وزّعت جمعية مصارف لبنان بيانا امس ينطوي على اقرار ضمني برفع اسعار الفائدة لدى بعض المصارف، الا انها سعت الى التقليل من اهمية الخطوة، واثارها السلبية على المؤسسات الخاصة والاسر المأزومة في ظل الظروف القائمة، فشرح البيان ما هو معروف عن ان اتفاقيات القروض الجارية بين المصارف وعملائها تسمح باجراء مراجعة لمعدلات الفائدة على نحو دوري وطبيعي وبعلم المقترض!وحاولت ربط الاجراءات الاخيرة التي كشفتها «الاخبار» بما سمّتها «المنافسة» في السوق المصرفية اللبنانية وتقلبات الفوائد، استناداً إلى حركة «العرض والطلب»، فضلا عن تطورات الفوائد في الأسواق العالمية (التي شهدت ارتفاعا في الاونة الاخيرة)، كما حاولت امتصاص رد فعل اكثرية الزبائن «غير المحظيين»، الذين ترتبت عليهم الكلفة الاضافية دون غيرهم، عبر الاشارة في البيان الى الاختلافات في انواع القروض الممنوحة (قرض مغطّى بضمانات أو غير مضمون).

وخلصت الى ان «مراجعة معدّلات الفائدة المطبقة على التسليفات اخيرا تتناسب إلى حدّ كبير مع فترة مراجعة معدلات الفائدة المطبّقة على الودائع»، مشيرة إلى ان هذه الخلاصة كافية لتفسير المفارقة المفجعة التي سجّلها زبائن كثر خضعوا لخفض متدرج على اسعار الفوائد على ودائعهم بالليرة وبالعملات الاجنبية طيلة الفترة الماضية، فيما أُبلغوا رفع اسعار الفائدة على تسليفاتهم!
جاء هذا البيان في ظل نقاشات كثيرة تحصل حاليا داخل اروقة المصارف، ولا سيما المصارف المتوسطة والصغيرة التي تقل حصّتها مجتمعة عن 10% من مجمل الودائع والتسليفات. فموجة رفع اسعار الفوائد بين 0.5 و1 نقطة مئوية اطلقتها اخيرا المصارف الثلاثة الاكبر (عودة- سردار، لبنان والمهجر، وبيبلوس)، التي تستحوذ وحدها على 44.6% من مجمل موجودات القطاع المصرفي في لبنان، و54.8% من مجمل ارباحه المقدرة بنحو 1620 مليون دولار، بحسب احصاءات نهاية عام 2012. وبالتالي يدرك الجميع ان التركّز الشديد الذي يتسم به القطاع المصرفي المحلي يسمح للمصارف الاكبر بان تقود اتجاهات السوق وتسيطر عليها، ويدحض اي مزاعم عن وجود «منافسة» وحركة «عرض وطلب» تؤثّر في اسعار الفائدة. وتكفي الاشارة في هذا السياق الى ان حصة 13 مصرفا من اصل 71 مصرفا في لبنان تبلغ 89.6% من الودائع، بالاستناد الى لائحة مصارف Alpha.
يقول مدير احد المصارف المدرجة على هذه اللائحة إن مصرفه لم يتخذ قرارا بعد بمجاراة اتجاه رفع اسعار الفائدة على التسليفات (ولا سيما المجددة والجديدة)، فهو لا يرى حاجة فعلية الى ذلك، في ضوء استقرار الارباح، الا انه يتساءل عمّا اذا كان مصرفه قادراً على معاكسة هذه الاتجاه الى ما لا نهاية؟ مشيرا إلى ان هذا التساؤل مطروح عند كل المصارف التي لم تسارع الى رفع اسعار الفوائد لديها.
بحسب المعلومات المتداولة، هناك ما لا يقل عن 7 مصارف اجرت حتى الآن مراجعة لاسعار الفوائد على القروض، وبالتالي بات هذا الاتجاه امراً واقعاً، وهو يتماشى مع رفع الفائدة على شهادات الايداع التي يصدرها مصرف لبنان، وسندات الخزينة التي يصدرها المصرف المركزي لمصلحة وزارة المال. الحجّة التي يجري تسويقها لتبرير هذا الاتجاه هي خوف المصارف نفسها من تراجع ارباحها في هذا العام (وهذا ليس كارثيا ابدا) واحتمال ان تضطر لاحقا في مرحلة ما إلى رفع اسعار الفوائد على الودائع، لكي تحافظ على نموّ هذه الودائع، التي تجاوزت قيمتها 135 مليار دولار. يشير مصرفي (رفض ذكر اسمه) إلى أنه لا خوف على الارباح، فمصرف لبنان قام باللازم من خلال تكثيف اصدارات شهادات الايداع، ومنح المصارف في هذا العام تسليفات بقيمة 1.4 مليار دولار بفائدة 1% فقط، ثم منحها تسليفات مستغربة بقيمة 400 مليون دولار بفائدة صفر لكي تشتري حصصاً في ما يسمى شركات ناشئة!
