على مدار الأزمة السورية لعب الأردن أدواراً مبهمة، بدت في بعض محطاتها كأنها تميل إلى تدعيم النظام في سوريا، بينما ظهرت في مفاصل مختلفة وكأنها تنساق فعلاً لرؤية حلفاء الأردن التقليديين الراغبين بانخراط أردني أكبر في سيناريوهات اسقاط النظام في سوريا.
الأشهر الأخيرة شهدت تبلور ما يعرف بالحلف الإماراتي ــ الأردني ــ السعودي، الأمر الذي أعطى إشارات عدة تشير إلى انسياق أردني واضح خلف الرؤية السعودية الهادفة إلى تعزيز فكرة اسقاط النظام السوري من الداخل، والتي تعني منطقيا تدفقاً غير محدود للسلاح النوعي المموّل سعودياً عبر الأردن إلى سوريا. لا بل إنّ كثيرا من المقاتلين الأردنيين في سوريا (وفقاً لشهادات بعضهم) شعروا بتسهيلات واضحة سواء في عبور الحدود أو حتى في الحصول على السلاح، عدا التصريح العلني لبعض رجال الأعمال في الأردن المتفاخرين في جلساتهم بحجم التبرعات التي يقدمونها من أجل تجهيز المقاتلين في سوريا.
سلمان بن سلطان «ضيف» عمان الدائم
الإشارة الكبرى ظهرت من خلال إقامة الأمير السعودي سلمان بن سلطان (نائب وزير الدفاع المعين حديثاً) والذي شوهد في أماكن عدة بالأردن محاطاً بمرافقات أمنية خصوصاً أثناء اشرافه الشخصي على عملية التجهيز اللوجستي للمقاتلين في سوريا. الأمير لم يكن زائراً عابراً، بل اتخذ من عمان مكاناً للإقامة، وعرف في أوساط «البزنس» في الداخل الأردني على أنه الرجل الأقوى في موضوع ارسال السلاح إلى المعارضة، حيث تبنى الأمير السعودي انجاز صفقات سلاح نوعي تهدف إلى إعادة رسم معادلة التوازن على الأرض في سوريا. بالإضافة إلى أنّ كثيرا من المعلومات تشير إلى تورط مسؤولين أردنيين مباشرة في عملية انجاز شراء الأسلحة عبر وسطاء يجري استخدامهم كغطاء لمثل هذه العمليات.
يشار إلى أنّ بن سلطان كان جزءاً أيضاً من خلية إدارة الأزمة السورية التي تشكلت في الأردن من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والإمارات والسعودية بالإضافة إلى البلد المضيف. هنا تذكر بعض المصادر أنّ الأمير وجد بيئة خصبة لعمله في الأردن. الأمير السعودي (الأخ غير الشقيق لبندر بن سلطان) لمس حالة من التوافق مع أغلبية ممثلي خلية إدارة الأزمة، خصوصاً في موضوع ارسال الأسلحة، ومع ممثلين مباشرين عن الجانب الأردني، حيث أبدى هؤلاء رغبتهم بالانخراط المباشر في مشروع اسقاط النظام السوري. وتشير بعض المصادر إلى أنّ فكرة التدخل العسكري في سوريا تلاقي رواجاً واسعاً لدى بعض أفراد السلك الدبلوماسي الأردني، لا بل إنّ بعض الشخصيات الاعتبارية المطلعة والمنخرطة في المشهد العسكري تبدو شديدة الحماسة لتنفيذ عملية حاسمة في سوريا، حيث تعتقد هذه الشخصيات أنّ التماهي والانصياع للرؤية الأميركية يمثّل بوابة العبور لدور سياسي قادم في الأردن.
