عدد القتلى اليوميّين في العراق: رئيس الحكومة يحذّر من اندلاع حربٍ أهليّة. هذا الحاصل اليوم ما هو؟ حضارةٌ أهليّة؟نكاد ننسى الحرب في سوريا. الوحشيّة التي يتساقط بها القتلى في العراق بدأت تقنعنا بأنّنا لا نستحقّ معاملةً أفضل. وحوشْ ولمَ لا؟ أغبى ما في هذا أنّنا نحسب أنفسنا أسياد مصيرنا.

يكتب فاروق يوسف في «ملحق النهار» تحت عنوان: «نحن خير أمّةٍ أُخرجتْ للناس»: «حينها تذكّرتُ قتلى الحرب العراقيّة _ الإيرانيّة من الطرفين المؤمنين. كان العراق يرسل شهداءه إلى الآخرة بعد أن يعدّهم للالتحاق بسعد بن أبي وقّاص ورفاقه في معركة القادسيّة الأولى. في المقابل كانت إيران تفعل الشيء نفسه، غير أنّ شهداءها كانوا يلتحقون بقتلى موقعة الطفّ، وفي مقدّمهم يقف أبو عبد الله الحسين. كانت المفاتيح الصغيرة التي صُنعت في الصين هي الرمز السريّ الذي تتعرّف من خلاله الملائكة إلى ضالّتها. علينا أن نتخيّل مشهد الضحايا هناك. أقصد في مكان الانتظار. مَن قَتَل مَن؟ الماكينة نفسها لا تزال تعمل في أماكن مختلفة من العالم العربي».
شرق أوسط الموت. لكنّ أميركا أطلّت على إيران بابتسامة، فلنستبشر. ما نحن إلّا براغٍ في الماكينة.

شهر أيلول شهر الكلمات الطويلة. غدّار. دامع العينين على فراغ قلب. شهر انغلاق أبواب وانفتاح أبواب.
السائل عنك يوحي لك أنّه يشاطرك. أحاول أن أحصي اللامبالين. الخروج من هذه السيرة يحصيهم وينهيهم. لا تضعف، أقول له.

أرى وأسمع موسيقى «أرتي» أو «ميتزو» فأقول: لماذا لا يتعهّدنا هؤلاء؟ ثم أضجر. ويأتي دور بان كي مون والصليب الأحمر فأقول هذا هو الحلّ. لكنّ المرجعين المذكورين لا يريدان. ثم أقول لمَ لا تحتضننا فرنسا؟ خبزها طيّب وعندهم مكان لكلّ واحد. وطبعاً فرنسا ترفض فلا يبقى غير أميركا. لكنّ أميركا لا تريدنا الآن قبل أن تنتهي من تمزيقنا.
إذاً مَن؟ الروس؟
لا حول ولا قوّة إلّا بالله!

من الكتب التي وجدتها لدى عودتي إلى «الأخبار»: «شعراء أعلام من المشرق العربي» للدكتور ميشال خليل جحا. دارا «صادر» و«نلسن». 778 صفحة من القطع السميك. تصدير لإحسان عبّاس. من أفضل ما في هذا الكتاب أنّه لم يذكرني. يقول في مقدّمته: «أنا أعترف بأنّ هناك شعراء مهمّين لم يتّسع المجال لتناولهم في هذا الكتاب. إنّ عدم تناولهم لا يعني أبداً إنقاصاً من قيمتهم». من الواجب الشكر. لا أحسد سائر الشعراء على ضبّهم في هذا الكيس.
من الكتب الواردة «نقولا الحداد الأديب العالِم» لسلمى مرشاق سليم، عن الشامي المصري الصيدلي الكاتب. «نموذج كامل الأوصاف عن المثقف في طبعاته العربيّة الأولى». كنّا نتمنى خلوّ الغلاف الأخير من عبارتَي «الصيدلاني _ الأديب في آن واللبناني _ المصري في آن». لا معنى للفظة آن وحدها دون تحويلها إلى عبارة كاملة كقولك «في آن واحد». أو «في الآن ذاته».
بين الكتب الجديدة «من جورج واشنطن إلى أوباما _ الولايات المتحدة والنظام الدولي» للدكتور حسين كنعان، عن «دار النهار». ينظر المؤلّف بعطف وإيجابيّة إلى الموضوع الأميركي ولا يستعديه سلفاً ويشير إلى منابع يستطيع القارئ العربي من خلالها فهم العقليّة الأميركيّة فهماً أعمق.
مفاجأة أخيرة: كتاب «الشوير وتلالها _ سجلّ مصوّر» لبدر الحاج، عن «دار كتب». الصورة الأولى لمصوّر مجهول: الدكتور خليل سعاده وعائلته في 20/11/1912. الصورة الثانية لنسيب خنيصر عن كنيسة المخلّص للروم الكاثوليك في ضهور الشوير في الثلاثينات من القرن العشرين. الصورة الثالثة لوديع مجاعص، صفحة زجاجيّة تمثّل غطّاس عطايا حوالى عقد العشرينات من القرن الماضي. الرابعة لوديع مجاعص عن رشيد زغيب حوالى عقد 1920. الخامسة لنسيب خنيصر عن سيّدة شويريّة حوالى عقد 1930. إلى المقدمة فالأقسام. أعرف كثيرين، أنا منهم، سيتحلّب ريقهم لتصفّح هذا الكتاب ويتمنّون لو كان لبلداتهم وقراهم مثله. غزير، بكفيا، زوق مكايل، جزّين، تنورين، عمشيت، عاليه، دير القمر، بيت الدين، حصرون، اهدن، بشري، بنت جبيل، مرجعيون، راشيا، بعلبك، زحلة، انطلياس، دوما، بيت شباب... مشروع يحتاج إلى وزارة ثقافة. ولبنان بحاجة إلى وزارة ثقافة أكثر ممّا هو بحاجة إلى حكومة.
ماضينا متجذّر في رؤوسنا. نستعيده في الفولكلور الغنائي فلماذا لا يُستعاد أيضاً بالصورة والكلمة؟ مشروع كمشروع بدر الحاج غرسةٌ في حقلٍ فارغ. دعونا نراه يتوالد.

