الحماسة والتهليل سيّدا الموقف: المعارضة السوريّة «الوطنيّة» التابعة لسلالتيْ قطر والسعوديّة تزهو بالتدخّل الأميركي (المنشود)، وتعتبر أنه وحده يمكن أن يعيد الأمور إلى نصابها في الشرق الأوسط. مشكلة «سايكس _ بيكو» عند هؤلاء أنّ «الراعي الأميركي» كان غائباً. كاتب مواظب في إعلام خالد بن سلطان، وكان سابقاً قد دعا العرب من منبر اللوبي الصهيوني في واشنطن إلى «استبطان» عقيدة بوش، يأخذ على أوباما «جبنه».
خذله الرجل لأنه لم يشنّ بعد حروباً تحريريّة في منطقتنا مع أنه لم يتوقّف عن قصف العرب والمسلمين منذ تبوّأ منصب الرئاسة. عمّار القربي يظهر على شاشة لبنانيّة ويزهو بـ«بنك أهداف» في حوزة الحكومة الأميركيّة. القربي بدا كأنه يتحدّث عن قصف لوطن غير وطنه. كاد يقفز عن كرسيه وهو يعدّد عناصر «بنك الأهداف» الأميركي. طبعاً، أضاف القربي على طريقة المعارضة السوريّة الخارجيّة أن «مصداقيّة أوباما على المحك»: أي أن مصداقيّته لا تتحقّق إلا بقصف سوريا. أما «مثقّف» «الثورة» السوريّة المُحاكة في قطر والسعوديّة، ياسين الحاج صالح، فيميّز _ لا للدقّة _ بين عدوان غربي «جيّد» (أي أن يكون مدمّراً بالكامل لبلده) وبين عدوان غربي «سيّئ» (أي ذلك الذي يقصّر في التدمير). ويحلم أمثال هؤلاء بتولّي سلطة وطنيّة في سوريا على طريقة أحمد الجلبي الذي حلم بقيادة العراق بعد تحريره من الغازي الأميركي وانتهى ملتحفاً بعباءة مقتدى الصدر.
محطة الملك «فهد»، «العربيّة»، نشرت على موقعها تقريراً بالصور والأرقام عن الأسطول السادس الأميركي وقالت عنه بفخر شديد أنه «احتل بيروت وساهم بإسقاط 3 رؤساء عرب (وأنه) يتربّص بالأسد». دائماً يزهو ملوك العرب وأمراؤهم بقوّة الغرب وكأنها تُبنى للدفاع عن عروشهم. أما السفير السعودي في واشنطن، عادل الجبير (الذي كنت أتسلّى في سنوات الدراسة في جامعة جورجتاون على حسابه عبر السخرية من آل سعود ومنه في الصفوف، وكان مذّاك يدافع عنهم بتملّق شديد إلى درجة أن البروفسور مايكل هدسن ذكّره مرّة بأن الحديث الجامعي يختلف عن حديث أروقة السفارات) يجول مع صحبه من الصهاينة على أعضاء الكونغرس لحثّهم على مزيد من التدخّل العسكري الأميركي في الشأن السوري. الصورة تكاد تكتمل. والإيذان بالعمل العدواني الأميركي له مؤشّراته: حالما تتحضّر أميركا للقيام بعمل عسكري في بلد عربي، تفرد صحيفتا «الشرق الأوسط» و«الحياة» صفحات طوالاً زاخرة بالصور والرسوم عن عظمة السلاح الأميركي الذي لا يُقهر. يتعامل إعلام آل سعود مع غزوات أميركا على أساس أنها تسديد حسابات من أميركا لأنظمة الخليج مكافأة لها على حسن سلوكها.
لكن الموقف الأميركي في سوريا هو غير الموقف السعودي. نخطئ لو أهملنا الخلاف بين أميركا وبعض حلفائها في المنطقة العربيّة، كما أن خلافات عرضيّة قد تنشأ هنا وهناك بين أميركا وأعزّ حلفائها في المنطقة، أعني الكيان الصهيوني الغاصب. الحكم السعودي يتحضّر لرسم معالم نظام عربي شديد بعدما تيسّر له إحداث تغيير واضح المعالم في قطر: لم يعد الحكم القطري الحالي (الذي اعتبره ساطع نور الدين في موقع «مدن (الملح)» تتويجاً لـ«الربيع العربي» وتطبيقاً لجمهوريّة الفارابي الفاضلة) يشكّل عنصر منافسة في المنطقة العربيّة (هذا من دون مديح الحكم القطري السابق الذي بنى سياسة عدائه لآل سعود على تحالف وثيق مع أميركا وإسرائيل). والأمير تميم ترك الإخوان في مصر يتعرّضون لأقسى حركة تنكيل دون إبداء اعتراض قوي باستثنناء جهاز الدعاية الكلامي في «الجزيرة». يشعر الحكم السعودي اليوم (وهو مُشترك بين الأمير بندر والأمير محمد بن نايف والأمير عبدالعزيز بن عبد الله، ما يعني أن الهوس في إعلام الممانعة بشخص بندر بن سلطان يكشف جهلاً بطبيعة الحكم في السعوديّة كما أنه يبرّئ الملك السعودي من المسؤوليّة عن جرائم السياسة السعوديّة في منطقتنا) أنه يمسك بملف إعادة رسم المنطقة العربيّة على هواه في زمن الانتفاضات العربيّة المُقلقة (له).
