بعد أربعة أيام من الأداء المرتبك، أُخمد حريق حرج السفيرة ــ الضنية، وتمكن عناصر الجيش اللبناني والدفاع المدني أمس من محاصرة الحريق، وصولاً إلى إخماده.عنصران أساسيان أسهما في هذا التطور الإيجابي الذي أدى إلى حماية الجزء الأوسع من أكبر حرج صنوبر في لبنان، والذي تقدر مساحته الكلية بأكثر من خمسة ملايين متر مربع. الاستعانة بطوافة «سيكورسي» المتخصصة في إطفاء الحرائق، وإنشاء بركة مياه قرب موقع الحريق.
وشكا أهالي المنطقة من تأخر طوافة «سيكورسكي» في المشاركة في إطفاء حريق السفيرة، خصوصاً أن قدرتها على تخزين المياه تفوق 3 أضعاف الطوافات العادية.
وفي حين لم يصدر بيان رسمي من قيادة الجيش بشأن أسباب التأخير في إصلاح طوافة «سيكورسكي»، أعاد طلب الرئيس نجيب ميقاتي الاستعانة بطوافات من قبرص جدوى شراء هذه الطوافات بملايين الدولارات. ومن المعلوم أن مبادرة الوزير زياد بارود في عام 2007 قد لاقت اعتراض عدد من الخبراء الذين طالبوا بتوقيع عقد سنوي مع شركات أجنبية للاستعانة بالطوافة وقت الحاجة، وتخصيص الاموال التي تم التبرع بها لتدريب عناصر الدفاع المدني وتوظيف مراقبين دائمين للأحراج وإنشاء أبراج مراقبة وبرك مياه اصطناعية، وهو الحل الأمثل للقضاء على الحرائق قبل توسعها.
التدخل المتأخر للطوافة «سيكورسي» كان محل انتقاد رئيس بلدية بطرماز مصطفى قرة، البلدة المجاورة للحرج، الذي أسف «لأن الطوافة لم تستخدم منذ اليوم الأول لاندلاع الحريق، لتجنيب المنطقة كارثة بيئية». أما استحداث الجيش والدفاع المدني لبركة مياه اصطناعية قرب موقع الحريق، بعد توجيه قناة مياه الري الرئيسية في المنطقة إلى داخل الحرج، فكان لها دور فعّال أيضاً في إخماد الحريق.
وشرح عناصر في الدفاع المدني لـ«الأخبار» أهمية هذه البركة التي وفرت على الطوافات الذهاب إلى بحيرة عيون السمك وعودتها محملة بالمياه، مستغرقة نحو 7 دقائق تقريباً، في حين وفرت البركة داخل الحرج أكثر من نصف المدة، ما أسهم في إطفاء الحريق سريعاً».
قضى حريق السفيرة على أكثر من 60 ألف متر مربع من الأشجار الحرجية، وتحديداً الصنوبر، وفق تأكيد أمين عام الهيئة العليا للإغاثة إبراهيم بشير، الذي زار المنطقة أمس وتفقد موقع الحريق بتوجيه من الرئيس ميقاتي، وقام بسلسلة اتصالات مع الوزارات والجهات المختصة، وجدد دعوته الى ضرورة إنشاء هيئة مستقلة تعنى بإدارة الكوارث الطبيعية.
وما زاد من مخاوف الأهالي أن الحريق امتد أول من أمس أفقياً وعلى امتداد كيلومترات عدة، قدّرها البعض بأكثر من 6 كيلومترات، داخل الحرج، ليكون خط النار داخل الحرج أشبه بـ«شريط من اللهب» ربط أطراف بلدتي السفيرة وبطرماز إحداهما بالأخرى، وجعل النار تقترب إلى أقل من 300 متر من مبنى سكني غير مأهول يقع في حي ابن الهيثم في بلدة السفيرة.
وشكل حضور عدد من متطوعي جمعية «الأرض لبنان» من بعبدا الى بطرماز للمساهمة في إطفاء الحريق دفعاً معنوياً ساهم في زيادة عدد المتطوعين من أبناء المنطقة. يشرح رئيس الجمعية بول أبي راشد لـ«الأخبار» أن المتطوعين بدأوا في إطفاء الحريق عند الساعة الخامسة فجراً، الأمر الذي حفز الأهالي على المشاركة بعد أن بادر المتطوعون في الجمعية الى تدريبهم على كيفية احتواء النار في قاعة الجامع في البلدة. ويؤكد أبي راشد أن حرج السفيرة يعاني من إهمال كبير، لأنه من أملاك الدولة، وتتراكم فيه الأغصان والأوراق اليابسة منذ عدة سنوات. وأمل السماح للحطابين بالدخول الى الغابة لتنظيفها كحل وحيد لتفادي حرائق جديدة، علماً بأن تجميع الحطب اليابس يمكن أن يوفر عشرات الأطنان للتدفئة ويساهم في التخفيف من قطع الأشجار الخضراء.
وحول دعوة وزارة البيئة الى الامتناع عن استخدام المفرقعات، يفيد أبي راشد أن الحركة البيئية وجهت كتاباً الى وزارتي الداخلية والبيئة حول هذا الموضوع منذ عدة أسابيع، لكنهم لم يحركوا ساكناً، واليوم عندما وقعت الواقعة اكتفى الوزير ناظم الخوري بإصدار بيان إرشادي حول خطر المفرقعات، فيما المطلوب وقف المفرقعات نهائياً ومنع استخدامها في المناطق القريبة من الأحراج.
الدور الفعّال للجيش والدفاع المدني في إطفاء حريق حرج السفيرة كان موضع ثناء من قبل أهالي البلدات الجردية المجاورة للحرج. في المقابل، وجّهت انتقادات الى نواب المنطقة، أحمد فتفت وقاسم عبد العزيز وكاظم الخير، الذين اكتفوا وفق بعض الأهالي «بإصدار بيانات لا تقدّم ولا تؤخر».
رئيس بلدية السفيرة حسين هرموش جدد مطالبة الأجهزة الأمنية بملاحقة من يقفون وراء افتعال الحريق، لأن كل المؤشرات تدل على أن الأجهزة تعرفهم، وذلك طبقاً لإفادات عدد من أهالي بلدتي السفيرة وبطرماز.
ورفض هرموش التراجع عن متابعة هذه القضية أمام القضاء، لأنه «لا يجوز بعد كل الذي تعرضنا له من مخاطر وأضرار، وحصول مشادات كلامية بيننا وبين بعض المسؤولين الذين اتهمناهم بالتقصير، أن نمر على الموضوع مرور الكرام، وأن نترك المتعدّين يسرحون ويمرحون وكأن شيئاً لم يكن».
وفي حين لم يقدم الدفاع المدني مسحاً شاملاً للهكتارات التي طالها الحريق خلال هذا العام، يتوقع خلال عام 2013 أن يتجاوز إجمالي المساحة الحرجية المنكوبة 2000 هكتار، أي ضعفي المعدل السنوي تقريباً (1200 هكتار). ويقدّر تقرير منظمة الأغذية والزراعة استهلاك لبنان السنوي لحطب الوقود بحوالى 82 هكتاراً، وتغطي الغابات 137 ألف هكتار (أي 13% من مساحة الأراضي اللبنانية). وتشمل الأراضي الحرجية الأخرى 106 آلاف هكتار (حوالى 10% من مجمل المساحة)، ما يعني مساحة تغطي 23% من لبنان.