطئ الإندونيسية فجر أمس كانت تقلّ ١٢٠ راكباً. وتشير التحقيقات الأولية إلى أن الحمل الزائد تسبب بغرقها، فضلاً عن سوء الأحوال الجوية وهيكل العبّارة البدائي.
على وقع خبر إصابة لبنان بلعنة الهجرة غير الشرعية أيضاً، طفت إلى السطح خفايا تجارة تتخذ من البشر سلعا لها وتستغل ملايين البشر حول العالم. هنا بعض الحكايات عن عصابات الهجرة غير الشرعية المنتشرة في شمال لبنان، التي راج سوقها على وقع اندلاع الأحداث في سوريا.
لا تقتصر الهجرة غير الشرعية على اللبنانيين فحسب، هنا تجد السوري والفلسطيني والعراقي وحتى السوداني. وتكشف معلومات ميدانية لـ «الأخبار» عن وجود سماسرة يتولون تسجيل طلبات الراغبين في الهجرة إلى أستراليا بطريقة غير شرعية عبر البحر، مقابل مبالغ مالية تراوح بين سبعة آلاف دولار أميركي وأربعة عشر ألف دولار عن كل فرد يرغب في الهجرة. أمّا إذا كانت عائلة واحدة، فينخفض المبلغ إلى ستة آلاف دولار عن الفرد. وتتحدّث المعلومات عن نشاط كل من هـ. خ. المعروف بـ «أبو زياد» وح. ط. وشخص ثالث من آل م.، إلى جانب آخرين، في مجال «تأمين السفر إلى أستراليا»، كاشفة أن هؤلاء تمكنوا من «تسفير» مئات الأشخاص، لبنانيين وسوريين، منذ رواج عملهم، كما تتحدث المعلومات أيضاً عن سمسار آخر يُعرف بكنية «أبو صالح»، عراقي الجنسية. وتذكر المعلومات أن عمر هذه التجارة من عُمر الأزمة في سوريا، مشيرة إلى أن المسافرين يُنقلون إلى إيطاليا في البداية، ثُمّ يُصار إلى نقلهم من هناك نحو إندونيسيا فأستراليا. أما آلية النقل، فتجري على النحو الآتي. تُسجّل بدايةً أسماء الراغبين بالسفر من لبنان، بشرط أن يكون ذلك قبل نحو شهر. يدفع هؤلاء عربوناً مالياً لأحد الأشخاص الواردة أسماؤهم في الأعلى، يكفي ألف دولار لذلك. ثم يدفعون باقي المبلغ المتّفق عليه قبل الصعود على متن الباخرة التي ستقلهم من لبنان.
تراوح أعداد المسافرين على متن كل رحلة بين ٢٠٠ و٣٠٠ شخص، يجري ابلاغهم قبل يومين أو ثلاثة أيام من دون أن يُحدد التوقيت الدقيق. ينزلون في منازل يملكها القيّمون على التجارة أيضاً يومين أو ثلاثة أيام، حرصاً منهم على عدم تسريب موعد الرحلة إلى أي من الأجهزة الأمنية. يُحضر المهاجرون معهم ما يحتاجون إليه من طعام خلال أمد الرحلة، ثمّ ينطلقون من منطقة «الشقعة»، الواقعة على الطريق الداخلي القريب من نفق شكّا، بواسطة مراكب صغيرة، تسمح لهم بالتواري عن أعين المراقبين من أمن عام أو غيره، تُقلّهم إلى متن الباخرة التي تكون في انتظارهم في عُرض البحر.
وتكشف المعلومات عن وجود عصابات منظّمة تتركّز في تايلند، ومثلها في أستراليا. يتولّى هؤلاء تسجيل طلبات للمهاجرين غير الشرعيين الذي يقصدونهم لإيصالهم عبر البحر إلى إحدى الجزر في أستراليا.
اللافت ان هذه المعلومات معروفة من الاجهزة الامنية، وهذا يطرح تساؤلات عن الاسباب التي تمنع ملاحقة القائمين على هذه التجارة واحالتهم على القضاء.
ليس هذا فحسب، اذ فور انتشار خبر غرق العبّارة التي تقلّ على متنها مهاجرين لبنانيين غير شرعيين، سادت حالة من الضياع على المستوى الرسمي اللبناني. سادت حالة من الفوضى بشأن متابعة الملف، فاختلط الحابل بالنابل. وبدت واضحة حالة الارتباك التي تخبّط فيها المسؤولون اللبنانيون الذين جرت مراجعتهم من قبل أهالي الضحايا المفجوعين في الشمال. اختلطت على هؤلاء الصلاحيات، رغم وضوحها. فكلّف رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الأمين العام لوزارة الخارجية اللبنانية وفيق رحيمة متابعة ملف حادثة غرق اللبنانيين في إندونيسيا. وفي الوقت نفسه، أوعز ميقاتي إلى القائمة بالأعمال في سفارة لبنان في إندونيسيا جوانا القزي متابعة موضوع الجثث. عاد بعدها رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان وكلّف وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور متابعة القضية، الذي بدوره كلّف المدير العام للمغتربين هيثم جمعة.
إذاً. وقعت الفاجعة. وهي اعادت إلى الأذهان حادثة «التيتانيك» الشهيرة، لكن الأكثر إيلاماً منها، كان استعادة أهالي الشمال مصائب تُحدق بهم من كل صوب، إذ لا تكفيهم اشتباكات باب التبّانة وبعل محسن أو انعكاس الأزمة في سوريا سلباً على معيشتهم، وصولاً إلى سطوة العصابات المسلّحة على مدينتهم. الموت يُحدق بهم أينما حلّو، باتوا يعلمون أنّه سيُدركهم حتى لو هربوا إلى إندونيسيا.


يمكنكم متابعة رضوان مرتضى عبر تويتر | radwanmortada@