يختلف الموقف الأميركي عن الموقف السعودي في ملفّات عدة في المنطقة العربيّة. فقد أخذ الحكم السعودي على الحكومة الأميركيّة قلّة وفائها لحلفائها من أمثال مبارك وبن علي (والوفاء عند العائلة التي تتحكّم بها أبشع ما لدى الموروث القبلي والعشائري من قيم بمثابة الوقوف مع موالي القبيلة). كان الملك السعودي ونتانياهو على تواصل يومي عبر الهاتف مع أوباما (حسب روايات «نيويورك تايمز») من أجل حثّه على دعم حق مبارك باستخدام القوّة للبقاء في الحكم. الحكم الأميركي رأى غير ذلك، دون أن يكون هذا لاعتبارات إنسانيّة أو أخلاقيّة أو ديموقراطيّة.
تفكّر الولايات المتحدة في تقويم مصالحها بالمدى الطويل للنفوذ الأميركي في المنطقة العربيّة والاتعاظ من تجربة انقلاب إيران عام 1953 (طبعاً أعني الاتعاظ غير الأخلاقي، على الطريقة الأميركيّة). وهي مُدركة أن الشعوب العربيّة تعادي الولايات المتحدة لألف سبب وسبب (طبعاً باستثناء بعض العرب من أمثال ميشيل كيلو، زعيم الجناح السعودي في المعارضة السوريّة و«المفكّر» اليساري _ على ما يُقال لنا _ للمعارضة في آن واحد، الذي زها في مقالة في «السفير» أنه يحمل من دولة الإمارات «إذناً حكومياً خاصاً» يسمح له بالدخول والخروج بلا تأشيرة إليها). تسعى أميركا لتحقيق المُستحيل: كسب ودّ الشعب العربي من غير إحداث تغيير في الأسباب الرئيسية التي تدفع العرب إلى معاداة أميركا، أي شنّ الحروب ضد العرب والمسلمين وتبنّي العدوان والاحتلال الإسرائيلي بالإضافة إلى فرض أنظمة قمعيّة في طول المنطقة العربيّة وعرضها. وتحاول أميركا أن تخفّف من العداء الشعبي العربي عبر الخداع، مثل أن تُقحم نفسها في «المحور السنّي» لزيادة الفائدة الدعائيّة، أو لبيع العرب المعسول من الكلام وتكريس محطات خاصّة (إذاعيّة وتلفزيونيّة) بجذب العرب عبر أغاني عمرو دياب والرقص على أنغام القصف الأميركي. وكان جورج بوش يزور المركز الإسلامي في واشنطن فيما كانت قوّاته تحتلّ العراق وأفغانستان كي يكسب ودّ المسلمين (أما أوباما فقد تمنّع عن زيارة المركز كي لا يتهمه خصومه بأنه لا يزال يعاني آثار الإسلام من سنوات الطفولة في إندونيسيا).
