بعد أول استحقاق واجهته منذ «فشل» إعادة طرح الثقة برئيسها نادر غزال، الذي بقي في منصبه بـ«طلوع الروح»، رسمت بلدية طرابلس معالم لا تشير إلى أن التعايش بين غزال والأعضاء المعارضين له سوف يترجم على الأرض في المرحلة المقبلة، وتبيّن أن التباعد بين الطرفين لا يزال على حاله.
وتمثل الاستحقاق في الجلسة التي عقدها المجلس البلدي عند الثالثة من بعد ظهر أمس، بعد تعذر انعقادها الأسبوع الماضي بسبب نشوب خلافات ومشاحنات بين غزال وأعضاء معارضين له، ما أدى إلى تطيير الجلسة، وتعليق قرار متعلق بإقرار مخصصات مالية لنحو 150 مياوماً يعملون في البلدية قبل حلول عيد الفطر.
واللافت في الدعوة إلى عقد الجلسة أنها جاءت من قبل الطرفين، غزال وأعضاء معارضين له، الذين أوضح بعضهم لـ«الأخبار» أن «الدعوة إلى عقد الجلسة نبعت من إحساسنا بأوضاع 150 عائلة تعتاش من عملها في البلدية، ونحن لا نريد أن يدفع هؤلاء ثمناً لخلافات لا علاقة لهم بها، أو أن يكونوا ضحيتها».
إقرار بند إعطاء المياومين مخصصاتهم المالية أقرّ، ولمدة 3 أشهر مقبلة، لكن اللافت أن غزال غاب عن الجلسة التي ترأسها نائبه جورج جلاد، بعدما حمّل الأعضاء غزال مسؤولية «التلاعب بلقمة عيش عائلات بسيطة لا ذنب لها بكل ما تشهده البلدية من مشاكل».
وأوضح بعض الأعضاء أن غزال «بدلاً من أن يعمل على إقرار المخصصات المالية لهؤلاء المياومين في الجلسة الماضية، عمل على تفجيرها منذ بدايتها، ما يدل على أنه لا يريد أن يفتح صفحة جديدة مثلما ادّعى قبل جلسة طرح الثقة به، التي حصل فيها على 8 أصوات مقابل 12 صوتاً ضده وغياب 4 عن الجلسة، وأنه مستمر في سياسته السابقة القائمة على الكيدية والاستئثار». لكن جلسة أمس تعطلت بدورها بعدما انسحب منها أعضاء مؤيدون لغزال، ما أفقدها النصاب، بعدما طلب الأعضاء المعارضون إقرار بند يفرض على غزال إعادة أموال لا يحق له قبضها بعد قرار تجميد مخصصاته، ما أدى إلى تطيير الجلسة.
غزال الذي تعذر الاتصال به، بعدما اتخذ قراراً بالاعتكاف في منزله منذ الأسبوع الماضي، وعدم حضوره إلى البلدية إلا مرات قليلة بناءً على مواعيد مسبقة، نقل عنه قوله إنه «إذا استمر العمل على المنوال نفسه، ولم يتم إيجاد حلّ لما يحصل في البلدية من مشاكل بمساعدة السياسيين الذين سأزورهم، فأنا لا أستطيع أن أستمر»، ولما سئل إن كان ذلك يعني أنه سيقدّم استقالته، لم يعلق واكتفى بالرد: «لكل حادث حديث».
لكن الأعضاء المعارضين اعتبروا كلام غزال «مجرد مناورة»، وتساءلوا: «أي سياسيين سيزورهم وهو الذي خسر أغلبهم، وحجبوا أصواتهم عنه في جلسة الثقة»، لافتين إلى أنه «يروّج بين أوساطه أن الرئيس سعد الحريري اتصل به وطلب منه عدم الاستقالة!».
وكانت جلسة الأسبوع الماضي بمثابة «القشة» التي قصمت ظهر البعير، وأظهرت أن إمكانية فتح «صفحة جديدة» بين غزال ومعارضيه متعذرة ودونها عقبات كثيرة، أبرزها انعدام عامل الثقة بين الطرفين، وعدم مبادرة غزال إلى فتح هذه الصفحة، بل على العكس، فقد أظهرت الجلسة الأولى بعد جلسة طرح الثقة أن الهوة بين غزال ومعارضيه لا تزال عميقة، وهي تتسع كل يوم.
وحسب المعلومات، فإن الأعضاء فوجئوا الأسبوع الماضي أثناء دخولهم إلى قاعة الاجتماعات، بوجود كمية كبيرة من الملفات على الطاولة، تبيّن أنها قرارات تأجلت من جلسات سابقة بعدما كانوا قد رفضوا التصديق عليها وإمرارها لأنها برأيهم «غير قانونية»، فسأل عضو البلدية، أحمد قمر الدين، غزال: «لماذا لا تدرس ملفاتك جيداً قبل طرحها؟»، فأجابه: «لا وقت عندي!»، فرد عليه: «إذا كان لا وقت لديك، فلماذا قبلت أن تكون رئيساً للبلدية؟».
السجال لم يتوقف عند هذا الحد، إذ اتهم غزال عضو البلدية خالد صبح بأنه «هدد الأعضاء وطلب منهم عدم حضور الجلسات»، فردّ عليه صبح نافياً، لكن غزال أصر على كلامه، ما دفع صبح، الذي رأى هذا الكلام «اتهاماً ضده وتحريضاً على القتل»، إلى الرد عليه: «كلامك كذب وأنت كاذب»، ما جعل الهرج والمرج يسودان الجلسة، ودفع غزال بعدها إلى رفعها وهو يقول: «يا عيب الشوم على مجلس لا يدافع عن رئيسه»، وإلى الاعتكاف منذ يومها في منزله.