لم يبق مسجد في طرابلس لم يتخذ إجراءات أمنية في محيطه، مثل وضع عوائق حديدية في محيطه لمنع وقوف السيارات على مقربة منه، فبعد انفجاري مسجدي التقوى والسلام يوم الجمعة الماضي أصبح ينطبق على مساجد طرابلس المثل الشائع: «من اكتوى بالحليب ينفخ للبن!».لكن هذه الإجراءات لن تكون كافية لبثّ الطمأنينة في نفوس الطرابلسيين، الذين باتوا منذ يوم الجمعة الماضي يحسبون «حساب» يوم الجمعة المقبل لجهة اختيارهم أيّ مساجد يقصدون لتأدية صلاة الجمعة، فمنهم من اختار مساجد يراها أكثر أمناً من سواها، وآخرون كشفوا أنهم سيتوجهون إلى خارج طرابلس لهذا الغرض، بينما حسمت فئة ثالثة أمرها وقرّرت ألا تؤدّي الصلاة في المساجد، والاكتفاء بالصلاة في البيت!
الإرباك المذكور لم يقتصر على الطرابلسيين الذين يحرصون على أداء صلاة الجمعة، بل امتد أيضاً إلى من لا يؤدّونها، إلى جانب المسيحيين من أبناء المدينة، الذين قرّروا التزام بيوتهم في يوم الجمعة، أو مغادرة المدينة إلى خارجها، ساحلاً أو جبلاً.
هذا القرار اتخذه ايضا أبناء المناطق المجاورة لعاصمة الشمال، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، إذ قرّروا عدم زيارة المدينة يوم الجمعة «مهما كانت الأسباب والدوافع»، إلا إذا كان هناك ظرف طارئ يستوجب ذلك، على أن تكون «النزلة إلى البلد» خاطفة وأن تتم قبل موعد صلاة الجمعة.

منسوب القلق والتوتر الذي ارتفع لدى أهل طرابلس جعل أغلبهم لا يخرج من بيته إلا عند الضرورة، ما يجعل حركة السير في الشّوارع خجولة، وهي تكاد تكون مشلولة في فترات ما بعد العصر وساعات المساء، إلى درجة أن بعضهم ردّد «أضع يدي على قلبي عندما أخرج من البيت، ولا أصدّق أنني سأعود إليه حيّاً إلا عندما أقفل باب منزلي بعد دخولي إليه!».
غير أن الهاجس الأمني لدى الطرابلسيين لا يقتصر على الخوف من تكرار مشهد السيّارات المفخخة، والذي كان «مزدوجاً» يوم الجمعة الماضي، بل أضيف إليه إمكانية تجدد الاشتباكات على محور باب التبانة ــ جبل محسن، وأن تشهد المنطقتان جولة أخرى من الاشتباكات، على وقع بلوغ الاحتقان السّياسي والأمني مستوى غير مسبوق.
وما أعاد المخاوف من إمكانية تجدّد نزيف الجرح المفتوح في طرابلس، وقوع إشكالات عدّة على خطوط التماس بين المنطقتين، وتبادل لإطلاق الرصاص بينهما ليلاً، خصوصاً رصاص القنص، وحصول إشكالات أخرى بين أبناء المنطقتين، مثل التعرّض لبعض المواطنين على تخوم المنطقتين ضرباً بالعصي والسكاكين، وهو ما تكرّر في الأيام الأخيرة، ما يجعل أجواء الاستنفار قائمة ومستمرة، وفتيل التفجير قابلاً للاشتعال في أي لحظة.
وترافق ذلك مع تطوّرين لافتين: الأول عودة الظهور المسلح إلى البروز مجدداً على محاور القتال بين المنطقتين، ولو بشكل أدنى ممّا يكون عادة أيام وقوع الاشتباكات؛ والثاني الإعلان عن اجتماعات عقدها قادة المحاور في منطقة باب التبانة وجوارها، حملت في الظاهر عنوان «التنسيق من أجل مواجهة التطوّرات المرتقبة».
تطوّر آخر دخل على الخط وجعل التوتر والقلق من انفلات الوضع الأمني في طرابلس يبلغ أقصى مداه، هو احتمال تعرّض سوريا لهجمات أميركية، بالصواريخ أو بالطائرات، ما يعني بنظر الطرابلسيين انتقال تداعيات «الحدث السوري» سريعاً إلى مدينتهم.
ففي هذا الإطار، أوضحت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أن «المخاوف لدينا تنبع من احتمال حصول ردود فعل عنفية من قبل معارضي النظام السوري في طرابلس في اتجاهين: الأول نحو قوى 8 آذار في طرابلس، مستغلين الظرف الراهن من أجل تصفية حساباتهم السياسية معهم؛ والثاني تدهور الوضع الأمني على جبهة التبّانة ــ جبل محسن، ظنّاً من خصوم النظام السوري أن «الساعة» قد حانت للتخلص من جماعته في لبنان، في موازاة التخلص منه على أيدي الأميركيين وحلفائهم في سوريا».