قبل 4 سنوات عرضت إدارة بيت التمويل العربي على عدد من الأفراد توظيف أموالهم في صندوق استثماري اسمه «مرسى سيف». أقنعتهم الإدارة بأن الربح في هذه العملية مضمون. استحق أجل الصندوق قبل أكثر من سنة، فعرضت الإدارة سداد نصف قيمة الأموال الموظّفة من دون أي ربح. بعض أصحاب الحقوق رضخ لعروض الإدارة ظناً منهم أن تحصيل نصف المبالغ أفضل من عدم تحصيل أي منها. بعضهم الآخر ذهب في اتجاه مختلف ورفع دعاوى قضائية بدأت تصدر أحكامها تباعاً. آخر هذه الاحكام أصدرتها محكمة بداية بيروت وحكمت ببطلان العقد بين المصرف والمستثمر وألزمت المصرف بإعادة الأموال إلى أصحابها مع الفائدة القانونية من تاريخ العقد.
قصّة هذا الصندوق الاستثماري بدأت في حزيران 2008. يومها عرض بيت التمويل العربي على مجموعة من الأفراد شراء حصص في صندوق «مرسى سيف». جمع بيت التمويل العربي9.5 ملايين دولار لشراء حصص في الصندوق الذي يستثمر أمواله في مشروع عقاري في البحرين بقيمة إجمالية تبلغ 414.6 مليون دولار. كان يفترض أن تغلق إدارة الصندوق الاكتتاب في نهاية 2010 على أن تكون مدّة الاستثمار في الصندوق 3 سنوات، لكن «بسبب نقص السيولة في الأسواق العالمية وهشاشة الوضع المالي في العالم، يتوقع أن تمتدّ فترة نهاية الاستثمار أبعد من الفترة المحدّدة» وفق ما هو منشور على الموقع الإلكتروني. وتشير إلى أن الوضع في البحرين ليس ملائماً لعمليات البيع العقارية، ومن الصعب تصفية المشروع على المدى القصير «ولا يمكن إدارة المشروع أن تتوقع نهاية فترة الاستثمار تماماً كما هو صعب عليها أن تتوقع تحرّكات الأسواق».
إذاً، بات المستثمرون في لبنان جزءاً من عملية استثمارية معقدة تمتد من البحرين إلى مصرف قطر الإسلامي الذي أجبر بيت التمويل العربي، وفق بعض العاملين في المصرف، على استثمار هذه الأموال في الصندوق كجزء من حصّته في الصندوق أيضاً... غير أنه في ظل هذا الوضع، أين كان المستثمرون في لبنان؟ وكيف وقّعوا عقود الاستثمار في هذا الصندوق؟ هل حصلوا على الأرباح؟ هل حصلوا على أي ضمانات للربح؟ هل كانت أموالهم في أيد موثوق بها؟
كل هذه الأسئلة تطرّقت إليها محكمة الاستئناف في حكمها الذي يفصل في الدعوى المقدّمة من محمد ديب ضدّ بيت التمويل العربي ممثلاً برئيس مجلس إدارته محمد عبد اللطيف المانع. تشير المحكمة إلى أنه بعد التدقيق والمذاكرة تبيّن لها أن المصرف عرض على ديب قبل أربع سنوات «حسنات الاستثمار في صندوق استثماري تحت تسمية مرسى السيف، وأخبره أن فرصة جني الأرباح في هذا المشروع مضمونة 100% ودعاه إلى الاستثمار فيه من دون أن يشير له إلى المعلومات الأساسية المتعلقة بالمخاطر الجدية المتعلقة بالاستثمار، فاستغلّ عدم خبرته وأقنعه بنجاح عملية الاستثمار في الصندوق، ما حمل ديب على تسليمه مبلغ 300 ألف دولار في 28 تشرين الأول 2008».
عندما استفسر ديب، لاحقاً، عن أمواله وعائداته «لم يلق جواباً بل تلقى عرضاً من المصرف لشراء استثماراته في الصندوق» كما تقول المحكمة. في هذا السياق، تقول مصادر مصرفية إنه عندما تبيّن لإدارة بيت التمويل العربي أن المشروع فشل في بيع العقارات الناشئة عنه، عرضت على المستثمرين إعادة 50% من قيمة أموالهم بهدف إغلاق الملف. بعض المستثمرين لم يقتنع بالتخلي عن أمواله التي كان موعوداً بأن تنتج له الأرباح. ديب هو واحد من 30 صاحب حق ذهبوا في اتجاه رفع دعاوى قضائية على بيت التمويل العربي، طالبين إبطال العقد الموقّع بينهم وبين بيت التمويل العربي بشأن الاستثمار في صندوقي «مرسى سيف» و«دانات ــ الهند».
على أي حال، فإن المحكمة استندت في إصدار حكمها الابتدائي إلى أحكام المواد التي ترعى العقود الائتمانية ومسؤولية المصرف بوصفه مؤتمناً على أموال المستثمرين والمودعين، بصرف النظر عن طبيعة عمل المصارف الإسلامية، واستند إلى التشريع الفرنسي لتحميل المصرف مسؤولية الحفاظ على الأموال المستثمرة من دون الأرباح، أي الحفاظ على رأس المال. وفي معرض بحث المحكمة في تفاصيل القضية، تبيّن لها أن العقد «معدّ سلفاً من قبل المصرف بصيغة لا تخلو من الاستخفاف، وأن مظهره وشكله الخارجي وصياغته والسطحية كلها أمور تؤشّر إلى عدم المهنية».
في النهاية، أوضحت المحكمة أنه في ضوء «ثبوت الضرر الذي يعتبر من مخاطر العملية الائتمانية ولا يتحمل نتائجها المؤتمن مبدئياً في الحالات العادية، إلا أنه وفي ضوء المخالفات العديدة التي شابها العقد لحظة إنشائه يمسي المؤتمن في موقع المسؤول عن التعويض عن الضرر بعد إبطال العقد... حكمت المحكمة بإبطال العقد وإلزام المصرف بإعادة مبلغ 295 ألف دولار (بعد التدقيق في المبلغ) مع الفائدة القانونية من تاريخ العقد، أي من 25/10/2008 لغاية الدفع الفعلي».