أرادت أميركا أن تُبقي مبارك وبن علي حتى رمق الحكم الأخير لكن مع خداع الشباب العربي عبر إيهامه بأنها معه وأنها تناصر حقوقه وتطلّعاته. وهناك من يعاني من ذاكرة ضعيفة وينسى أن وزارة الخارجيّة الأميركيّة دعت المُنتفضين المصريّين في 2011 إلى التمنّع عن استعمال العنف فيما كانوا هم ضحايا للعنف من قبل القوّات المسلّحة المصريّة. لكن دعم أميركا الكلامي للشباب العربي يزداد عندما يتنحّى الطاغية العربي وعندما يفقد ذلك الطاغية القدرة على البقاء في الحكم. لكن أميركا تسعى سرّاً عبر أجهزتها العسكريّة والإستخباراتيّة إلى الحفاظ على الطاغية (حاولت، مثلاً، في تونس أن تُقنع رئيس أركان الجيش بأن يقوم بانقلاب عسكري بالنيابة عن مصالحها، لكنه رفض). خافت أميركا أن تعاني لسنوات لو أنها استبقت مبارك بالقوّة: مثال محمد مصدّق لا يزال يؤرق مُخطّطي السياسة الأميركيّة. عارضت أميركا الانتفاضات العربيّة في المطلق وأصيبت _ مثلها مثل إسرائيل _ بالهلع الشديد لأن النظام العربي الرسمي السائد منذ عام 1990، وقد ضمّ في مَن ضمّ النظام السوري الذي شارك في العدوان على العراق عام 1991، كان في مصلحة التحالف الأميركي _ الإسرائيلي. وكان الضغط الأميركي على النظام السوري من أجل رصّ الصفوف في جسم النظام العربي وراء الحروب والسياسات الأميركيّة.
لكن الحكم السعودي اختلف مع الولايات المتحدة حول طريقة التعاطي مع التهديد لأي نظام عربي: حكم آل سعود يرى أن كل وسائل القوة والعنف مُتاحة للحفاظ على النظام العربي المتحالف مع المحور الأميركي _ السعودي _ الإسرائيلي. تتعامل العائلة المالكة في الرياض مع العلاقات بين الدول بكثير من العاطفة (كان الملك فهد لا يردّ طلباً لرونالد ريغان ولو طلب منه الأخير نقل الكعبة إلى مزرعته في كاليفورنيا لفعل دون تردّد)، بينما تحسب الولايات المتحدة حساباتها بلا عاطفة وبالنظر إلى المصالح الأميركيّة البعيدة المدى (تعرّضت تلك الحسابات لتغيير في عقيدة بوش الذي أهمل حساب المصالح على المدى الأبعد). والتدخّل العسكري السعودي في البحرين كان من أجل إنقاذ النظام ومن أجل إفهام أميركا أن مصالح السلالات الحاكمة تسود حتى على حساب الحسابات الأميركيّة القصيرة والبعيدة المدى. علمت دول الخليج، ولاسيما قطر والسعوديّة اللتان تتنافسان على خدمة المصالح الأميركيّة، أن أميركا لا ترتبط معهما بعاطفة أو بودّ، وأنها تتخلّى عن وكلائها المحليّين _ خارج دولة الكيان الغاصب _ مقابل تقديم المصالح الأميركيّة البعيدة المدى.
لكن لأميركا حساباتها الخاصّة في سوريا، بالإضافة إلى حسابات عزيزتها إسرائيل. وتناقض أو تنافر الحسابات الأميركيّة في سوريا يرجع إلى اختلاف الرأي حول التعاطي مع الأمر السوري في إسرائيل. هناك في إسرائيل من رأى أن بقاء النظام السوري يعود بالفائدة على تل أبيب لأنه يحرص على حماية الحدود من أي عمل مقاوم من أي نوع. وهناك من رأى أن النظام ساقط لا محالة وعليه، فإن من واجب حكومة العدوّ إقامة علاقات وطيدة مع قوى المعارضة المُسلّحة التي ستتسلّم السلطة بعد تغيير النظام. هذا التخبّط في الموقف الإسرائيلي عكسه تردّد أميركي. اللوبي الإسرائيلي الذي يتخذ عادة مواقف واضحة لا لبس فيها، لم يشتغل بقوّة في الموضوع السوري: هو مشغول بموضوع حزب الله في سوريا أكثر من انشغاله بموضوع النظام بحد ذاته. والقيادة العسكريّة الأميركيّة لم تتمنّع عن التعبير الصريح عن معارضتها لتدخّل عسكري في سوريا من باب انعكاس ذلك على العمليّات العسكريّة الأميركيّة في طول العالم العربي وعرضه. ولم يعد الوجود العسكري الأميركي القوي في الأردن سرّاً من الأسرار (يجب النظر إلى التحليلات الصادرة عن «يسار البلاد الأردني» على مدار السنتيْن الماضيتيْن حول معارضة الملك الأردني للتدخّل العسكري ضد النظام على انها تسريبات استخباراتيّة بلاطيّة لا أكثر).
