انقلبت الأمور رأساً على عقب في مؤسسة كهرباء لبنان. هذه المرة لا علاقة لقدرة القادر ولا الجلسات النيابية بإقفال المياومين لدوائرهم وإحراق الدواليب. هذه المرة كانت مذكرة صادرة عن إدارة المؤسسة هي «القشة الذي قسمت ظهر البعير». فجر أمس، تنبه المياومون، المفروزون إلى شركات مقدمي الخدمات، إلى «مخاطر» المذكرة التي تطلب الإدارة فيها من «470 مياوماً انتهت عقودهم مع إحدى الشركات الأربع تسجيل حضورهم في الدوام كإجراء مؤقت». وهم المياومون الذين انتهت عقودهم مع شركة «ترايكوم». قامت الدنيا ولم تقعد. وقبل أن يطلع النور، كان المياومون يسدون أبواب المؤسسة وأبواب الدوائر في المناطق ويعطلون يومها. وعندما ازدحمت الشوارع بناسها، أحرقوا الدواليب وأبقوا نارها حتى انتهاء الدوام الرسمي. فما الذي حدث؟
بدأت القصة أول من أمس مع حملة «التوضيب» التي قامت بها المديرة التنفيذية في شركة ترايكوم لينا متى. فمن جملة ما وضّبته الأخيرة قبل الرحيل آلات تسجيل دوام الموظفين الخاصة بها. على الأثر، خافت المؤسسة من «انفلات الأمور» بغياب الرقيب، فارتأت أن يقوم المياومون ــ السابقون في ترايكوم والمنتظرون للمتعهد الجديد ــ بتسجيل دوامهم على آلات التسجيل التابعة للمؤسسة «كإجراء مؤقت». غير أن حسابات المؤسسة لم تطابق حسابات المياومين في شركات مقدمي الخدمات، الذين اعتبروا أن مجرد «تتكيس» هؤلاء على آلات التسجيل الخاصة بالمؤسسة هو إيذان ببداية «اعتماد صيغة الأجير المؤقت تمهيداً لتثبيتهم في المؤسسة». علت الصرخة بين المياومين المستغربين لخطوة المؤسسة، وهم الخائفون من إجراءات تأتي بصيغة المؤقت «وتنتهي لتصبح ثابتة». يملك هؤلاء «أدلة» على أمور تحدث في المؤسسة بغير علمهم منها على سبيل المثال «مذكرة مشروع إجراء عقود مباشرة بين شركة قاديشا وعمال غب الطلب والموظفون الستون الذين سقطوا بالباراشوت على شركة ترايكوم قبل انتهاء عقدها تمهيداً لتحقيق التوازن وتثبيتهم وإبقائنا نحن لنسير عمل الشركات الخاصة، وأخيراً رفض المؤسسة طلب المتعهد الجديد تركيب آلات تسجيل حضور خاصة به»، يقولون. يخاف هؤلاء من كل هذا. وإجراء المؤسسة المؤقت هو جزء من هذا الخوف. فما الذي يعنيه استخدام المياومين الـ470 لآلات تسجيل الحضور التابعة للمؤسسة؟ وهل هي البداية نحو الدخول إلى المؤسسة؟ الكل سأل هذه الأسئلة وفي رأسه جواب واحد: «هل سيتم تثبيتهم دوننا؟».
وفي عز خوفهم وجولاتهم على المسؤولين ــ ومن بينها اللقاء مع المدير العام للرقابة في المؤسسة عامر الطفيلي «الذي من المفترض أنه يقوم بمبادرة إما بإلغاء المذكرة أو إيجاد حل على شاكلة أن يصبح كل المياومين مشمولين بها» ــ جاء التعقيب من المؤسسة، التي أصدرت بياناً أشارت فيه إلى «أن ما ذكره المياومون عارٍ كلياً من الصحة، وفي ما يتعلق بالعمال المذكورين، فإن العقد الموقّع بشأنهم مع المتعهد شركة ترايكوم تحت اسم يد عاملة داعمة للمؤسسة انتهى (…) وقد وافق المدير العام على اقتراح المراقبة العامة باعتماد آلات ضبط الدوام التابعة للمؤسسة لاحتساب ساعات الدوام لهؤلاء كما هو وارد في نص الاقتراح»، بانتظار «موافقة وزارتي الطاقة والمياه والمالية على العقد مع المتعهد الجديد وهو الشركة المتحدة للصناعة والتجارة والمقاولات، وتستقدم الآلات الخاصة بها لضبط الدوام». وأعادت التأكيد أن اتخاذ هذا الإجراء يأتي «حفاظاً على حسن سير العمل والانضباط داخل المؤسسة وعلى المال العام». هذا ما أوضحته المؤسسة إذاً. لكنّ للمياومين قراراً حاسماً: إلغاء المذكرة. ولذلك هم مستعدون «للمزيد من التصعيد»، يقولون. وأمس، لم يكن إلا البداية، وإن كانوا قد قاموا بمبادرة «حسن نية» وفتحوا المدخل المطل على مار مخايل، إلا أن القرار بالتصعيد اتخذ، «وأشكاله رهن بما ستتخذه المؤسسة في الساعات المقبلة، إذ أخذنا وعداً بتسوية الأمور وتركيب الآلات الخاصة بالمتعهد الجديد اليوم». أما في حال الإبقاء على الحالة نفسها، فمن المفترض أن يقوم المياومون بإعلان خطة التصعيد «وقد يكون منها إقفال معامل إنتاج الطاقة والعودة إلى الاعتصام المفتوح ونصب الخيمة من جديد».
لكن، يبدو أن التصعيد المياوم سيقابله اليوم تصعيد الموظفين الثابتين في المؤسسة، إذ دعت نقابة عمال مؤسسة كهرباء لبنان ومستخدميها «جميع العمال والمستخدمين للإضراب والتوقف عن العمل وعدم الحضور إلى كل مديريات المؤسسة ودوائرها على جميع الأراضي اللبنانية اليوم، باستثناء العاملين في الاستثمار في معامل الإنتاج وفي محطات التحويل الرئيسية»، محذرة من «أنه في حال عدم فك الأغلال عن بوابات المؤسسة في مهلة أقصاها صباح غدٍ السبت، فستضطر النقابة الى عقد جلسة استثنائية صباح اليوم نفسه لاتخاذ الخطوات التصعيدية وصولاً الى الاضراب المفتوح».
فتحت الجبهة. ولكن القصة ليست قصة آلة تسجيل، بل هي قصة مياومين لا يريد أحد أن يجد خاتمة لها.