للمرّة الأولى يذهب أصحاب العمل ورؤوس الأموال في اتجاه تنفيذ إضراب. أهدافهم واضحة. هم يبحثون عن حكومة تغطّي مؤسّساتهم وتمنحهم بعض التسهيلات والإعفاءات. بالنسبة لهذه الشريحة إن إجراءات من هذا النوع هي عنصر أمان في وقت بدأت الضغوطات السياسية والأمنية تزيد وتيرة الانكماش الاقتصادي.
حتى الآن أعلنت غالبية تشكيلات هيئات أصحاب العمل تنفيذ الإضراب. القطاع المصرفي على رأس هذه اللائحة، ويليه الصناعيون، وجمعية تجّار بيروت، ومؤسسات القطاع السياحي... إنه إضراب رؤوس الأموال في 4 أيلول.
أصحاب رؤوس الأموال هم الشريحة الأكثر حساسية تجاه ما يحصل حالياً في لبنان والمنطقة. مصالح هؤلاء تمثّل ما يقال عن أن رأس المال جبان. هم يعلمون أن مصالحهم أصحبت في خطر. المؤشرات التي تظهر يومياً في مختلف القطاعات تكشف عن حجم الإنكماش؛ حركة الاستهلاك في مبيعات التجزئة تراجعت بنسبة 11.5% وفق مؤشّر فرنسبنك لمبيعات التجزئة عن الفصل الثالث من السنة الجارية مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2012. أما مبيعات السلع المعمّرة فقد تراجعت أيضاً بنسبة موازية لنسبة التراجع في قطاع السلع الاساسية، أي ما يتراوح بين 10% و15%. المؤسسات السياحية «في حالة صعبة» كما أعلن رئيس الاتحاد اللبناني للمؤسسات السياحية أمين خيّاط. غالبية المؤسسات المتوسطة والصغيرة، وهم بالمئات، مدينين وعليهم دفعات شهرية للقروض التي حصلوا عليها ولم يعد بإمكانهم الالتزام بمواعيد الاستحقاقات الشهرية «لكن نأمل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن يعالج هذه المسألة كما وعدنا». وبحسب رئيس نقابة المطاعم والمقاهي بول عريس، فإنه «حان الوقت لذهب فاعليات الاقتصاد في اتجاه خطوات تنفيذية».
أما حركة تجارة العقارات، فهي ليست بخير أبداً. المؤشرات التي ترد إلى وزارة الاقتصاد، والتي يتداولها رجال الاعمال في مجالسهم الخاصة، تشي بوجود انكماش واسع في هذا القطاع وتراجع في المبيعات بنسبة 17%.
فكرة الإضراب سبقتها فكرة لقاء وزاري عرضها وزير الاقتصاد نقولا نحاس مع رئيس الهيئات عدنان القصار. اتفق الرجلان على أن يعدّا العدّة لهذا الأمر. اتفاقهما عقد يوم الجمعة الماضي في اتصال هاتفي بينهما. ذهب نحاس في اتجاه التحضير للقاء وزاري برعاية قصر بعبدا والسراي الوزاري ويضم وزراء السياحة والاقتصاد والصناعة بوصفهم معنيين بالأوضاع. لكن حسابات الرجلين لم تكن واحدة، وخصوصاً أن أياً منهما لن يذهب في اتجاه تعويم حكومة ميقاتي. بهذه الخلفية، قرّر القصار بما يمثّله بين أصحاب العمل ورؤوس الأموال، أن يترك لنحاس أمر الدعوة إلى لقاء وزاري، أما الوزير في الحكومة المستقيلة ففضل أن ينتظر إضراب الهيئات ومفاعيله للدعوة إلى لقاء وزاري. كان موعد اللقاء الوزاري في 2 أيلول، لكنه أصبح مؤجلاً إلى ما بعد إضراب الهيئات ومربوطاً بمفاعيل هذا الإضراب.
الا ان الوزراء نقولا نحاس وفريج صابونجيان وفادي عبود، التقوا امس وبحثوا باهداف خطوة الاضراب يوم 4 ايلول. الوزراء الثلاثة، الذين يتهمون بأنهم يمثلون هيئات اصحاب العمل في الحكومة، شرحوا ملابسات الدعوة الى عقد لقاء تشاوري موسع كان مقررا عقده في مقر «الاقتصاد العربي» يوم الاثنين المقبل، اذ كان يهدف إلى وضع «الإجراءات الفاعلة والعملية التي يمكن أن تتخذ». وقال بيان صادر عنهم «إن الهيئات الاقتصادية أرادت أن تعطي الأولوية في تحركها بالدعوة إلى الإقفال العام (...) لذا، قررنا أن نتريث في الدعوة إلى اللقاء التشاوري».
وقال نحاس «تريثنا نحن لأنهم اتخذوا هذا الخيار». في حين قال عبود «ما من أحد ضد تأليف حكومة، ولكن المعوقات غير لبنانية». امّا صابونجيان فتساءل «ماذا لو أقفلنا يوما أو يومين؟ هل تتغير الحال؟ التداعيات كبيرة في الشرق الاوسط كما هو معلوم لدى الجميع». وأعرب عن رأيه في «أن الكثير من اصحاب المصالح لن يتوقفوا عن العمل، بل يجب أن نصل الى حلول ناجعة بالتعاون بين الجميع».
إذاً، من هي المؤسسات المغلقة في 4 أيلول؟ وما هو هدفها؟ حتى الآن أقصى ما يمكن أن يطمح إليه اصحاب العمل في لبنان هو «تأجيل استحقاقات الضرائب» على ما يؤكد أحد الفاعلين في هذه الهيئات. وهذه الأجواء حازت موافقة الوزراء الثلاثة الأولية، على أن يترك الأمر لرئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي وما يمكن أن يقوم به في هذا المجال.
أما المضربون فهم قد كشفوا عن خطوتهم في أكثر من مناسبة وأكثر من بيان. جمعية المصارف لم تعلن التزامها العلني بالإضراب، لكن الامانة العامة للجمعية أبلغت المصارف في تعميم أصدرته أمس تحت الرقم 223/2013 أن المصارف «تقفل أبوابها يوم الأربعاء في 4 أيلول، ونرجو الالتزام. يمكن المصارف التي لديها التزامات خارجية إنجازها بما فيها عمليات القطع».