ليس معروفاً إدوارد لتفاك لدى كثيرين وكثيرات في العالم العربي. هو مؤلّف عسكري _ استراتيجي وله كتاب مسلّ من عام 1968 بعنوان «الانقلاب العسكري: دليل عملي» (وتُرجم إلى 18 لغة). ولتفاك صهيوني ليكودي يميني متطرّف لا يداور ولا يغلّف صهيونيّته ونزعاته الحربيّة بقفّازات اللغة الليبراليّة في العلاقات الدوليّة. لتفاك من دعاة مدرسة ما يسمّيه خبير العلاقات الدوليّة، جون هرشهايمر، «الواقعيّة العدائيّة» أو «العدوانيّة». هو يرى أن المصالح الأميركيّة (أو الإسرائيليّة التي يراها متطابعة بالكامل مع المصالح الأميركيّة) لا تحتاج إلى إعتذار أو ترويج أو تسويغ: إنها تتفوّق على كل ما هناك من أخلاقيّات. ولتفاك بات شبه متقاعد لكنه يطلّ بين الفينة والأخرى كي يدلي بدلوه، وكان له أخيراً مقالة مستفيضة عن الوضع السوري في جريدة «نيويورك تايمز».
ما قاله لتفاك عن سوريا يُختصر بما قاله هنري كيسينجر عن الحرب الإيرانيّة العراقيّة في الثمانينيات عندما دعا إلى سياسة تهدف إلى هزيمة الطرفيْن في الوقت نفسه. هذه السياسة اعتمدتها أميركا وأدّت إلى إطالة أمد الحرب لنحو عقد من الزمن. أي أن الولايات المتحدة تتحمّل مباشرة المسؤوليّة عن مئات الآلاف من الضحايا في تلك الحرب. وعليه، يقيس لتفاك الأمر في تقييم الموقف الأميركي في سوريا ويدعو إلى تكرار «النفور _ من _ الطرفيْن» في الحكم على مجرى الحرب. وليس الموقف الأميركي من الحرب في سوريا منذ اندلاعها إلا تكراراً للصيغة نفسها. والتهويل بضربة أميركيّة على سوريا (وقد تكون حدثت بعد نشر هذه المقالة) ليس من باب إنهاء الحرب الوحشيّة بل من باب تطويل الحرب إلى أجل غير مسمّى.
السيناريو الأميركي للحرب أكثر تعقيداً مما يبدو للمطبّلين والمُهلّلين للعدوان الأميركي (واحد من كتّاب أمراء النفط عقد مقارنة بين ترحيبه بضرب سوريا وبين قبول لينين على مضض باتفاق «برست _ ليتوفسك»، لكنه نسي أن يخبرنا من يكون لينين في مقارنته تلك: الأمير خالد بن سلطان أم الأمير بندر بن سلطان؟). لا تنوي أميركا باعترافها هي أن تُنهي النظام السوري أو أن تقاتله حتى النهاية، أي حتى إسقاطه. وحتى السيناتور بوب كوركر (الجمهوري الأرفع في لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس الشيوخ) كان صريحاً في قوله إنّ الضربة الأميركيّة «لا يجب أن تهدف إلى تغيير ديناميكيّة الحرب السورية الأهليّة الكبرى»، بالحرف. والجمهوريّون في الكونغرس من أمثاله يكونون عادة من المزايدين في مناشدة الرئيس لاستعمال قوّة أكبر وعنفاً أوسع. لكن الدعوات بين الحزبين تتلاقى في التركيز على ضرورة حصر الضربات في أهداف مركّزة مع الإصرار على عدم تغيير النظام بالقوّة (والمُعارض السوري «الوطني» جداً، برهان غليون _ الذي في غضون سنتيْن فقط حوّل كل كتاباته عن الديموقراطيّة إلى نكتة غير مضحكة _ عبّر عن رفضه لأي ضربة أميركيّة ما لم تكن مُدمّرة).