كان أبي يقول لي: «عمول حالك مش عارف». بهذا كان يعالج ثلاثة أرباع مشاكله. الصديق إميل منعم يذهب أبعد: «اليوم _ يقول _ يموت الواحد ثم يسترجعونه. يكون ممزّقاً إرباً ويعيدون تركيبه. لا تنقّوا. يعيش نيتشه!».
كان نيتشه يكابر. يزكزك نفسه ليقهقه. أما من قوّةٍ سوى هذه؟ أما من صحّة حقيقيّة؟
أهل الجبال.
قوّة ابن الجبل.
بثقافة وبدونها.

هذه المرأة التي تترقوَص على الشاشة أهذه هي الفرح؟
أعدني أرجوك إلى الهورس شو، عند السيّد منح دبغي، قبل الحرب (أيّ حرب!؟) بأربعين سنة. كنّا ملوكاً. أرادت إحدى الأطروحات أن تكتشفني. أيّها الأعزّاء الذين تغارون عليّ ولا تعرفون مَن أنا، كم كتاباً يجب أن يؤلّف المرء؟ كم قرناً يلزم أن ينشر في صحف لبنان حتّى يصبح معروفاً؟ كم قرناً يلزم لهذه الأجيال حتّى تعرف آباءها؟ أجدادها؟ لعلّنا يجب أن نُطوّب قدّيسين. لكن ألسنا كذلك؟ هل في لبنان قدّيس أكثر ممّن أمضى الأعمار يكتب في بلدِ الأجرة والثراء الأسرع من البرق وهو لا يزال يحتاج إلى نوّاصة كي يراه اثنان ثلاثة من العابرين؟

هل يمكن أن أقول ما لم أقل؟ بعضه، بعضه فقط!؟ ترتعد أوصالي لمجرّد الخاطرة. قد يؤتى هذا في «الحالات الثانية»، تحت البنج، أو في مسامرة تجرف خلالها الحماسة حواجز وتفكّ قيوداً، لكنّها سوانح. ليتني أنام وتنطق ذاكرتي وذهني فيما أحدٌ يسجّل لي. كأنّ كلّ ما حصل معي أو شهدتُ له أو عليه حصل ثقة منه بامتناعي عن ترداده. إذا كانت هذه وساماً لي من القَدَر فأستطيع أن أعتبره لا رشوة فحسب بل سجناً. إنّه القفص الذي أُسرَتْ فيه روحي باسم الوفاء.
ولستُ نادماً حقّاً ولا آسفاً إلى حدود التراجع. إنْ هيَ إلّا أَنّة.





عابــــــرات

نظرةٌ تجد فوراً نقطة الضعف فيك مهما كنتَ مغلّفاً، وتخترقها.

■ ■ ■


العينُ تَشتدُّ حين يلين القلب، والقلبُ شديدٌ حين العين طريّة.

■ ■ ■


يسقط عنّا سحر فنطارد سحراً آخر. وُلد الشعراء ليقعوا في الحبائل. إنّهم غرباء الأمم، والكبير فيهم، من فرط غربته، لا يعرف إنْ كان يمشي على الأرض أو هي الأرض تمشي عليه.

■ ■ ■


كما يخلق الله كائناتٍ لا تُصدّق أنّه خَلَقها، يخلق الشاعر أشخاصاً ومناخات، أحلاماً واستجابات، ولا يصدّقه أحد.
الله يعرف مسبقاً. الشاعر لا يعرف.