ما هي المدينة الأفضل للعيش في العالم؟ الإجابة تأتي بسهولة من أستراليا. هو العام الثالث على التوالي الذي تتصدر فيه ميلبورن التصنيف. اعتلت القمة بعد سيطرة امتدت عقداً كاملاً لمدينة فانكوفر التي تقع في الغرب الكندي، وفقاً للتقرير الخاص عن تنافسية المدن وقابلية العيش فيها الذي تعدّه وحدة الأبحاث لدى مجموعة «إيكونوميست» البريطانية (EIU).المراتب العشر الأولى في اللائحة التي تضم 140 مدينة يسيطر عليها بلدان بسهولة: أستراليا وكندا. ثماني مدن منهما تجعل معركة التصنيف المديني كرحلة على متن يخت فخم في أحد الأيام المشمسة في المحيط الهادئ. تخرق هذه السيطرة ثلاث مدن هي فيينا النمساوية، هلسنكي الفنلندية وأوكلاند النيوزيلندية.
وفيما يُمكن القول إن التصنيف لم يشهد تغيراً دراماتيكياً خلال السنوات الأخيرة، يقول معدّو التقرير إنّه «في معظم الأحيان، تعود التغيرات المسجّلة خلال السنوات الأخيرة في مؤشر قابلية العيش إلى الاضطرابات الأهلية في ظلّ الربيع العربي وسياسات التقشف الأوروبية والتأفف السائد في الصين».
يقوم التصنيف على قياس 30 مؤشراً من نوعية الرعاية الصحية العام وصولاً إلى الصراعات المسلحة واحتمالاتها. وبدمج هذه المؤشرات تُصاغ علامات للمدن في خمسة مجالات: البنى التحتية، الاستقرار، التعليم، الرعاية الصحية والثقافة والبيئة. ولإعداد المؤشر النهائي تُطبخ المؤشرات الثانوية ويُعدّ معدّل مثقل يُحدد موقع 140 مدينة على اللائحة.
في قراءة تحليلية للنتيجة، يتضح أن المدن ذات الأداء الأفضل هي مجتمعات حضرية متوسطة الحجم في بلدان ذات كثافة سكانية منخفضة؛ وهو وضع طبيعي، لكون تراجع الكثافة يعني تراجع الجريمة، وازدياد النشاطات الترفيهية، وكذلك فرص العمل والتطوير للبنى التحتية. بالأرقام تبلغ الكثافة السكانية 2.88 و3.4 أشخاص في الكيلومتر المربع الواحد في أستراليا وكندا على التوالي. وللمقارنة، يبلغ معدل الكثافة 400 شخص في الكيلومتر المربع الواحد في لبنان.
من جهة أخرى، يربط المحللون المرتبة المتراجعة لمدينتي نيويورك ولندن بضعف أدائهما في مؤشر الاستقرار، نظراً إلى وجود «خطر إرهابي» محدق ومستمر. المدينتان ذاقتا لوعته في عامي 2001 و2005 على التوالي. وهناك ملاحظة أخرى، وهي أن المدن التي تتمتع بصفة المركز العالمي لأداء الأعمال «تقع ضحية نجاحها». فحركة المدينة وضجيجها يضغطان على بنيتها التحتية ونوعية الخدمات العامة التي تقدمها لقاطنيها.
اللافت هنا هو أنّ دمشق كانت متعادلة مع نيويورك وفقاً لمؤشر الاستقرار في عام 2008! أما اليوم فتئنّ الشام من جراء الحرب الدائرة منذ ربيع 2011، وتدهورت إلى المرتبة الأخيرة عالمياً (140) بعلامة إجمالية تبلغ 38.4 نقطة من مئة نقطة.
وخلال السنوات الخمس الماضية حقّقت بوغوتا الكولومبية أفضل قفزة على اللائحة حيث تقدّمت 15 مرتبة. ومن المدن التي سجّلت تقدماً ملحوظاً خلال هذه الفترة هناك دبي والكويت اللتان أصبحتا في المرتبة 77 و81 على التوالي.
أما المدن التي تراجعت على نحو ملحوظ، فهي دمشق طبعاً، عمّان، القاهرة، طرابلس (ليبيا) وصوفيا البلغارية.
في لعب ذكي على تركيب الكلام عنونت المجلة الشقيقة لوحدة الأبحاث مادتها الخاصة عن التقرير: «تفوق ملبورن» (The Mebourne Supremacy)، وهو ربط مباشر بعنوان الفيلم المتميز «سيادة بورن» (The Bourne Supremacy)، في إطار السلسلة الشهيرة عن العميل الخارق في الاستخبارات الاميركية، جايسون بورن، الذي يفقد ذاكرته في إحدى العمليات السرية ويعود بحثاً عن هويته.
السؤال اليوم هو هل تعود بعض المدن العربية الشرق أوسطية تحديداً إلى تحقيق نتائج جيدة في التصنيف في أفق منظور؟ نجاح المهمة لا يتعلق بالإيديولوجيا والخيارات الجيوسياسية. بيروت مثلاً، عاصمة شرق أوسطية (كانت) مفعمة بالحياة رغم كلّ المصائب المحيطة بها والكامنة فيها (وللأسف تصنيفها غير متوافر لنا)، ولكن لدى التفكير مرتين، العيش لا يتعلق فقط بالترفيه وأسلوب الحياة بل بالبنى التحتية والأمن والرعاية الصحية... وفي جميع هذه المجالات وضع العاصمة اللبنانية سيّئ.