حل المساء على تترات نشرات الأخبار التي تنافست طوال نهار يوم أمس على خبر جديد بخصوص مجزرة الكيميائي في الغوطة الشرقية، بعدما بذل المحللون جهودهم الخارقة وتفوق بعضهم على نفسه من حيث إجادة اللغة وبلاغة التعبير في وصف الكارثة التي حلّت بغوطة دمشق، فيما افتتح الفضاء الافتراضي منافذه لبكائيات من نوع خاص ولمرثيات مدججة بنوستالجيا معدة الصنع، وبعض الجرعات المفرطة من التحريض على مزيد من العنف والقتل الطائفي.
كذلك شرعت مواقع التواصل الاجتماعي أبوابها لفيض من الوجدانيات الحقيقية وجمل العزاء الصادقة التي كتبها سوريون في الداخل، وآخرون في المهجر والمغترب. لكن ليل بيروت وبعض العواصم العربية لم يتغير، رغم وقع المجزرة المدوي صاخباً كعادته. اصطكت كؤوس السوريين، موالين ومعارضين، بعضهم شرب نخب الشهداء الأطفال والنساء والمدنيين العزل الذين أكدت مصادر خاصة للأخبار أن عددهم وصل إلى 800 من أصل 1750 سقطوا دفعة واحدة، فيما احتسى البعض الآخر نخب الجيش الباسل الذي يصل الليل بالنهار ليطهّر أرض الوطن من رجس الإرهابيين!! لكن الشمس أشرقت اليوم ولم تتوقف الحياة ولم تتعثر عقارب الزمن عند مجزرة جديدة حاولت عبثاً هز ضمير البشرية النائم. وتراب الغوطة لم يجبل بدماء الأطفال الذين ماتوا من دون قطرة دم واحدة بل لفحته الشهقات الأخيرة لاستجداء الحياة وحالات الاختناق كانت لهم بالمرصاد.
هكذا، اشتعلت صفحات الفايسبوك والتويتر بصور أطفال مسجونين في أبنية مدمرة، بالتوازي مع تعليقات لم توفر تراشق الاتهامات بين نظام ومعارضة مع لازمة الشتم المعتادة، بينما لم يكن دم المجزرة قد جف بعد، فيما أقر ناشطون سوريون في حديثهم مع «الأخبار» بوجود عدة كتائب أصولية في الأماكن التي ضربت فيها الغازات السامة وقد سارعت للانسحاب قبل وقوع المجزرة كدليل أكيد على علم تلك الجهات بما سيحدث أو تنسيقها مع الجهة التي ارتكبت المجزرة. بالتزامن مع ذلك، تعالى صوت الناشطة السورية ريما فليحان لتدعو عبر صفحتها الشخصية إلى وقفة تضامنية في كل عواصم العالم والاعتصام أمام مباني الأمم المتحدة حتى لا تمر الكارثة.
أحد السوريين اختصر الحالة بتعليق إنساني قال فيه: «لا للمزيد من سلاح، سوريا بحاجة إلى أتروبين». وكما جرت العادة، فأقلام الحق كانت حاضرة وأهل السلطة الرابعة استعاضوا عن منابرهم بصفحاتهم الافتراضية، فكتب الصحافي الفلسطيني السوري ماهر منصور: «جرعة موت كبيرة يأخذها الوطن وما قيمة كل ما نكتبه أمام هذا الموت؟
أخجل من كلماتي، كما أخجل من نفسي. لا براءة للقاتل ولنلف القتيل بالحزن والعزاء الذي يستحق». فيما عبرت لانا الجندي مذيعة «سكاي نيوز» عربية بالقول: «أياً كان القاتل، وبغض النظر عن السلاح المستخدم، هنا ولدنا وهنا قتلنا فليشهد التاريخ أن الطفولة في سوريا ترحل عن مقبرتها الكبيرة إلى السماء».