بينما كان العالم والأميركيون وقادة الأساطيل البحرية والإعلام الدولي يتهيّأون لأمر حرب فوري على سوريا يعلنه باراك أوباما، خرج الرئيس الأميركي مساء الجمعة ليتمشّى. خلال 45 دقيقة، في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، سار أوباما برفقة كبير موظفيه دينيس ماكدونوف، واتخذ قراراً مفصلياً في مسيرته وفي سياسة بلاده الخارجية. «سأحوّل قرار تنفيذ الهجوم على سوريا إلى التصويت في الكونغرس»، قالها الرئيس لمستشاره.
ونُقل عن ماكدونوف قوله إن الرئيس أعطاه حجّتين حول قراره الأخير: الأولى أنه يريد أن تكون هناك محاسبة سياسية في قرار الحرب للمؤيدين وللرافضين، وأن موافقة الكونغرس تعطي دعماً إضافياً للحرب. والحجة الثانية، هي أنه لا يملك الدعم الدولي الكافي لاتخاذ هكذا قرار بنفسه، بعكس ما جرى في الحرب على ليبيا.
بعد إبلاغ ماكدونوف، توجّه الرئيس عند الساعة السابعة مساءً الى اجتماع في المكتب البيضاوي ضمّ كبار مساعديه ودام حوالى ساعتين. التسريبات الصحافية تقول إن كل الذين كان كانوا حاضرين في ذلك الاجتماع المسائي فوجئوا بقرار رئيسهم، إذ «لم يتحدّث عنه سابقاً مع أي من مستشاريه». لكن، أوباما، حسب التسريبات، شرح لفريقه «كيف أنه يقف وحيداً» في هذه الأزمة بعدما تراجع معظم رؤساء الدول الحليفة عن قرار الحرب، ونبّههم الى رسالة أعضاء الكونغرس التي تسلّمها قبل ساعات والتي يدعوه فيها حوالى 150 ممثّلاً للأمة الى «وجوب العودة اليهم قبل اتخاذ أي قرار بشأن الحرب». الرئيس ذكّر فريقه بتصريح صحافي له يعود إلى عام 2007 يقول فيه إنه «سيلجأ الى طلب موافقة الكونغرس قبل أي قرار بشنّ حرب في غياب تهديد وشيك لأمن الولايات المتحدة». الرئيس عرض أيضاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة التي تشير الى عدم تأييد معظم الأميركيين لحرب جديدة أو حتى لضربة محدودة. أوباما نقل أيضاً للمجتمعين كلام رئيس هيئة الأركان في الجيش الجنرال مارتن ديمبسي الذي أكّد له قبل أيام أنه «ليس هناك ضرر عسكري في مسألة الانتظار». «لا أركّز على إنقاذ حياة السوريين ولا أسعى الى قلب موازين القوى في الحرب، لذلك ما من حاجة للتصرّف بشكل فوري الآن»، نقل بعض مساعدي أوباما عنه. وفي الخلاصة، قال هؤلاء، أوضح الرئيس أنه «أراد أن يتشارك مع الكونغرس مسؤولية ما يحصل في سوريا».
بعد كل تلك التبريرات، إضافة الى ذرائع اخرى لم يسرّبها الحاضرون، انتهى اجتماع المكتب البيضاوي ووافق الجميع بحلول يوم السبت على قرار الرئيس. ثم خرج أوباما ليقول للعالم «يجب أن تتخذ الولايات المتحدة موقفاً عسكريا رداً على الهجوم الكيميائي المميت في سوريا. لذا سأطلب موافقة ممثلي الأميركيين في الكونغرس على استخدام القوة (...) وأدعوهم الى الموافقة على هذا الطلب باسم الأمن القومي». أوباما ذكر أنه يدرك تماماً أن «لديه السلطة لاتخاذ قرار الهجوم من دون اللجوء الى الكونغرس»، لكنه فضّل المسار الديموقراطي والاستماع الى إرادة الأميركيين. أخرج الرئيس الأميركي مفاجأته الى العلن، وبعد انتهاء تصريحه، استقلّ سيارة الليموزين الرئاسية وتوجّه الى ملعب الغولف لممارسة رياضته المفضلة مع أصدقاء.
غادر الرئيس الى الملعب الأخضر، تاركاً زوبعة من التعليقات والتحليلات التي لم تخل من التناقضات. ولعلّ أبرزها تلك التي صدرت عن بعض مستشاريه حول «ثقتهم بموافقة الكونغرس على طلب أوباما» فيما أعاد آخرون التكهنات الى نقطة الصفر عندما أعلنوا أن «الرئيس مستعد للمضي بهجومه العسكري على سوريا، حتى لو رفض الكونغرس ذلك».
