هكذا، ببساطة مفرطة، يقرر النائب ميشال فرعون أن «هيدي» الأرض العائدة لمصلحة سكك الحديد والنقل المشترك في كرم الزيتون في الأشرفية «بدنا ياها». لا كلام آخر في جعبة الحريص على ناسه في الكرم الفقير. الأمر بهذه البساطة. ثمة أرض، متروكة منذ عشرين عاماً، ويريدها فرعون. هكذا، بصلافة، يقرر النائب أن الأرض المصنّفة أملاكاً عامّة يسهل نقلها بـ«البلطجة». تلك التي ينتفي معها الحاجة إلى تطبيق القانون.

أول من أمس، نفد صبر فرعون. استشاط غضباً لأن الدولة لم تتفهم موقفه تجاه فقراء منطقته، حين قرر «استعارة» أرض المصلحة وتزفيتها لتحويلها لاحقاً إلى ملاعب رياضية، معتمداً، حسبما صرّح، على موافقة «شفهية» من وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي، قبل عام. ولهذا، يريد اليوم أن يجبر الدولة على تفهم الموقف «بالطريقة التي نراها مناسبة». هكذا قال. لكنه نسي أن ما يفعله باسم الفقراء هو اعتداء على أملاكهم التي هي نفسها أملاك تلك المصلحة التي لم تمت بعد. فما الذي يعنيه مشروع فرعون الرياضي سوى أنه قضمة أخرى لمشروع إعادة إحياء مصلحة السكك الحديد؟ هل سمع أحدكم مثلاً بمرسوم إزالة التعديات عن أملاك مصلحة السكك الحديد التي بيّنت وجود 1500 تعدٍّ «مثبت» وأكثر من ألف قرار قضائي يقضي بإزالة التعديات لم ينفّذ منها شيء حتى هذه اللحظات؟ هل سمع أحدكم بها؟ ربما، قليلون سمعوا، ولكن على الأرجح من المفيد التأكيد أن ما يحاول فرعون تمريره هو تعدٍّ يضاف إلى تلك التعديات.
مهما كانت مبررات هذا الأخير وتوجسات المعارضين المنقوصة وأماني الناس، ثمة أرض عامة لا يحق لأحد التصرف بها وكأنها ملك سائب. لا أحد، مهما تكن هويته ودوافعه. ثمة قانون يعاقب، وإن كان ميتاً هنا. ثمة شيء اسمه ملك عام، أي «ملكي وملكك وملك كل الناس وليس لشخص بعينه». وما حاول فعله فرعون هو «مخالفة»، بهذه العبارات يردّ المدير العام للمصلحة زياد نصر. فما الذي حصل فعلاً؟
أول من أمس، دخلت إلى أرض المصلحة في كرم الزيتون شاحنات محملة زفتاً بطلب من النائب فرعون. لم تكد تلك الشاحنات تصل، حتى اعترضت طريقها باصات النقل المشترك التي حلت على عجل في أرضها. وقع الشر بين طرفين يصران على «الحق». بين فرعون، المتأبط بفرح ناس الكرم الفقير، والمصلحة التي لم تُسأل عن رأيها باستعارة أرضها. حضرت القوى الأمنية. فضّ الإشكال ولم تنته القصة. اليوم، ستحضر الشاحنات ربما والباصات. سيحصل الصدام، ولن تقدر القوى الأمنية على الفضّ دائماً بطريقة لائقة. فرعون لن يقبل إلا «أن تكون الأرض بتصرف أهل المنطقة»، بحسب قوله، والمصلحة لن تقبل بتمرير «المشروع في يوم عطلة وبطريقة مخالفة للقوانين»، يقول نصر. أما المتوجسون في المنطقة، فهم الخائفون من «قطف» فرعون ثمار المشروع وحده. لا أكثر من ذلك. يقولون إنهم ليسوا ضد مشروع «استثمار الأرض للترفيه»، لكنهم ضد «التشبيح والميليشيوية». وهم على استعداد لمؤازرة فرعون في عمله «شرط أن يسير بالطريقة القانونية»، يقول زياد عبس، القيادي في التيار الوطني الحر.
اعتراض التيار على تصرف فرعون «البلطجي» والمخالف للقانون، وليس على التعدّي تحت اسم استعارة أملاك عامة. فهذه الأخيرة «واردة، وقد فعلتها بلدية بيروت منذ بضعة أعوام عندما استثمرت أراضي هناك لفتح ملاعب رياضية، على أن تعيدها بناءً على طلب مصلحة السكك الحديد». وهي الأراضي التي صدر بها مرسوم في مجلس الوزراء.
