رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور عاد إلى إطلاق تصريحاته الغريبة، ولكن هذه المرّة تجاوز كلّ حدود المنطق والمعقول، بل وأبجديّات العمل السياسي.
نذكر كيف كاد الرئيس الجهبذ أن يتسبّب بكارثة اقتصاديّة عندما أطلق العنان لكلماته، وصرّح بأن عملة الدولة على وشك الانهيار، ليتسبّب بحالة هلع دفعت الناس إلى «الركض نحو البنوك»، في ظلّ الأزمة الماليّة التي نرزح تحت وطأتها نتيجة السياسات الرسميّة المغامرة.
وقبل يومين قرّر الرجل تفجير قنبلة أخرى تنسف تصوّر الأمن والاستقرار، بل وتهدّد أمن الدولة الأردنيّة، بمعناه الحقيقي، وليس بذلك المعنى التحريفي الذي ترجمته السلطة عبر محاكمة المدنيّين أمام المحاكم العسكريّة.
رئيس الوزراء، ملك التصريحات الناريّة، قال لوسائل إعلام عالميّة إنّ «الأردن مستعد لاحتمالات وقوع حروب كيميائية في المنطقة». هل تبدأ بتوزيع الكمّامات على المواطنين، «دولتك»؟!
هذا السياسي المحنّك، الذي من المفترض أنّه يدرك أبعاد ما يقول باعتباره ممثلاً للدولة الأردنيّة، لم يكتفِ بتصريح مقتضب، بل زاد وعاد وفصّل وحلّل وبرّر وخاض في التفاصيل، ليصل إلى نتيجة مفادها: «يجب أن نخاف»!
ترى هل تسيطر على الرجل نزعة سيكولوجيّة معقّدة أو رغبة متطرّفة لا يطفئها سوى خلق حالة من الهستيريا الجماعيّة بين الناس؟! أم أنّه مجرّد عاشق للمفردات الغريبة والكلمات التي قد تعجبه دون أن يكترث لوقعها على السامع؟!
هل يدرك الرجل أبعاد ما يقول على الصعيدين الداخلي والخارجي؟! أم أنّه يحترف الاستفزاز دون أيّ مبرّر؟! فمن هو الذي تعرّض للأردن أو هدّده أو لوّح له بـ«الكيميائي»؟! هل هناك صديق خياليّ يزور «الدوّار الرابع»، في آخر الليل، مدجّجاً بـ«السارين» أو «الراديوم»؟!
تحوّل خطير تجاه الأزمة السوريّة عكسته تصريحات رئيس الوزراء، الذي يحاول إرضاء الغرور السعودي على ما يبدو، ويشعر بالقوّة السحريّة خلف صفوف عساكر «اليانكي» المتمترسين على حدودنا الشماليّة.
المصلحة الوطنيّة تفرض على الرسميّين حصر دور الأردن تجاه الأزمة السوريّة بين التوسّط للوصول إلى حلّ سياسي ينهي هذه الأزمة، وبين القضيّة الإنسانيّة المتعلّقة باللاجئين السوريّين، دون زجّ البلاد في شؤون الغير، وإقحامنا فيما لا يحمد عقباه. فهل يملك أحد شرح هذه المسألة لصنّاع القرار، خاصّة وأنّها ليست مسألة «لوغاريتميّة» يصعب فهمها أو حتى إقحامها في المخّ البشري!