دمشق | «حتى لا يأتي رمضان عليهم ولا يجدون ما يأكلونه أو يسد رمقهم، بعدما ضاق بهم الحال واضطرتهم الأزمة إلى ترك بيوتهم وأعمالهم والوقوف ساعات أمام لوحات الأسعار غير قادرين على اتخاذ أي قرار بالشراء»... لهذه الأسباب تحركت مجموعة من الشباب السوريين المقيمين في دمشق لإطلاق مبادرة اختاروا لها تسمية من روح فكرتها، ومن لهجتهم المحلية: «خسى الجوع».
الحملة، وكما تدل من اسمها، هدفها منع الجوع عن كثيرين باتوا يعانونه بعد أزمة طويلة وصلت اليوم إلى شهرها الثامن والعشرين، بكل ما حملته من تهجير وفقدان العمل وارتفاع في الأسعار.
هؤلاء الشباب، الذين بلغوا في فترة التأسيس الثلاثين، ازداد عددهم بعدما تمكنوا من بناء الثقة مع محيطهم، وأطلقوا بدايةً مبادرة حملت اسم «ساعد»، فكانت الانطلاقة مع الأطفال، كما يوضح علي مقداد، أحد مؤسسي الحملة، والعضو في فريقها الإعلامي. وأطلقوا، بعدها، فعالية «إشاعة»، وكان هدف التسمية تغيير مفهوم الإشاعة، «فهي ليست مجرد خبر كاذب أو سلبي أو ربما معلومة سريعة وغير دقيقة، بل هي معلومات قد تحمل إيحابيات»، ومن ثم كانت مبادرتهم الثانية بيئية، لتبدأ منذ فترة حملة «خسى الجوع».
ويضيف علي إنّ التجربة، في البداية، لم تكن قائمة على تقديم الطبخ، بل على إيصال الغذاء والطعام إلى المحتاجين، وأن تكون «ساعد» وسيطاً بين من يقدم ومن يستفيد، لكن تجربتهم تطورت وأصبحت مطبخاً خيرياً، بعدما قدّم مطعم يقع قرب الجامع الأموي مطبخه للفريق وبدأ العمل. ومن 600 وجبة افطار وزعت في أول يوم إلى ألفي وجبة في اليوم العاشر من شهر رمضان، ومن عدد قليل من المتطوعين إلى عدد يفوق الألفي متطوع يحرصون على تقديم كل ما يلزم ويخدم هذه الحملة.
علي يروي في تعريفه البسيط عن الحملة بأنّ هدفها إعادة «الخبز والملح» بين الناس، «لأن الطعام يصنع هذا الأمر سواء مع الأشخاص المستفيدين أو مع المتطوعين»، فيومياً يجتمع في مطعم «اللو» - الذي سيصبح اسمه لاحقاً «خسى الجوع» - مئات المتطوعين من محافظات مختلفة وخلفيات فكرية وثقافية مختلفة «ليتشاركوا خدمة أخيهم السوري الجائع».
وحرصت المجموعة على كتمان أسماء المستفيدين، وهي تعرفت عليهم خلال قوائم قدمها المخاتير وشيوخ في المساجد، إضافةً إلى جمعيات معنية بالشأن الإغاثي، وأفراد زاروهم في مكان عملهم. ويبيّن علي أن المتطوعين والداعمين ازدادوا «بعدما تمكنا من بناء الثقة معهم لأننا نرفض تقاضي أي مبالغ، وفكرتنا تقوم على الحصول على المواد الغذائية من أرز وسمنة وسواهما من مواد أولية لصنع الطبق اليومي». الشاب يرفض الدخول في التعاملات المالية «لأن المال يفقد أي عمل تطوعي بريقه، وأيضاً بحصولهم على المواد الأولية يختصرون عناء الذهاب إلى السوق والتسوق، وخاصة أنهم في سباق مع الزمن يومياً لتأمين الوجبة».
الحملة لفتت الأنظار إليها رغم حداثتها، وتوافد الكثير من الإعلاميين لزيارة مقرها والتعرف عليها.
ويذكر حمادة سميسم، وهو أحد المؤسسين والمعني بتوثيق الفعالية، بأنه يحرص على تصوير النشاط دون الدخول في تفاصيل وجوه من يعملون، لأن الهدف ليس التركيز على أشخاص بعينهم، بل إظهار الأيدي السورية كيف تعمل وتتعاون لفائدة الآخرين، وهو يرفض رفضاً قاطعاً تصوير المستفيدين في صفحة الحملة أو عبر التغطيات الصحفية التي تأتي إلى المكان.
ويرى حمادة أن مكان الحملة في قلب دمشق القديمة وفي مكان يعج بالناس ساهم في الترويج لها على نحو أكبر، فالكثيرون يسألون عن سبب تجمعهم ويثيرهم الفضول لمعرفة ما يفعلون، وهو أمر يخلق فيهم الحماسة للتطوع لاحقاً بعد أن يعرفوا فكرة حملتهم، مضيفاً إن سمعة الحملة امتدت إلى خارج دمشق، وتوجد نية لتكرار التجربة في اللاذقية وحلب ولبنان.
وتركت الجمعية الباب مفتوحاً للتطوع، وإن وضعت بعض الشروط، فذكرت على صفحتها بأن الراغب في الانتساب يجب أن يكون سوريّ الجنسية، مؤمناً بسوريته، متفرغاً للمساعدة في خدمة السوريين، ويؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع.