«صار في قانون يمنع الخطف... القانون 174 يمنع خطف أرواح 10 لبنانيين كل يوم» هكذا احتفل نشطاء الحد من التدخين يوم اقر القانون في ايلول 2011 في المجلس النيابي، بعد رحلة تشريع استمرت سبع سنوات، لكننا اليوم امام خطف من نوع جديد للقانون نفسه.
ثغر كثيرة شابت تطبيق القانون وصولاً الى اعتباره بحكم المجمد من قبل عدد من الوزراء، لكن جريمة خطف وتعطيل القانون، بتشجيع ودعم من شركات التبغ العالمية، التي بدأت منذ لحظة اقراره، كان القضاء اللبناني مسرحها الرئيسي. فبعدما كشفت «الاخبار» عن الرأي المثير للجدل لهيئة القضايا والاستشارات في وزارة العدل في شأن السماح بوضع اعلانات الدخان في اروقة السوق الحرة في مطار رفيق الحريري الدولي، اظهر احصاء غير رسمي ان المحاكم اللبنانية لم تصدر احكاماً إلا بحوالى نصف محاضر الضبط التي حررتها الضابطة العدلية المكلفة تطبيق القانون.
وإذا استثنينا محكمتي المتن وكسروان، يتبين ان المحاكم في جميع المناطق اللبنانية، بما فيها بيروت، لم تصدر احكاماً بمحاضر خرق قانون الحد من التدخين، وما صدر منها لا يتجاوز اصابع اليدين.
الفاجعة الكبرى ليست في عدم صدور الاحكام، بل في قيمة الغرامة المخففة الى اقل من 10% عن الحد الادنى الذي ينص عليه القانون 174.
تعاقب المادة 17 من القانون المذكور بالغرامة من ضعفين (مليون وثلاثمئة وخمسون الف ليرة لبنانية) الى ستة اضعاف الحد الادنى للاجور (اربعة ملايين وخمسون الف ليرة لبنانية) كل من مستثمري أو مسؤولي ادارة الاماكن العامة المغلقة (بما فيها المطاعم والملاهي) التي يجري فيها اشعال منتج تبغي. ويعفى المستثمر من دفع الغرامة اذا ابلغ السلطات المعنية عن حالة المخالفة، وحينها يجري تغريم الشخص الذي خرق القانون بما يساوي خمس الحد الادنى للاجور (مئة وخمسة وثلاثون الف ليرة لبنانية).
جولة سريعة على الاحكام التي صدرت عن قضاة محاكم بيروت، تدل على ان هؤلاء خالفوا نص المادة 17 من قانون الحد من التدخين التي يفترض ان يصدر الحكم على اساسها.
واذا كان المشترع قد اعطى القاضي سلطة استنسابية لتقدير قيمة الغرامة بحسب كل حالة، إلا انه حدد له حداً ادنى وحداً اقصى للغرامة، لا يمكن تجاوزهما. فما كانت النتيجة؟
حصلت «الاخبار» على جدول اعدته ادارة رسمية لبنانية بناء على احصاء في جميع اقلام المحاكم اللبنانية، باستثناء طرابلس بسبب الاوضاع الامنية في المدينة، وعاليه بسبب رفض رئيس القلم في محكمة عاليه التجاوب مع المفتشين المكلفين إعداد الجدول.
وبحسب هذا الجدول وصل الى قلم المحكمة في بيروت 222 محضر ضبط بحق مخالفين لقانون التدخين. غالبية هذه المحاضر صدرت بحق اصحاب المؤسسات السياحية التي كانت تقدم إلى زبائنها النرجيلة رغم سريان منع التدخين في الاماكن العامة المغلقة منذ 3 ايلول 2012.
8 احكام فقط صدرت من اصل 222 محضر ضبط، لكن ليتها لم تصدر! اذ تبين ان القضاة حكموا بمئة الف ليرة غرامة في اربعة منها، فيما راوحت بقية الاحكام بين 300 الف و500 الف ليرة !
بقية المناطق ليست افضل حالاً، في صور (3 محاضر) وصيدا (4 محاضر) وزحلة (6 محاضر) وجزين (محضر واحد) لم يصدر اي حكم بعد، فيما بلغ مجموع المحاضر في كل من الكورة والبترون وزغرتا وجبيل وبشري 17 محضراً لم يصدر بها اي حكم ايضاً.
في المقابل تبين ان محكمتي كسروان والمتن هما الوحيدتان اللتان التزمتا قانون الحد من التدخين، وشجعتا على تطبيقه. وبحسب الجدول وصل الى محكمة كسروان 123 محضراً صدرت جميع احكامها بغرامة وصلت الى مليون ونصف مليون ليرة لبنانية، اي أكثر بمئة وخمسين الف ليرة عما ينص عليه الحد الادنى للغرامة. اما في المتن، فقد وصل الى المحكمة 128 محضراً وصدر 85 حكماً بغرامة وصلت الى مليون ونصف مليون ليرة لبنانية، وثلاثين حكماً بغرامة وصلت الى ثلاثة ملايين ليرة لبنانية، فيما لا يزال 13 محضراً ينتظر صدور الاحكام.
نحن اذاً امام معادلة بسيطة. في كسروان والمتن قضاة يعملون. اما في بقية المناطق، فالارجح ان احداً لم يخبر القضاة ان المجلس النيابي قد وافق على قانون الحد من التدخين!
وزير العدل شكيب قرطباوي أكد في اتصال مع «الاخبار» انه اطلع على جدول بنتيجة محاضر التدخين في المحاكم المدنية. ولفت الى انه ارسل قبل اسبوعين كتاباً الى القضاة عبر مجلس القضاء الاعلى تمنى فيه التشدد في تطبيق احكام قانون التدخين والاسراع في اصدار الاحكام.
وتتألف الضابطة العدلية المكلفة تنفيذ قانون الحد من التدخين من قوى الأمن الداخلي - وزارة الداخلية، الشرطة السياحية - وزارة السياحة، المراقبين في مديرية حماية المستهلك - وزارة الاقتصاد، المراقبين الصحيين - وزارة الصحة.
المراقبة الفعلية لاداء الضابطة العدلية بعد سنة من اقرار القانون، موعد سريان حظر التدخين في المطاعم والملاهي، تبرهن ان هؤلاء قد نظموا ما لا يقل عن 500 محضر بحق المؤسسات والافراد الذين خالفوا قانون الحد من التدخين في الاماكن العامة المغلقة.
وتفيد وزارة السياحة ان الضابطة السياحية نظمت 75 محضر تدخين حتى 24 حزيران الماضي، فيما أكد مدير برنامج الحد من التدخين في وزارة الصحة فادي سنان، ان المراقبين الصحيين مكلفون مراقبة تطبيق القانون في المؤسسات الصحية. مع الاشارة الى ان دفتر محاضر وزارة الصحة لم يستخدم بعد! امّا حماية المستهلك، فكأنها غير موجودة!
لكن ما نفع الضابطة العدلية ومحاضرها طالما ان بعض من في «العدلية» قد قرر ان غرامة الدخان لن تتجاوز قيمة نفس نرجيلة مع البقشيش!