تيار أردني منساق مع الحملة الأميركية
من هنا تجدر الإشارة إلى أنّ تصريح رئيس الوزراء الأردني الأخير المتعلق بالاستعدادات للحرب الكيميائية يشير بوضوح إلى أنّ تيارا كبيرا في الدولة الأردنية بات مسوقاً للرؤية السعودية الأميركية المتفقة في سوريا. ولعلّ الأغرب استهداف غوطة دمشق بغازات كيميائية بعد أقل من يومين من تمهيد رئيس الوزراء الأردني لمثل هذه التطورات، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار استحالة لجوء النظام السوري لمثل هذه الممارسات في ظل المناخ الدولي الحالي الذي أدى إلى وصول اللجنة الدولية المكلفة بالتحقيق باستخدام مثل هذه الغازات. الأمر الذي يشير في مجمله إلى الانخراط الواضح للمحور السعودي بهذه العملية سواء على صعيد الاعداد أو التنفيذ.
على الصعيد الأردني، برزت تزامناً مع بوادر تأجيل لقاء «جنيف 2» تصريحات أميركية متعلقة بالتواجد الأميركي على الحدود الأردنية ــ السورية، ونمط جديد من التسليح والعتاد وابقاء أسلحة متطورة على الأراضي الأردنية تحت ذرائع مختلفة. في هذا السياق فان التصريحات الرسمية على مختلف مستوياتها تشير إلى حالة الارتباك التي تمر بها الأوساط الرسمية وحالة القلق لدى الأوساط الشعبية.
مع تطورات الأزمة في سوريا أظهرت مفاصل عدة في هذه الأزمة أنّ الولايات المتحدة تتعامل مع الأردن بمنطق واحد فقط «سياسة التوظيفات السياسية». تصريحات أميركية متعلقة بالتواجد الأميركي على الحدود الأردنية السورية، ونمط جديد من التسليح والعتاد وابقاء أسلحة متطورة على الأراضي الأردنية، وحتى طلب لطائرات بدون طيار تحت ذرائع مختلفة تثبت حجم حالة الارتباك التي تمر بها الأوساط الرسمية على مختلف مستوياتها. التبريرات الرسمية تشير بوضوح إلى هذه الأزمة المتفاقمة، فمع تصريح يشير إلى ضرورة وجود الأسلحة لحماية اللاجئين، يظهر تصريح آخر يشير إلى ضرورة الاستعداد لمواجهة الأسلحة الكيميائية في سوريا، بينما يبرر فريق آخر هذه التصريحات بالقول إنّ الاستعدادات لمواجهة الأسلحة الكيميائية قد لا يعني مواجهة مع النظام.
عموماً فان التوجهات الأميركية ذات الطبيعة العملية بشأن الأزمة السورية خلقت مناخات ضبابية في مجمل المنظومة السياسية الأردنية، ويتجلى ذلك من خلال التصريحات غير المنسجمة التي ترشح مؤخراً، مما يشير إلى حجم التباينات في داخل المنظومة السياسية، والتي يمكن تصنيفها إلى ثلاث أفرقاء: فريق يستجيب للتوجهات الأميركية وفريق يمرّ بحالة واضحة من الارتباك وفريق آخر يرفض بتاتاً أن يكون أداة توظيف لأن ذلك يشكل خطراً على المصالح الأردنية العليا. هذه الحالة ناجمة عن تخوف كل الأطراف من اقدام الولايات المتحدة على اتخاذ خطوات تهدف إلى زجّ الأردن بالأزمة السورية في مراحلها الأخيرة، وذلك من خلال محاولة الإدارة الأميركية انتزاع موقع جغرافي للمعارضة السورية في الداخل السوري. وتشير معظم الأطراف والمراقبين والمتابعين للأزمة السورية إلى أنّ المنطقة المقترحة، والتي يجري تداولها هي منطقة الجزيرة الواقعة في الشمال الشرقي لسوريا. استراتيجياً، تتميز هذه المنطقة بموقعها الجغرافي الواقع على الحدود التركية والعراقية إلى جانب ما تمتلكه من ثروات زراعية مثل القمح القطن الأرز والنفط. يضاف إلى ذلك شكل التكوين الاجتماعي، والذي تعتقد الإدارة الأميركية أنها قادرة على توظيف تعقيدات مكوناتها الاجتماعية والقومية. هذا السيناريو الأميركي قد يرتبط ضمناً بالحديث الدائر عن تدريبات لقوات المعارضة السورية في مناطق يسهل فيها نقل الأسلحة القادمة من السعودية عبر مناطق التهريب الوعرة على الحدود السورية الأردنية أو على نحو أدق مثلث التشابك الحدودي (العراقي ــ الأردني ـــ السوري) وتمريرها لاحقاً إلى المناطق الشرقية في سوريا. هذا ما قد يفسر أيضاً الموقف العراقي الذي يسعى إلى استباق توظيف هذه الرقعة الجغرافية عبر تأمينها عسكرياً.