أما الأرض الحالية، فلم تحظ إلا بـ«موافقة شفهية» قالها العريضي يوماً ولا يعوّل عليها. وقد بنى عليها فرعون. وبنى على أشياء أخرى خولته ربما القفز عن القانون، هو أن «البورة متروكة منذ 20 أو 30 سنة، وهي مرتع للمخدرات والوسخ والجرذان». ثمة ما يعوّل عليه فرعون «ألورقة التي تقدمنا بها إلى وزارة الأشغال قبل عامٍ من الآن، وقد نلنا موافقة الوزير شفهياً، وعندما أتينا لننفذ قال لنا أن نتريث قليلاً؛ لأنّ عندي معارضة من وزير بالحكومة محسوب على التيار الوطني الحر، ومنعاً للإحراج؛ لأنّ الجو كان جو انتخابات». تريث النائب، ولكن ليس لوقتٍ طويل. ومعتمداً على الموافقة الشفهية، قرر البدء بتنفيذ المشروع من خلال «تزفيت البورة وإيجاد مكان لينفس الناس فيه في تلك المنطقة الفقيرة». ويسأل: «هل هذه جريمة؟». ربما، خدمة الناس ليست جريمة، لكن الجريمة «هي مخالفة القانون»، يقول نصر. فبحسب هذا الأخير، لا وجود لملف «لهذه الأرض في الوزارة، أضف إلى ذلك أن الموافقة الشفهية لا يعول عليها، وما تبين أن هذا العقار يجري إشغاله خارج الأصول». والمطلوب؟ «العمل ضمن الأصول، ما يعني قانوناً التقدم بطلب إلى المصلحة لبتّه، وهي المكلفة النظر في قانونيته ودرس الهدف لإصدار الموافقة أو عدمها». وفي كل الأحوال «لأ»، لا يمكن أن يحصل إشغال لملك عام من دون مرسوم صادر عن مجلس وزراء»، وهو ما لا يمكن حصوله اليوم. فكيف فعلها فرعون؟ يستند هذا الأخير إلى أحاديث شفهية في عام 2001، يوم كان وزيراً في الحكومة. يومها، قال فرعون لرئيس مجلس الوزراء الراحل رفيق الحريري: «بدي ملاعب بمنطقة الفيات»، وهذه الأخيرة تساوي مساحة 10 آلاف متر مربع من أراضي مصلحة السكك الحديد. بعد يوم، أرسل الحريري في طلب فرعون، «أراني خريطة وقال إن هناك 170 ألف متر مربع تعود لمصلحة السكك الحديد وسأعمل على وضعها بتصرف الدولة؛ فقد تستغلها في إيجاد مساحات خضراء». لكن بما أن النائب فرعون، الوزير في حينها، يعرف «شو بصير بالدولة، طالبت بالـ10 آلاف متر مربع ويومها صدر مرسوم عن مجلس الوزراء بها». وبعد سبع سنوات على المرسوم، افتتح فرعون وبلدية بيروت الملاعب عند جسر الفيات. لكن، مهلاً، ماذا عن أرض كرم الزيتون؟ يقول فرعون إنه «في الوقت نفسه لصدور المرسوم، طلبنا أن نقيم ملاعب رياضية في كرم الزيتون؛ لأنها من أفقر المناطق وتحتاج إلى فسحات خضراء، وطالبنا بقرار». لكن لم يصدر حينها مرسوم، «وراحت القصة وإجت وعندما شعرنا بأنها ستأخذ سنوات، نزل مجموعة من نواب المنطقة ومنهم سيرج طورسركيسيان وقدمنا طلباً في وزارة الأشغال وافق عليه الوزير شفهياً». وبعد فترة «زرت شخصياً الوزير وأبلغني بموافقته الشفهية، وقال ما في مشكلة». وعلى أساس هذه «اللفتة» من العريضي، بدأ فرعون بمشروعه «حبّة حبّة». أولاً التزفيت وإيجاد «فسحة ليتمشى الناس»، وعندما تسنح الفرصة وتصير الموافقة الشفهية خطية «نباشر بالملاعب». وهذا ما لا يستطيع نصر السماح به لأنه بحاجة إلى الموافقة الخطية «قبل التنفيذ»، وهو ما لا يعجب فرعون المصرّ الآن على المشروع، وهو يقول بتحدٍّ لافت إنه «ما رح يتعرقل». وإن حدث العكس ـ يهدد فرعون ـ «فسنكشف عن تورط المصلحة، وعلى رأسها نصر في صفقة مشبوهة يسعون من خلالها إلى تأجير الأرض». وثمة من يتحدث عن مفاوضات قامت بها شركة وكالة السيارات (كيا) للسماح لها باستخدام البورة كموقف لسياراتها». وبعيداً عن مدى صحة هذه أو عدمها، ثمة ما لا جدال فيه: سواء أكانت «كيا» أم فرعون، الأملاك العامة يجب ألا يستمر التفريط بها، وأملاك مصلحة السكك الحديد هي حاجة للجميع كي يبقى أمل بعودة القطار يوماً ما.