دمشق | ختم مصرف سوريا المركزي بالشمع الأحمر على أحد أكبر محال الصرفة في ساحة المحافظة وسط دمشق تابع لشركة «الهرم»، وألصق كتاب المخالفة الذي أكد على قرار الإغلاق لمدة ستة أشهر حتى يتعظ الآخرون بعدم اللعب بأسعار العملات مقابل الليرة السورية. ربما ردع هذا الإجراء الكثير من المحال المشتغلة بهذا الكار، لكن السؤال: هل كان سبب الزحام على محال الصرافة المتزايد منذ أيام يدلّ على أن الأمور تسير على ما يرام؟تكاثر شراء «الأخضر»، كما يسمّيه التجار، يقلق معظم السوريين الذين تأخذهم إشاعة وتعيدهم أخرى، خصوصاً بعد أن صدر منذ أيام مرسوم رئاسي ينصّ على «منع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات أو أي نوع من أنواع التعامل التجاري أو التسديد النقدي»، مع ذلك يبدو التجمّع أمام أحد محال الصرفة في أول شارع بغداد المطل على ساحة وزارة المالية (السبع بحرات) يذكّر بوقوف المئات على شباك دعم المواد الغذائية بسبب احتكارها لدى التجّار. توجهت «الأخبار» بالسؤال لأحد المنتظرين، ويدعى تامر محسن (موظف ــ 37 سنة) عن سبب تجمع الناس بكثرة، فأجابنا: «أغلب من يقف هنا، وقفته مأجورة، أنا مثلاً أحمل ألف دولار أريد أن أصرفها لليرة السورية بالسعر النظامي، 173 ليرة للدولار الواحد، وأحياناً أشتري دولار حسب ما يطلب مني». هنا كانت المفاجأة فالرجل ليس هو صاحب المبلغ الذي يحمله، لكنه مدفوع من قبل أحد التجار «لدعم الليرة السورية والإقبال على شرائها لمحاربة السوق السوداء، وعند تنفيذ عملية الصرف أحصل على أجرة وقفتي يومياً من ألفين إلى عشرة آلاف ليرة سورية»، يضيف.
الحُجة محاربة السوق السوداء التي تعمل على شراء وبيع الدولار الأميركي بـ200 إلى 225 ليرة، أي بزيادة ثلاثين ليرة تقريباً عن السعر الرسمي الذي فرضه المصرف المركزي (170 إلى 175)، لكن الناس وجدت في «تجارة الوقوف» أمراً مربحاً وإشارة واضحة إلى أنّ الدولار تحت السيطرة. لكن البعض الآخر لم يكن من ذاك النموذج، عتاب ضاهر (مهندسة معلوماتية ــ 31 سنة) تنتظر أن يحين دورها لتشتري مبلغ ألف دولار، لأنها تستعد للسفر بعد أن أغلقت الشركة الصغيرة التي تعمل بها في دمشق. «سمحت الدولة لنا كمواطنين أن نشتري ألف دولار شهرياً شرط أن نترك صورة عن الهوية الشخصية لدى محل الصرافة، وأنا أسعى لذلك من أجل السفر. وفي محل آخر ثمة صديق يشتري أيضاً ذات المبلغ لي، لأن شركة الحواسيب التي أعمل لديها هنا، انتقلت لبيروت، وعليّ اللحاق بها»، تروي ضاهر لـ«الأخبار».
قد تجد بين الواقفين أناساً لا يعملون شيئاً، هم مراقبون فقط، وفي تمويه منهم يتضح أنهم من العناصر الأمنية للحفاظ على سير عملية الزحام على نحو معقول. على ضفاف العاصمة معارك طاحنة، وأصوات متقطعة لانفجارات لا أحد يهتم لها، العين على باب محل الصرافة وعنصر الحراسة الذي يمسك ورقة وينادي على «مجاهدي» تصريف الأموال حين يأتي دورهم. هنالك امرأة متذمرة وهي تعد «الحوالة» التي وصلتها للتو، تدفع الجموع وتصل حتى الشارع وهي تثرثر عن الليرة، نسأل ما المشكلة فتؤكد: «جاءت الحوالة بالدولار، لكن الموظف صرفها لي بالليرة، وقال هذا أمر من حاكم مصرف سوريا المركزي، ثم أخذ قيمة إضافية على خدمة التحويل رغم أن التكاليف مدفوع حين أرسل لي ابني المبلغ من دبي، لكنهم يصرّون على ضريبة العملة الصعبة، كأني ملونيرة وعلي دفع ضرائب الدولة كلها!». وفي جلسة بيع علنية حضرتها أكثر من عشر مؤسسات صرافة، باع مصرف سوريا المركزي شريحة من القطع الأجنبي تكفي محال الصرافة حتى انتهاء عيد الفطر بسعر 173.27 ليرة للدولار الأميركي على أن تباع للمواطنين بسعر 175 ليرة. وعلّق حاكم المصرف، أديب ميالة، بتصريح صحافي «أنّ إغراق السوق بالقطع الأجنبي حتى التخمة يساعد على خفض سعر الصرف إلى حدود مقبولة». في إشارة منه إلى مواجهة ظاهرة الزحام اليومي التي يفتعلها البعض لهزّ موقع الليرة. كذلك أكد ميالة أن «المصرف المركزي سيكون متواجداً في سوق القطع الأجنبي يومياً لتلبية أي طلب غير متوقع على القطع الأجنبي». ربما يبدو كلام حاكم المصرف ناتجاً عن حُسن نيّة! لأن المضاربة اليومية التي تستجر القطع الأجنبي أمام محال الصرافة ليست مجرد حركة عشوائية اقتصادية (سوداء) بل هي محاولة جديّة لإصابة الناس بهلع «الأخضر»، لأن أغلب من وقف أمام منابع الصرافة يشترون الدولار ولا يمكن لأحد أن يثبت عكس ذلك حتى لو كان الهوية الشخصية دليلاً مصوّراً!