البعض قد يفهم السعي الأميركي المتسارع مؤخراً لتوظيف الأردن عسكرياً على أنه نتيجة طبيعية للتحولات الاقليمية الأخيرة، ودخول مصر في دائرة انعدام الوزن السياسي وخروجها من المحور الأميركي موقتاً، عدا مناخات التوجس والتخوف التي تطغى على علاقة الولايات المتحدة مع محور حلفائها، خصوصاً الخليجي. السعوديون أدركوا أنّ الانسياق التام وراء الرؤية الأميركية قد ينعكس سلباً عليهم، هذا ما قد يفسر الموقف السعودي من تجليات الأزمة في مصر والذي لم تنتظر السعودية تبلور الموقف الأميركي، بل اتخذت موقفها وفقاً لمصلحتها الاستراتيجية.
الأردن الذي انساق خلف الرؤية السعودية في مصر، لا يملك إلا البقاء ضمن المحور السعودي خصوصاً في ما يتعلق في سوريا، فاذا كان المحور السعودي يختلف مع الرؤية الأميركية في مصر، فإنّه يتفق تماماً معها في سوريا، هنا تكمن «المعضلة الأردنية».
لكن هذه التحولات الاقليمية تجعل الولايات المتحدة تصر على الابقاء على آخر أوراقها (الأردن) حاضراً بصورة قوية في المعادلة الاقليمية. وهنا قد يكمن سر الرغبة الأميركية بتحويل الأردن إلى قاعدة عسكرية أميركية عبر الزج به في آخر مخاضات الأزمة السورية.



مخاطر الحلف السعودي ــ الأردني على الداخل

تبلور الحلف السعودي ــ الأردني قد ينعكس سلباً على الداخل الأردني، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ انتقال ملف الأزمة السورية من قطر إلى السعودية قد يكون العامل المساهم الأكبر بخروج الأزمة خارج الحدود الجغرافية السورية لتأخذ بعدها الاقليمي.
وفقاً للعقلية السعودية، يجري التعامل مع الأزمة السورية عبر بوابة العراق ولبنان أيضاً، وبالتالي فإنّ الأردن يضع نفسه في مواجهة مع مكونات حدودية مجاورة وقد يجد نفسه داخل دائرة الاستهدافات الأمنية المباشرة. خصوصاً مع دخول المنطقة في دائرة الارهاب الاقليمي، حيث إنّ أهم ما يميّز نمطية عمل التنظيمات الجديدة بأنها باتت عابرة للحدود، تنظيم «دولة العراق والشام الاسلامية» على سبيل المثال.
هذه المعطيات تجعل من تخوف بعض الأوساط الوطنية الأردنية على مستقبل الأردن في إطار التوجهات الأميركية أمراً طبيعياً، حيث إنّ المغامرات الأميركية بمجمل تحالفاتها وحلفائها يغلب عليها عادةً طابع تغليب مصالح واشنطن. أما التحدي الأردني الأكبر فيتمثل في مواجهة مخاطر هذه المغامرات في الأزمة السورية، والتي ستضع عمان في دوامة تعقيدات مسار التسوية السورية وتسوية القضية الفلسطينية، بما لا يتناسب ــ بلا شك ــ والمصالح الوطنية الأردنية.