أميركا لا تريد أن يختلّ ميزان القوى في الصراع السوري. وقصّة استعمال السلاح الكيميائي (بصرف النظر عن صحّتها أو عدم صحّتها لأن مزاعم المعارضة المُسلّحة ومزاعم النظام لا ترقى إلى مستوى الصدقيّة مع أن الجيش السوري الحرّ أثبت وفي وقت قصير أنه أكذب من النظام) أتت في سياق تغيير حاسم في الحرب السوريّة لمصلحة النظام، وباعتراف القوى المعادية للنظام حول العالم. والمعارضة المسلّحة عانت في الأسابيع الماضية نكسات عسكريّة متوالية (أو «انسحابات تكتيكيّة» حسب التسمية المُتكرّرة للجيش السوري (غير) الحرّ) في مناطق مختلفة من سوريا. وكان محتماً أن هذا الاختلال في موازين القوى لن يروق واشنطن التي ستسارع إلى تغييره بطريقة أو أخرى. وهناك طريقتان لتغيير موازين القوى: إما في ضرب قوّات النظام أو في تكثيف الدعم العسكري لقوى المعارضة الُمسلّحة. لكن القادة العسكريّين في القوات المُسلّحة الأميركيّة كانوا واضحين في شهادتهم أمام الكونغرس عندما اعترفوا بأن أيّاً من أطراف النزاع السوري ليس صديقاً لأميركا. وقد قتّرت أميركا في مساعداتها «العسكريّة» لقوى المعارضة حتى بعد إعلانها المطنطن عن رفع الحظر عن تسليح المعارضة. لن تثق الولايات المتحدة بالجيش السوري (غير) الحرّ ولا بقدرته على عدم تسريب الأسلحة المتطوّرة إلى الفصائل الجهاديّة، التي تعرف أميركا أنها ستتفرّغ لحرب ضد مصالحها حالما يسقط النظام. وهنا كان مكمن الخلاف أو الاختلاف في الموقف بين الطرف السعودي والطرف الأميركي: تسعى السعوديّة إلى فتح الباب أمام هزيمة النظام عبر دعم عسكري غير محدود لقوى المعارضة المُسلّحة. لكن عائقاً حال دون ذلك: لا تقوم السلالة القطريّة ولا السلالة السعوديّة بخطوة تسليحيّة في سوريا دون إذن أميركي، وأميركا صارمة في فرض مراقبة على التسليح السعودي والقطري خشية وصول بعضه إلى القوى الجهاديّة.
لهذا ستلجأ أميركا بشتّى الطرق إلى إعادة الميزان إلى نصابه عبر ضربات مباشرة أو غير مباشرة (عبر العدوّ الإسرائيلي الذي تستمرّ اعتداءاته ضد سوريا على أن يحدّد النظام في وقت لاحق زمان المعركة ومكانها) ضد قوّات النظام. هذه هي وصفة الحرب اللامنتهية.
تُعاد كتابة التاريخ العربي المعاصر بالدم مرّة أخرى: ها هو أحمد الجلبي السوري يطلّ برؤوس مختلفة وبالوعود الأميركيّة (والمحليّة) ذاتها، عن تغيير جذري لطبيعة السياسة في المنطقة العربيّة. واحد في مضرب أمير نفطي يعد الغرب (من كيسه) بأن غزو سوريا سيعود بمنافع تاريخيّة على الغرب، وآخر في المعارضة السوريّة يعد العدوّ الإسرائيلي عبر «يديعوت أحرونوت» بأن التأجيج الإسرائيلي لغزوة غربيّة لسوريا سيعود بالنفع على إسرائيل وسيثبت للسوريّين «حسن نواياها» نحوهم. ينسى بعض الطائفيّين (الإسلاميّين والمسيحيّين) في لبنان أن انتصار الغزوات الصليبيّة لم يعتمد على دعم مسيحيّي لبنان لهم _ كما يُقال في كتابات أيديولوجيّة طائفيّة من الطرفيْن _ بقدر ما اعتمد على دعم أمراء وحكّام مسلمين في حقبات مختلفة من الغزوات الصليبيّة. والنظام العربي الرسمي اصطفّ بأمر من جون كيري: والأخير اتصل بنبيل العربي وأمره بعقد اجتماع للجامعة العربيّة للتغطية على ضربة أميركيّة محتملة.
تغيّر العالم العربي كثيراً، وتغيّرت أهواء شعوبه. توحّد الشعب العربي «من المحيط إلى الخليج» في رفض العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. لم يتجرأ عربي واحد آنذاك على دعم العدوان علناً. أما اليوم، فإن العدوان (ما فوق الثلاثي) يعتمد على تأييد لأنظمة وشعوب عربيّة على حدّ سواء. تسارعت كتابة التاريخ العربي في السنتيْن الماضيتيْن. لكنْ هناك درس تاريخي يمكن الركون إليه: لم يُكتب لأميركا أن تحقّق الأهداف السياسيّة لأعمالها وحروبها واعتداءاتها العسكريّة في المنطقة العربيّة. كتابة التاريخ ستستمرّ، وهي لن تكون رحيمة مع أعوان العدوان الغربي المحليّين.
ملاحظة: كانت الكتب العربيّة المطبوعة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تختم بالقول: وردت أخطاء في هذا الكتاب لكنها لا تخفى على اللبيب. وجب عليّ أن أختم مقالاتي بالملاحظة نفسها وذلك للاعتراف للقرّاء بورود أخطاء مطبعيّة وغير مطبعيّة فيها.
* كاتب عربي
(موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)