التعليقات المباشرة على قرار الرئيس قارنت بين تخطّيه للكونغرس في قرار المشاركة في الحرب على ليبيا وقراره الحالي. «سوريا هي الجهة المعاكسة لصورة إدارة أوباما في المرآة، فهو الآن يطلب المساعدة الداخلية لأنه لم يحظ بتأييد دولي، بينما كان الوضع معاكساً في الهجوم على ليبيا».
البعض توقّف عند الكلمة المفصلية في تصريح أوباما وهي عندما قال «قررت أنه يجب على الولايات المتحدة أن تنفّذ عملية عسكرية ضد أهداف سورية» في حين كان الجميع يتوقّع أن يسمع كلمة «قررت أن تنفّذ الولايات المتحدة عملية عسكرية...». هؤلاء قالوا إنه يجب أيضاً أن نراقب الكلمات التي استخدمها البيت الابيض في طلبه الى الكونغرس والعبارات التي سيختارها أعضاء الكونغرس في قرارهم المرتقب حول سوريا والتفريق بين «السماح بتنفيذ ضربة محدودة ضد أهداف سورية» أو «السماح باستخدام القوة» أو «شنّ حرب شاملة». بعض المحللين لفتوا الى أن «البيت الأبيض سيضغط بكافة الوسائل على الكونغرس من أجل التوصل الى قرار نهائي يلبّي طموحاته».
وفي هذا السياق، أشار مقرّبون من أوباما الى أن «البيت الابيض لن يترك للكونغرس المجال مفتوحاً لاتخاذ القرار بشكل كامل، بل سيتدخل في المرحلة المناسبة، وخصوصاً أن رفض الكونغرس شنّ ضربة عسكرية سيبعث رسالة خاطئة الى بشار الأسد وإيران والمجموعات الإرهابية وسيزيد من خطر استخدام الأسلحة الكيميائية على مستوى أوسع». هؤلاء أردفوا أن «أوباما سيستخدم تلك الضغوط من أجل التأثير في قرار النواب والشيوخ».
ماذا سيفعل الكونغرس الآن؟
نوّاب الولايات المتحدة وشيوخها لا يزالون في عطلتهم الصيفية التي تنتهي رسمياً في 9 أيلول المقبل. لذا، فإن الكونغرس لن يفتح جلسات النقاش حول سوريا قبل الموعد المذكور. وأرسل البيت الابيض الى الكونغرس رسمياً السبت مشروع قرار يطلب فيه «السماح بتوجيه ضربات عسكرية ضد سوريا وإعطاء الرئيس باراك أوباما الضوء الأخضر «لوقف وتجنب حصول هجمات كيميائية». وسيبدأ مجلس الشيوخ الثلاثاء المقبل دراسة النص خلال جلسات استماع برلمانية.
وحتى الآن، تبدو نتيجة التصويت على طلب البيت الأبيض غير محسومة، اذ ان الأمر يتطلب إقناع عدد كبير من البرلمانيين، من بينهم ديموقراطيون ممن يرفضون فكرة التدخل العسكري في سوريا.
في مجلس الشيوخ، يبدو أوباما مرتاحاً إذ يحظى بغالبية ديموقراطية (52 ـ 46) يمكن أن تصوت بسهولة على طلبه، لكن في مجلس النواب ذي الأكثرية الجمهورية (233 ـ 200) قد يواجه القرار بعض العقبات. وبعد الحربين على أفغانستان والعراق، يشرح البعض أنه بات في مجلس النواب جمهوريون معتدلون لن يؤيدوا بسهولة الذهاب الى حرب مفتوحة، كما أن هناك ديموقراطيين يرفضون مبدأ التدخل العسكري وسيعارضون الرئيس في قراره. كما أن الجو العام في الشارع الأميركي ليس متحمساً للذهاب الى الحرب، «فسحة الأمل الوحيدة لأوباما هي في أن طلبه ينصّ على ضربة محدودة وليس على حرب مفتوحة».
وإذا حصل أوباما على موافقة الكونغرس فهو سيحقق انتصاراً كبيراً على الصعيد الداخلي، إذ يكون قد كسر خلافاً متجذّراً مع الجمهوريين في الكونغرس وحقق «وحدة وطنية» على قرار رسمي، مخترقاً وحدة صفّ جمهوري وقفت سدّاً منيعاً لمعظم اقتراحاته منذ بداية عهده.