يُنتظر أن يخرج اليوم إلى العلن، مرّة جديدة، الخلاف الدائر داخل بلدية طرابلس بين رئيسها نادر غزال وأعضاء مناوئين له، وهو خلاف لم يتوقف منذ الأشهر الأولى التي تلت انتخابات 2010، لكنه يكتسب هذه المرة دخول هيئات المجتمع المدني طرفاً فيه، ولكن منقسمين على أنفسهم على «شاكلة» الصورة داخل بلدية عاصمة الشمال.
ففي موعدين متقاربين حدّدا بعد ظهر أمس، سيُعقد لقاءان متعلقان بالأزمة المستفحلة داخل بلدية طرابلس بدعوة من ناشطين وهيئات وجمعيات في المجتمع المدني، الأول يعقد في قصر رشيد كرامي الثقافي البلدي (قصر نوفل سابقاً)، والثاني في بيت المغترب اللبناني، في مركزين لا يبعد أحدهما عن الآخر أكثر من 200 متر تقريباً.
لكن هذه المسافة القريبة جغرافياً بين الموقعين، لم تحجب الهوة الواسعة بينهما عملياً بالنظر إلى خلفيات وأهداف الاجتماعين ومن يرعاهما، إضافة إلى مضمون النقاشات التي ستكون حاضرة فيهما، والنتائج التي ستسفر عنهما.

اعملوا أو ارحلوا

اللقاء الأول سيعقد بدعوة من ناشطين أنشأوا حملة أطلقوا عليها اسم «اعملوا أو ارحلوا»، موجهة إلى غزال والأعضاء، تدعو هذه الحملة إلى «حوار للتوصل إلى اتفاق بين جميع مكونات البلدية من أجل مصلحة المدينة»، و«الخروج ببرنامج عمل للسنوات المقبلة لتصويب العلاقة ضمن إطارها العملي، وإخراج المجلس من المناكفات».
لكن هذا اللقاء يبدو محفوفاً بالمخاطر، وقد يزيد الانقسام داخل البلدية، لأنه سيكون مفتوحاً وستناقش فيه المواضع الخلافية أمام ممثلين عن المجتمع المدني، ويُرجّح أن يحضره غزال، حسب ما أكدت أوساطه، برغم أنه يقاطع جلسات المجلس البلدي بسبب خلافات بينه وبين الأعضاء، الذين رجّح أحدهم لـ«الأخبار» أن «لا يزيد عدد الأعضاء الذين سيحضرون اللقاء على عشرة حدّاً أقصى».
رئيس لجنة البيئة جلال حلواني، أحد الذين سيحضرون اللقاء، أوضح لـ«الأخبار» أن اللقاء «هو عبارة عن جلسة حوار وهي ليست جلسة رسمية»، داعياً إلى «التعايش» مع الأمر الواقع داخل البلدية الذي وصفه بأنه «زواج بالإكراه»، لأنه «لا إمكانية لإجراء انتخابات بلدية مبكرة إذا فرطت البلدية»، معتبراً أن «المخرج» الذي يتحدث عنه البعض بأن يصيب بلدية طرابلس ما أصاب بلدية الميناء، التي حلت، هو مخرج «نادمون عليه في الميناء حالياً».
لكن رئيس لجنة الأشغال خالد صبح، وهو أعلن أنه سيقاطع اللقاء، له رأي آخر. فهو أوضح لـ«الأخبار» أن «عنوان الحملة، «اعملوا أو ارحلوا»، فيه افتئات على الأعضاء، لأن المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق الرئيس، الذي يملك أغلب الصلاحيات، وليس الأعضاء»، لافتاً إلى أن البلدية «اتخذت قرارات عدة بقيت بلا تنفيذ، مثل محطة التسفير وأشغال الزفت والإنارة، لأن الرئيس يرفض التوقيع عليها».
صبح الذي استغرب «حماسة» غزال لحضور لقاء من هذا النوع، بينما هو يغيب عن جلسات المجلس البلدي الرسمية، لفت إلى أن «الدعوة للقاء جاءت في وقت ضيق»، ما جعله يشير إلى أن غزال «إذا أراد فعلاً أن يفتح صفحة جديدة مع الأعضاء، وأنه يسعى جدياً نحو التوافق، فليس هذا هو الطريق الذي يؤدي إلى الهدف، بل عليه أن يحدد جلسة ويحضرها، ويضع على جدول أعمالها البنود والقضايا الخلافية والمؤجلة، التي يجب أن تناقش بشفافية، وإيجاد المخارج المناسبة لها».

كشف الفساد

وبينما يبدو اللقاء الأول كأنه يعمل ضمناً على دعم غزال، لجهة تحميله وبقية الأعضاء مسؤولية الفشل في المجلس البلدي، وليس تحميله وحده تبعات ذلك. فإن اللقاء الثاني الذي سيعقد تحت عنوان «كشف الفساد الحاصل في بلدية طرابلس»، يُصوّب سهامه نحو غزال تحديداً.
ناشطون عملوا على التحضير لهذا اللقاء كشفوا لـ«الأخبار» أنه «ستعرض فيه وثائق تدين غزال، وتكشف الفساد الحاصل في البلدية في عهده»، موضحين أن من بين هذه الوثائق واحدة أصدرتها هيئة التشريع والاستشارات (رقمها 376 أ/2012)، توصي فيها الوزير مروان شربل بأن يطبق القانون على غزال، ويجبره على إعادة أموال قبضها من بلدية طرابلس واتحاد بلديات الفيحاء كمخصصات له (تقدر بنحو 400 ألف ولار)، كونه أستاذاً في الجامعة اللبنانية وما يزال يقبض راتبه منها حتى اليوم، والقانون يمنع الجمع بينهما».
لكن شدّ الحبال هذا يبدو كأنه سباق في «الوقت الضائع» قبل اللقاء المنتظر عقده في منزل الوزير أحمد كرامي يوم الثلاثاء المقبل، وهو لقاء طرح عقده الرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد كبارة، وسيحضره وزراء ونواب طرابلس كافة، إلى جانب غزال وبقية الأعضاء، وهو لقاءٌ ينتظر أن يضع الكثير من النقاط على الحروف بما يخصّ أزمة بلدية طرابلس.
وحسب مطّلعين على التحضيرات الجارية للقاء، فإن «الخيارات» التي سيخرج بها لن تكون واسعة، فإما إيجاد تسوية تنهي واقع البلدية المصاب بالشلل، وإمّا أن يبقى الوضع على حاله في البلدية، وهذا يُعدّ فشلاً للقوى السياسية في طرابلس وليس للبلدية فقط لأنهم هم من جاؤوا بهذا المجلس البلدي التوافقي رئيساً وأعضاءً وحصصاً عام 2010. ولكن هناك خيارات أخرى يفكّر فيها البعض كتوفير الدعم لغزال من أجل استكمال ولايته الثانية على رأس البلدية أو تمكين الأعضاء المعارضين من تسجيل «نقطة» على غزال لصالحهم ودفعه نحو الاستقالة أو الوصول إلى «أبغض» الحلول، أي فرط البلدية وحلّها.