تقول جمعية المصارف في بيانها «إن بنية الفوائد في لبنان مستقرّة، ولم تتأثر سلباً رغم الأوضاع السائدة محلياً وإقليمياً، وهي عند أدنى مستوياتها راهناً. وقد بلغت كلفة محفظة سندات الخزينة بالليرة اللبنانية وبالعملات الأجنبية 6,74% عام 2012، و6,59% في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2013، مقابل 7,83% عام 2010. كذلك استمرّ المنحى الانخفاضي ولو على نحو بسيط لمعدلات الفائدة المدينة المثقّلة المطبّقة على المحفظة الإجمالية لتسليفات القطاع الخاص إلى 7,3% عام 2010، ثم إلى 7,1% في عام 2012 والأشهر السبعة الأولى من عام 2013». وتشير إلى «أن معدل الفائدة المثقّل على التسليفات بالعملات الأجنبية، التي تمثّل غالبية التسليفات الممنوحة للقطاع الخاص، قد انخفض تدريجياً من 5,81% في عام 2010 إلى 5,40% في الأشهر السبعة الأولى من عام 2013». وتُعدّ الجمعية هذه النسب منسجمة» مع معدلات الفائدة الرائجة في الدول الناشئة المماثلة وحتى الدول المتقدّمة. فعلى سبيل المقارنة، يبلغ معدل الفائدة المدينة حوالى 12% في مصر، وحوالى 13% في العراق، و9% في الأردن، وحوالي 8% في كلّ من اليونان وإيطاليا، و6% في فرنسا».
احد المصرفيين (رفض ذكر اسمه) ابتسم عند الطلب منه ان يشرح معنى هذه المعدلات الوسطية، اكتفى بالقول «إنها صحيحة، لكنها تخفي الاتجاهات الاخيرة الرامية الى رفع اسعار الفائدة». كيف؟ يقول إن المعدّل يُحتسب على فترة زمنية محددة، وهو لا يبيّن الهامش بين الحد الادنى لسعر الفائدة والحد الاقصى الذي يصل في حالات كثيرة الى ما بين 4 و5 نقاط مئوية. وهذا يؤكد وجود مقترضين بسمنة، ومقترضين بزيت.
ومع ذلك، تلفت الجمعية إلى «أن صغار المقترضين يستفيدون إلى حدّ بعيد من القروض المدعومة الفوائد»، (وهي مدعومة من المال العام لا من ارباحها ابدا)، التي تشمل قطاعات عديدة كالصناعة والسياحة، ولا سيّما السكن. وتشير الى «أن التسليفات المصرفية للأفراد المعروفة بالقروض الشخصية، سجّلت في السنوات الأخيرة ارتفاعاً كبيراً، وباتت تمثّل أكثر من 26% من القيمة الإجمالية للتسليفات الممنوحة للقطاعات الاقتصادية». وتشير ايضا الى «أن هذه التسليفات تشمل في جزء كبير منها قروضاً سكنية تستفيد من تنزيل من الاحتياطي الإلزامي، أو من الالتزامات الخاضعة للاحتياطي الإلزامي، ولا يتعدّى معدل الفائدة المدعومة عليها نسبة 6%. وقد ارتفعت محفظة القروض السكنية من 6780 مليار ليرة نهاية عام 2010، إلى 11819 ملياراً في نهاية حزيران 2013، حيث وصل عدد المستفيدين إلى 89679 شخصاً، أي حوالى 12,6% من العدد الإجمالي للمستفيدين».
ليس واضحا هدف الجمعية من ذكر هذه التفاصيل، اذ لا يمكن ان تكون قاصدة التعمية على حظوة «كبار المودعين والمقترضين»، فتقريرها السنوي الاخير يشير بوضوح الى ان 0.24% من المقترضين لديهم 47.48% من القروض. وهذا يكفي للدلالة.
(الأخبار)