وصف الفترياديس جعجع بـ«المجرم». حصل هذا قبل أكثر من شهر، خلال حديث إذاعي، في سياق الكلام على الحرب الأهلية اللبنانية. عرف جعجع بالأمر، فتوجّه إلى القضاء وادّعى على الفترياديس بجرم القدح والذم والتشهير (...). كل شيء حتى الآن يسير سيراً طبيعياً. شكوى أمام القضاء، على نحو علني، ما يعني ثقة بالقضاء و... «لتأخذ العدالة مجراها». تلقفها الفترياديس ومضى بها. إنها فرصته ليفتح على جعجع ما لا يسرّه على الإطلاق.«سمير جعجع مجرم بحكم القضاء، الذي قضى بسجنه، وهو ما كان اليوم ليكون خارج السجن لو لم يصدر بحقه قرار العفو الشهير... العفو لا يعني البراءة. هو مجرم ونص». هذا ما قاله الفترياديس، أمس، في مؤتمره الصحافي الذي عقده للتعقيب على الدعوى المقامة ضده. سيمثل المدّعى عليه أمام القضاء يوم الاثنين المقبل، وسيُردد هذا الكلام، بل سيضيف إليه المزيد. في الواقع، يأتي هذا الكلام ليفتح جدالاً، ليس جديداً، حول معنى العفو العام الذي استفاد منه جعجع. ثمة رأي قانوني - فقهي يقول إن «قرار العفو يعني عفواً عن العقوبة لا عن الجريمة». أي إنه، بمعنى آخر، يأتي ليثبت أن الجريمة حصلت، واقعاً، ولكن العقوبة هي التي أزيلت فقط. تتسع الآراء القانونية لتتحدث عن نوعين من قرارات العفو، العفو العام والعفو الخاص، وبحسب الدستور اللبناني فإن العفو الخاص تُحصَر صلاحية منحه برئيس الجمهورية. أما العفو العام، فلا يحصل إلا بصدور قانون من مجلس النواب. لم يصدر في حق جعجع عفو خاص، بل عفو عام، فيما لم يصدر هذا العفو إلا ليستفيد منه جعجع شخصياً، ولو شمل آخرين، وهذا يعني إلباس العفو العام لباس العفو الخاص، ما يعدّه بعض أهل القانون «تعدياً على الدستور». يُستفاد هنا، لتأكيد هذا المعنى، من رأي للفقيه القانوني - الدستوري الفرنسي الشهير، جورج فيدل، إذ يقول: «العفو العام ذو طابع عام، فهو ينصبّ على مجموعة من الجرائم بحسب طبيعتها، فيزيل ركنها القانوني، وبالتالي يستفيد منه المساهمون فيها». إذاً، لا بد من تحديد طبيعة الجرم، مع حقبته الزمنية أيضاً، وإلا فسنكون أمام «بدعة قانونية - دستورية».
في قاعة «يوتوبيا» الملحقة بـ«الميوزك هول» في بيروت، حيث عقد الفترياديس مؤتمره، دار حديث بين المحامين والحاضرين عن قرار العفو الذي «أساء إلى جعجع أكثر مما أفاده، لأنه ثبّت الجرم عليه، فيما ألغى العقوبة، وبالتالي لو كان قائد القوات اللبنانية واثقاً من براءته لطلب إعادة محاكمته لدى المجلس العدلي، وبذلك كان سيحصل على البراءة إن كان لديه ما يُثبتها، لكنه لم يفعل لعلمه بثبوت الجرم عليه». الفترياديس يقول إن جعجع «يتحجج بأن حكم القضاء سابقاً كان مسيّساً، بسبب الهيمنة السورية على لبنان آنذاك، وهو ينفي أن يكون قد قتل رئيس حكومة لبنان السابق رشيد كرامي وسواها من التهم. حسناً، لكن ماذا عن جرائمه تجاه الجيش اللبناني وتسببه بمقتل نحو 500 ضابط وجندي؟ فمن بيته من زجاج لا يرمي بيوت الناس بالحجارة».
حضر إلى المؤتمر لدعم «قضية» الفترياديس، ومن أجل «قضيته» الخاصة أيضاً، رجل طاعن في السن اسمه أنيس جرجي. هو والد أحد ضباط الجيش اللبناني، الذي «قُتل على يد سمير جعجع». هذا ما يقوله الوالد، بصوت عال، ليخرج من بعده شاب اسمه هادي معلوف، ويقول إنه نجل ضابط في الجيش اسمه بول معلوف «قتله جعجع أيضاً». هناك آخرون أيضاً لبوا دعوة الفترياديس، الذي كان يستمع إليهم، مرتدياً زيّاً شبه عسكري، تأسياً برفاقه في كوبا. بدا المشهد غريباً. لقد أثار جعجع زوبعة عليه، كان بالغنى عنها، لو أنه لم يتقدم بشكواه أمام القضاء ويثير كل هذا السجال. هذا ما قاله أحد الحاضرين أمس، من أصدقاء المدّعى عليه، أثناء حديثه مع المحامي (الوكيل) حسن قازان.
بعد ساعات قليلة على المؤتمر الصحافي، أمس، ردّت «القوات اللبنانية» بسخرية على الفترياديس، عبر إصدارها بياناً بعنوان «مكتب القوات اللبنانية - جونيور في عجلتون»، وصفته في بيانها بـ«المشهور بسذاجته السياسية، فالقوات ورئيسها وكل مناضليها قد حوكموا من قبل نظام قاتل، يحاول مع أمثاله من «المستثقفين» التستير على عوراته وجرائمه، سواء بحق لبنان أو بحق شعب سوريا وأطفالها، وإن أحكام النظام الباطل القاتل هي باطلة في الأساس؛ لأنها مبنية على باطل». حسناً، لقد انتهت تلك «الحقبة» التي يكرهها جعجع كثيراً، وها هو يمارس الحق بالادّعاء أمام القضاء اليوم، ما يعني ضمناً اعتباره القضاء الحالي «خارج الوصاية»، وبالتالي «لماذا لا يطلب اليوم إعادة محاكمته أمام هذا القضاء؟»، الفترياديس يسأل، ولا شك أن السؤال محرج، وربما لا شيء يفوقه حرجاً إلا الجواب عليه.
يذهب «الإمبراطور» أبعد من ذلك، فيقول: «سمير جعجع بتصرفاته يؤكد أنه يشكل خطراً على السلم الأهلي في لبنان، وهو لا يمكن أن يدّعي علينا عندما يكون قد ارتكب تلك الأفعال... أرى اليوم أنّ على القضاء أن يعيد النظر في قرار العفو عن جعجع».
يعد الفترياديس بقول الكثير يوم الاثنين المقبل، في جلسته أمام قاضي النيابة العامة التمييزية، مع معرفته أن شخصيته ستجذب إليه، وإلى «قضيته» تالياً، الكثير من الأضواء... التي «لن تفيد إلا في تسليط المزيد من الضوء على إجرام سمير جعجع».


يمكنكم متابعة محمد نزال عبر تويتر | Nazzal_Mohammad@